شكرية باركزاي: لا ألتفت إلى تهديدات طالبان ومافيا المخدرات لأن العمر واحد والرب واحد

أشهر نائبة أفغانية لـ«الشرق الأوسط»: ملايين الدولارات أنفقت على شراء الأصوات سرا وعلانية * قالت إن المجاهدين يسعون لإسكات صوت النائبات تحت قبة البرلمان

النائبة البرلمانية الأفغانية شكرية باركزاي («الشرق الأوسط»)
TT

قالت النائبة البرلمانية الأفغانية البشتونية العرق شكرية باركزاي إنها واثقة بالفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري يوم السبت المقبل، رغم مواجهتها في دائرتها بالعاصمة كابل عددا من رجال الأعمال والجهاديين النافذين الذين يشترون الأصوات بالملايين التي تدفع سرا وعلانية.

وقالت السيدة باركزاي في اتصال هاتفي أجرته معها «الشرق الأوسط» : «لم أدفع مليما واحدا ولم أتلق إعانات مالية من أحد خلال حملتي الانتخابية»، وأشارت: «إذا أنفقت أموالا اليوم، فلن ألبي ما وعدت به أبناء دائرتي الانتخابية غدا».

وقالت إنها نجحت من قبل في الوصول إلى قبة البرلمان في الدورة السابقة في مواجهة عتاة منافسين، بفضل أصوات أبناء دائرتها من الطلبة الجامعيين والسيدات وأصحاب الفكر الليبرالي، الذين يتخوفون مثلها على مستقبل أفغانستان من عودة طالبان إلى الحكم وسطوة الجهاديين الذين «يريدون عودة عقارب الساعة إلى الوراء».

وقالت باركزاي ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» إنها لا تلتفت كثيرا إلى تهديدات طالبان، لأن العمر واحد والرب واحد، وما هو مكتوب ستلقاه خيرا كان أم شرا. وأشارت إلى أن طالبان ليسوا وحدهم الذين يهددونها، بل أيضا مافيا الفساد من رجال الأعمال الفاسدين الذين فضحتهم تحت قبة البرلمان وكذلك قادة الجهاد الأفغاني أعضاء البرلمان الذين يريدون عودة المرأة مرة أخرى إلى كواليس المطبخ وغرف المعيشة. وأوضحت: «هم يكرهونني وأنا أعرف ذلك مقدما، ولكني لا ألتفت كثيرا إلى انتقاداتهم».

وقالت ردا على سؤال لـ «الشرق الأوسط» إنها رفضت الحراسة الخاصة الممنوحة لأعضاء البرلمان، وتتنقل مع سائقها الخاص من منزلها إلى مقر البرلمان الأفغاني في منطقة كارتيه سي بغرب العاصمة كابل دون حراسة. وأشارت إلى أنها لم تغير من نمط حياتها بعد تلقيها تحذيرا بخطاب رسمي من الداخلية الأفغانية. وأوضحت أن المعلومات التي تسلمتها من الحكومة بناء على معلومات استخباراتية تقول إنها هدف للانتحاريين. وأعربت عن اعتقادها أن من يهدد حياتها قد يكون تجار المخدرات أو طالبان.

ويتنافس في الانتخابات البرلمانية التي تجرى السبت 2556 مرشحا من أمراء حرب ومقاتلين سابقين من المجاهدين والناقدين المتشددين ورجال أعمال مشبوهين، بينهم 406 سيدات، لشغل 249 مقعدا في مجلس النواب (ويلسي جيرجا). وعلى الرغم من أن الاهتمام بين النساء ضئيلا، نتج عن حملة الترشيح في اللجنة المستقلة للانتخابات رقم قياسي وهو 406 مرشحات في الانتخابات التي تجري يوم السبت على 64 مقعدا تم تخصيصها للنساء بموجب الدستور الأفغاني، الذي يمنحهم 25 في المائة من إجمالي عدد المقاعد في البرلمان البالغ 249 مقعدا. (يخوض هذه الانتخابات 2565 مرشحا من الرجال.) والنائبة الأفغانية باركزاي ضربت مثلا رائعا في الالتزام لم أره من قبل، لذا يستحق أن يذكر، فعندما أرسلت إليها رسالة «إس إم إس» أطلب لقاء صحافيا، اتصلت بي هاتفيا بعد دقائق وطلبت مني الاتصال بعد نصف ساعة، لأنها مشغولة في لقاء انتخابي مع أبناء دائرتها أول من أمس. ومن أبرز المرشحات السيدات في الانتخابات الأفغانية فوزية كوفي من ولاية بادخشان وعزيتة رفعت من غرب أفغانستان، وملالي إسحاق زي وهي بشتونية أيضا مثل باركزاي من قندهار ولكنها خافت من أيدي طالبان القوية في موطن الملا عمر، فرشحت نفسها أيضا عن دائرة كابل، وهناك أيضا روبينا جلالي، مرشحة كابل بطلة رياضة العدو الأولمبية ابنة الـ25 عاما. أما المرشحة المعروفة نعمة سوراتجار، فبعد أن سجلت اسمها ضمن قائمة المرشحين للانتخابات البرلمانية حتى انهالت عليها عشرات التهديدات والإهانات عبر رسائل البريد الإلكتروني. وتحتوى رسالة إلكترونية مجهولة المصدر جاءت بعنوان «أشهر غانية أفغانية ترشح نفسها للبرلمان»، التي أرسلت أيضا إلى مكاتب وسائل الإعلام ومسؤولي الانتخابات - على هجوم قاسٍ في أربع صفحات على حياة سوراتجار الخاصة وتحث الناخبين على عدم مساندتها. واعترفت بأنها تواجه في دائرتها الانتخابية في العاصمة كابل مواجهة شرسة من منافسين من رجال الأعمال، وفي دائرتها بالعاصمة هناك 600 مرشح على 33 مقعدا بينهم 90 سيدة مرشحة. وتقول باركزاي إن السيدات وطلبة الجامعة وكثيرا من المتعلمين والمثقفين في دائرتها الانتخابية هم طريقها إلى قبة البرلمان الأفغاني، لأنهم صراحة يريدون أن تكون صوتهم في النقاشات الدائرة في البرلمان الأفغاني.

بيد أن هؤلاء السيدات، ومن بينهن مسؤولات تنفيذيات في الشركات وناشطات في مجال الحقوق المدنية، يبلّغن بصورة يومية عن تهديدات من حركة طالبان وغيرها من حركات التمرد. وفي نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، جرى اختطاف وقتل خمسة من المشاركين في الحملة الانتخابية لعضو البرلمان الصريحة فوزية جيلاني، التي تخوض الانتخابات في هرات.

ويركز برنامج شكرية باركزاي الانتخابي على المساواة والحق والعدل في الحقوق بين الرجال والنساء، ورمز حملتها الانتخابي «الزهرة»، وكثيرا ما دخلت في مشادات مع أعضاء البرلمان من قادة الجهاد الأفغاني السابق الذي يترأسه الشيخ يونس قانوني، الذين كانوا يرفضون إعطاءها فرصة للكلام أو التعليق على مشاريع القرارات المدرجة على لائحة الاستجواب تحت قبة البرلمان. وتشير إلى أنها تعرف مقدما أن الجهاديين يكرهونها، لأنها تتصدى بقوة إلى مشاريعهم المنادية بالحد من حرية المرأة الأفغانية والتقليل من شأنها، وتقول: «إن العلاقة بيننا ليست بخير على أي حال، لأنهم يريدون إرجاع المرأة الأفغانية إلى المطبخ».

وتقول باركزاي، العضو البارز في البرلمان: «إذا كنت تخوض مسابقة لعارضات الأزياء، فإنك تحتاج إلى وجه جميل وقوام رائع. لكن إذا كنت تخوض الانتخابات البرلمانية، فإن المعيار مختلف. يفكر السيدات هذه المرة في أن أي أحد يستطيع أن يكون عضوا بالبرلمان. حسنا، يمكنهم الفوز بالمقعد، لكن كيف سيعملون؟ إنهم لا يعرفون الدستور، ولا يعرفون شيئا عن الميزانية، ولا يعرفون شيئا عن الوظيفة الرقابية». وطالبت بأن تحترم العملية الديمقراطية من جميع أبناء الشعب رغم وجود أنباء عن العثور على بطاقات مزورة.

إلا أن إصرار الناخبين على الحضور إلى اللجان الانتخابية من قبل السيدات والرجال، سيكون يوم السبت أبلغ رد على تهديدات طالبان - على حد قولها. وقالت إن دخولها الانتخابات للمرة الثانية ليس الهدف منه الحصول على مقعد أو امتيازات، بل إنها تملك رؤية لبلدها في عودة الأمن والاستقرار إلى ربوع أفغانستان وإعطاء المرأة مزيدا من الحرية عبر التعليم الذي حظرته طالبان على الفتيات، والحد من سطوة المجاهدين.

وعن ما يتردد من حوار دائر مع عناصر من طالبان ودعوة الرئيس كرزاي إليهم للمشاركة في الحياة السياسية، قالت إنها «مع مشاركة عموم الأفغان في الحياة السياسية بعيدا عن أنهار العنف والدم التي أكلت الأخضر واليابس منذ أكثر من تسع سنوات، نعم لعودة طالبان من خلال المشاركة السياسية في البرلمان أو الحكومة، أي بعيدا عن العنف، أي بعد أن يلقوا السلاح ويتخلصوا من أوهام الانقلاب على الحكومة والسيطرة عليها وفرض قوانينهم من جديد التي جعلت النساء مواطنين من الدرجة الثانية».

وعن فحوى التهديدات التي تلقتها من قبل، تقول باركزاي إن بداية تلقيها تهديدات بالقتل جاءت بعد تقدمها بأكثر من استجواب عن سبب استفحال زراعة الخشخاش في أراضي أفغانستان وضعف الحكومة على الأرض في مواجهة فلول عناصر طالبان. وتعتبر المخدرات التي تعانيها أفغانستان في وادي نهر هلمند بإقليم هلمند في جنوب البلاد أزمة حقيقة اليوم.

وتعد أفغانستان أكبر منتج للأفيون في العالم.

والهيروين الذي يتم الحصول عليه منه ينتشر في شوارع المدن بأنحاء العالم. وتزايد الإنتاج منذ الإطاحة في عام 2001 بحركة طالبان من السلطة. وكانت الحركة قد حظرت الأفيون في نهاية حكمها. واستغلت عصابات المخدرات حالة انعدام الأمن لتوسع من نشاطها. وتقول شكرية إنها بالفعل تخاف على بناتها من انتقام هؤلاء الخارجين على القانون وقد أرسلتهم إلى الخارج لتلقي التعليم. إلا أنها أكدت أنها تحتسب عمرها في سبيل الله من أجل الوطن والشعب الأفغاني.

ونموذج باركزاي لا يتكرر كثيرا في العاصمة كابل، فهي رئيس تحرير أول صحيفة نسائية في أفغانستان وهي صحيفة «آيناي زان» أو «مرآة المرأة»، وهي برلمانية معروفة تدير صالونا ثقافيا يحضره أبناء النخب السياسية والمتعلمون من صحافيين وإعلاميين في فيلتها بحي «الصفوة » وزير أكبر خان، وهي معروفة بقوة حجتها في التصدي للمجاهدين وطالبان ومافيا المخدرات.

وتقول نريد أن نتقدم إلى الأمام من أجل حل مشكلات أفغانستان، وهناك كثير من نخب المجاهدين لا يقبلون أن تناقشهم المرأة بالحجة من أجل مصالح ملايين النسوة الذين حرموا سنوات طويلة من حقوقهن، إلا أنها تعترف أيضا بأنها تعاني إيصال صوتها تحت قبة البرلمان الأفغاني في العاصمة كابل، بسبب قادة الجهاد الأفغاني السابق الذين ما زالت لهم سطوة ونفوذ في البلاد، ففي رأيها «هم لا يريدون للمرأة أن يكون لها صوت في المعارضة والاستجواب ويستكثرون عليها ذلك». وتقول: «لكنني لا أسكت لهم، وهم يعرفون ذلك، لأنهم يريدون عودة النساء إلى الوراء».

وقالت: «المرأة كانت في عهد طالبان بالنسبة إليهم لا شيء، ولا تحظى بأي تقدير أو رعاية، وقد منعوا البنات من التعليم خلال عهد الحركة الأصولية، وجاء الوقت لتنال البنات حقوقهن بالكامل في التعليم والوظائف».

وتوضح باركزاي أن قيادات الجهاد الأفغاني لم يتعودوا المعارضة من النساء في الحياة العامة، كما كان الحال أيام أمها وجدتها، «ولكن الزمن قد تغير، ولا بد من إيصال صوت النساء اللاتي عانين التهميش في عهد طالبان إلى مسؤولي الحكومة، ولذا فهم يكرهونني ويسعون لإسقاطي وقد فشلوا من قبل».

وكانت «الشرق الأوسط» قد التقت شكرية باركزاي قبل تسع سنوات أثناء تحضيرها للانتخابات البرلمانية في فيلتها بحي وزير أكبر خان، وهو الحي الذي يقطنه علية القوم في كابل من ممثلي البعثات الدبلوماسية والمنظمات غير الحكومية. وقالت: «هناك الكثير من القضايا الملحة مثل الأمن المتدهور في الشارع الأفغاني، والسؤال الملح الذي لا يتوقف أين تذهب المساعدات الأجنبية على أرض الواقع، فالشوارع كما هي منذ سقوط طالبان قبل تسع سنوات، ومشكلات الاقتصاد والبطالة تتفاقم وحالات الناس المادية تتدهور من سيئ إلى أسوأ». وقالت إن هناك نقصا في التنسيق بين دول التحالف التي تساعد أفغانستان على النهوض من عثرتها، وقالت: «نريد أن نرى الإنجازات على أرض الواقع في مجالات الصحة والتعليم والطرق».

وقالت إن النائبات الأفغانيات وعددهن 406 سيدات نائبات في المجلسين، كسرن التقاليد أو «التابو» الذي كان مفروضا عليهن منذ سنوات الجهاد، أي قبل وصول طالبان إلى الحكم عام 1996، وبات صوت النساء اليوم عاليا تحت قبة البرلمان، مشيرة إلى أن هناك أكثر من نائبة وليس وحدها لا يسكتن عن الضيم تجاه حقوق المرأة، وقالت: «إن كل النائبات غير أميات وكثير منهن جامعيات، وبالتالي فإن المجاهدين الذين يسيطرون على نحو 60 في المائة من مقاعد البرلمان يريدون إسكات أصواتنا إلى الأبد، لأنهم يعتقدون أن مكان المرأة الحقيقي هو في المنزل أو في المطبخ، أي إنهم يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء». وقالت إنها في العادة ترفع صوتها بالاحتجاج حتى لو صرخوا وطالبوها بالصمت. واعترفت بأن «جزءا من التقاليد الأفغانية أن لا ترفع المرأة صوتها في حضرة الرجال، فهذا الأمر لا يعجب قدامى المجاهدين، ولأننا اليوم في عالم متغير، وتحت قبة برلمان واحد، وهناك مشكلات عاتية في الشارع الأفغاني منها تدهور الأمن، واستفحال زراعات المخدرات والعنف المنزلي الموجه ضد النساء، فلا بد أن يقف أحد ما ويضع النقاط على الحروف، ويقول بصوت عال لرئيس البرلمان أو السادة النواب إن هذا الأمر خطأ». وتضيف أن «ما حدث خلال الدورة السابقة لم تره أمي أو جدتي من قبل في اعتراض النائبات بالاحتجاج أو تقديم الاستجواب ضد ما يحدث لبنات جنسهن من تهميش أو عنف أحيانا». وعن حياتها اليومية قالت إنها تبدأ يومها في التاسعة صباحا أحيانا بالذهاب إلى البرلمان مع سائقها، وليس كل يوم تذهب إلى مقر البرلمان، ثم تلتقي أبناء دائرتها الانتخابية في مكتب مخصص بالدائرة الانتخابية يوميا ما عدا الجمعة، وأحيانا يأتون إلى منزلها إذا كانت لديهم حاجة ملحة، والمشاركة في مؤتمرات صحافية أو لقاءات بصفة غير منتظمة.