بابا روما يصل إلى بريطانيا وسط جدل كبير.. ويحذر من تزايد «العلمانية العدوانية»

في زيارة رسمية هي الأولى منذ انشقاق الكنيسة الإنجليكانية عن الكنيسة الكاثوليكية

TT

وسط الكثير من الجدل، بدأ أمس رأس الكنيسة الكاثوليكية، البابا بنديكتوس السادس عشر، زيارة رسمية تاريخية لبريطانيا، هي الأولى لبابا روما منذ انشقاق الكنيسة الإنجليكانية عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر.

وفي بلد مسيحي يعتبر الأكثر علمانية في أوروبا، ويدين معظم شعبه بالإنجليكانية، يطمح البابا بنديكتوس، في جولته التي تستمر 4 أيام، إلى رأب الصدع بين الكنيستين، إلا أن الزيارة ظللتها قضية تستر الكنيسة على تحرش الكهنة بالأطفال طوال عقود، وتعبئة إعلامية استمرت أكثر من أسبوعين تنتقد توقيت زيارته، التي ستدفع الحكومة البريطانية نفقاتها.

وحاول البابا بنديكتوس تهدئة الخواطر قبل وصوله، فاعترف للصحافيين على متن الطائرة التي كانت تقله من روما إلى أدنبرا في اسكوتلندا، بأن الكنيسة «لم تتحل باليقظة الكافية» في قضية تحرش الكهنة بالأطفال.

وفي أقوى تصريح له حول القضية حتى الآن، قال بنديكتوس الذي لعب دورا في التغطية على الكهنة المتورطين بالفضائح، قبل أن يُرسّم بابا: «الكنيسة الكاثوليكية تمر بلحظة ندم.. من الصعب أن نفهم كيف أن هذا الانحراف في المهمة الكهنوتية كان ممكنا».

وعلى الرغم من أن البابا يوحنا بولس الثاني الراحل، كان قد زار بريطانيا في عام 1982، فإن زيارته كانت في إطار جولة رعوية، أي جاءت بدعوة من الكنيسة، وليس من الملكة، كما حصل هذه المرة، مما يجعل زيارة البابا بنديكتوس زيارة رسمية بين دولتين. ولأن الزيارة رسمية، تتكفل الحكومة البريطانية بدفع تكاليف الزيارة للبابا وفريقه، وقد قدرت بنحو 12 مليون جنيه إسترليني، في وقت تبدأ الحكومة تطبيق خطط لتخفيض الإنفاق العام من المتوقع أن تتسبب في خسارة مئات الآلاف لوظائفهم. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة الـ«تايمز» خلال هذا الأسبوع، أن 14 في المائة فقط من البريطانيين يؤيدون الزيارة.

وعندما سئل البابا وهو على متن الطائرة، عن المظاهرات التي كانت تنتظره في اسكوتلندا بسبب قضية التحرش بالأطفال، واعتراضا على تكفل الحكومة بدفع تكاليف زيارته، قال: «بريطانيا لديها تاريخ كبير من معاداة الكاثوليكية، ولكن لديها أيضا تاريخ كبير من التسامح». وعلى الرغم من انتظار عشرات الآلاف على قارعة الطرقات التي سلكها البابا لتحيته، فإن التجمعات شهدت تظاهرات أيضا. ومن بين المتظاهرين، كان هناك مجموعة من الكهنة الإنجليكان برئاسة إيان بايزلي، مؤسس كنيسة المشيخية الإنجيلية، وزعيم سياسي في أيرلندا الشمالية، كان واحدا من أشرس معارضي تقاسم السلطة بين البروتستانت والكاثوليك. وقال بايزلي إن المظاهرة هي اعتراض على استقبال البابا كرئيس دولة، وعلى إجبار دافعي الضرائب على تحمل نفقات الزيارة.

ولكن البابا حرص عند لقائه بالملكة إليزابيث الثانية، التي تعتبر بدورها رأس الكنيسة الإنجليكانية، على مدح بريطانيا والدور الذي لعبته في الحرب العالمية الثانية للتخلص من هتلر، خصوصا أنه هو نفسه ألماني، وخدم في «شباب هتلر» عندما كان يبلغ 14 عاما. إلا أنه لم يتردد في انتقاد «تزايد أشكال العلمانية العدوانية» في بريطانيا، كما لم يتورع عن إبداء ملاحظاته على أداء الإعلام البريطاني، ودعاهم لاعتماد «الأمانة والنزاهة». وقال متحدثا عن الإعلام الذي برهن عن عدائية تجاهه في الأسابيع الماضية: «لأن آراءهم تصل إلى جمهور واسع، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الإعلام البريطاني، وفرصة أكبر للترويج للسلام بين الأمم».

وحاولت الملكة إليزابيث الثانية أن تشدد على النقاط التي تجمع بين الكنيستين، فشكرت البابا في كلمة الترحيب به، على الدور الذي لعبه الفاتيكان في إنهاء عقود من العنف في أيرلندا الشمالية بين البروتستانت والكاثوليك. وقالت: «حضورك اليوم يذكرنا بإرثنا المسيحي المشترك. أنا مسرورة لأن زيارتك ستعطي فرصة لتعميق العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجليكانية... في هذا البلد، نقدر كثيرا تدخل الكرسي الرسولي في التحسن الكبير في الأوضاع بأيرلندا الشمالية».

ويكمل البابا بنديكتوس جولته في بريطانيا، ويصل إلى لندن اليوم، حيث من المتوقع أن يلتقي رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، ويلقي كلمة في «وستمينيستر أبي»، ولكن بالطبع، على وقع المزيد من المظاهرات.