لاعب جديد يبرز بقوة في الساحة السياسية بإيطاليا

«رابطة الشمال» تمسك بطوق النجاة لبرلسكوني.. وأفكارها تجمع بين الأساطير ومناهضة الهجرة

زعيم حزب «رابطة الشمال» إمبرتو بوسي (وسط) يمسك بقنينة مملوءة بماء نهر بو خلال تجمع في البندقية (أ.ب)
TT

عقد «حزب رابطة الشمال» تجمعا خلال عطلة الأسبوع الماضي تحت الشمس الملتهبة للاحتفال بطقوس أواخر الصيف الغريبة. ارتدى أعضاء الحزب اللون الأخضر كما ارتدى البعض قمصانا تحمل شعارات مناهضة للهجرة وصبوا قنينة من الماء التي جلبت من نهر بو في شمال إيطاليا إلى بحيرة البندقية.

يعد تبجيل النهر أمرا رئيسا بالنسبة لأسطورة هذه المجموعة الغامضة، التي تدور حول أمة مستقلة تدعى بادانيا ذات صلة بالحضارة السلتية، لكن هذه المجموعة التي تحظى بشعبية كبيرة ليست جماعة فولكلورية، بل هي حركة متنامية وأقوى حزب سياسي في إيطاليا تخاطب بصورة مباشرة مشاعر الخوف لدى الإيطاليين والأوروبيين على نطاق واسع بشأن الاقتصاد والهجرة وفقدان الهوية المحلية.

يبدو هذا الحزب أشبه بحركة حفل الشاي الأميركية، وبات الآن يمسك بطوق النجاة لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الذي تضاءل نفوذه إلى حد بعيد، نتيجة تفجر خلاف حاد داخل التحالف الحاكم ليتحول إلى ساحة معركة. ويحاول برلسكوني الحيلولة دون انهيار الحكومة وتفادي إجراء انتخابات مبكرة في وقت يتوقع طرح الحكومة سندات بقيمة 56 مليار دولار والأسواق العالمية متحفزة. وباتت ثروة برلسكوني الكبيرة وسيطرته على وسائل الإعلام أقل من أي وقت مضى. ويقول روبرتو داليمونتي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلورنسا: «برلسكوني اليوم أضعف من أي وقت مضى».

أما الشخص الذي صار يملك زمام القوة فهو إمبرتو بوسي، زعيم حزب رابطة الشمال، المعروف بلغته الحادة وارتدائه قمصانا من دون أكمام ويواصل تدخين السيجار على الرغم من الجلطة التي أذهبت بعضا من صوته.

وتعد الأزمة السياسية التي تشهدها إيطاليا حاليا معقدة إذ أعيت حتى خبراء السياسة، الذين لم يجدوا معها ما يقولونه للإيطاليين. لكن الواضح هو أن برلسكوني يناضل بقوة للحفاظ على التحالف الحاكم. فشريكه المتململ في حزب يمين الوسط الشعب الأحرار، غيانفرانكو فيني، الذي يحظى بدعم كبير من الوسط، انفصل عن الحزب في أواخر يوليو (تموز) الماضي، مشيرا إلى أن برلسكوني يواجه مخاطر التحور إلى ديكتاتور.

وعزز الانقسام الجديد من موقف نائب حزب رابطة الشمال في الحكومة، وزير المالية غويليو تريمونتي، الذي ينظر إليه كمنافس يمكن أن يخلف برلسكوني في يوم من الأيام. ومع اتساع الأزمة لم ينس أحد أن حزب رابطة الشمال على الرغم من كونه شريكا في حكومة برلسكوني، فإنه لم يكن مواليا له على الدوام، ففي عام 1994 انهارت أول حكومة لبرلسكوني بعد انسحاب الحزب ودون دعم الحزب خسر انتخابات عام 1996، وعندما دعمه فاز في انتخابات 2001 و2008.

وعلى الرغم من مشاركة نواب فيني، كحزب وسط يخطب وده اليمين واليسار، يقول زعماء رابطة الشمال إنهم يدعمون برلسكوني لكنهم، حتى الآن على الأقل، يرغبون في عقد الانتخابات بحلول الربيع المقبل، قبل عامين من موعدها.

ويقول غيانكارلو غيورغتي، رئيس لجنة الميزانية بمجلس الشيوخ الإيطالي وأحد النواب الأقوياء لبوسي: «كعضو في حزب رابطة الشمال، ينبغي علي القول إنني أرغب في إجراء التصويت غدا. لكن في ظل توتر مالي عالمي كذلك الذي نعانيه الآن يجب علينا أن نمرر الميزانية لأنه لا يمكننا أن نبدأ عام 2011 دون أدوات للحكم».

وفي مقابل الحصول على دعمه يرغب الحزب من برلسكوني تمرير مقترحه بشأن «الفيدرالية المالية» الذي يسمح ببقاء المزيد من عائدات الضرائب في الشمال الغني. وما يعيق الموازنة هو الجنوب الإيطالي الذي يدعم برلسكوني، الذي ينتقده حزب رابطة الشمال بعنف على الفساد وسوء استغلال موارد الدولة.

ويرى العديد في مقترح الفيدرالية المالية مزيدا من الفصل بين الشمال الغني والجنوب الفقير. ويقول أليساندرو تروسيني، المؤلف المشارك لكتاب «رازا بادانا» الذي يؤرخ لحزب رابطة الشمال: «البلاد منقسمة منذ ثلاثين عاما لكن هذه الفيدرالية المالية حيلة دعائية». ويرى غيورغيتي أن الفيدرالية المالية ستساعد الجنوب لأنها ستساعد الأفراد الذين اعتادوا على السباحة بسترات النجاة أن يستحموا دونها.

لكن ربما يكون برلسكوني نفسه بحاجة إلى سترة النجاة هذه، فحتى يتمكن من الاستمرار في الحكم، يتعين عليه حل معادلة صعبة: فهو، كما يقول دالمونتي، «بحاجة إلى دعم حزب تحالف الشمال لكنه لا يستطيع التضحية بدعم الجنوب. لذا عليه أن يجمع بين الشيطان والماء المقدس».

وعلى الرغم من أن بعض النقاد يقولون إن أقوال حزب رابطة الشمال أكثر قوة من أفعاله، فإن الحزب يسيطر في الوقت الراهن على قطاع لا يستهان به من الإيطاليين. ففي الانتخابات الإقليمية التي جرت الربيع الماضي، تمكن الحزب من الفوز بـ30% من عدد الأصوات في فينيتو و26% في لومباردي أكبر إقليمين في البلاد. وللمرة الأولى تمكن الحزب من تحقيق انتصار كبير في إقليم إميليا رومانيا المعروف تاريخيا بميله لليسار، حيث يحظى الحزب بشعبية متزايدة بين العمال الشيوعيين السابقين. كما حقق انتصارات لا بأس بها في إقليم توسكاني المعروف بميله لليسار.

وبعد شعارات مثل «لا يمين ولا يسار بل للأمام» جذب حزب رابطة الشمال الناخبين من أنحاء المشهد السياسي الإيطالي، فقد أبدى عداء صريحا للمهاجرين غير الشرعيين الذين باتوا يشكلون قلقا بالغا ليس في إيطاليا فحسب بل في أوروبا بأسرها.

وكان التأكيد على الثقافة المحلية، قويا في تجمع البندقية، حيث أطلق عليه اسم «مهرجان شعب بادانيان»، في إشارة إلى موطن خيالي لشمال إيطاليا يحلم به مؤسسو الحزب. وتقول أوريتا بيرتوتي، عضو مجلس مدينة بافيا، الواقعة خارج ميلانو: «يحظى الحزب باهتمام الأفراد لأنه يمثل قيمهم وثقافتهم وتقاليدهم. ولا يوجد لدي أدنى اهتمام بفكرة أوروبا الموحدة». ويقول جيانلوكا غيزاردي، 43 عاما، وهو ممرض من ساريزو، وخضب لحيته باللون الأخضر وارتدى قبعة الفايكينغ وحمل سيف سلتيك: «نحن لا نؤمن بإمكانية التكامل، فنحن نخشى من الغزو». وعندما سئل حول كيفية موازنة خطابه حول الهجرة مع حقيقة أن الأعمال في الشمال - وبالفعل في البلاد ككل - تعتمد على العمال المهاجرين للبقاء، ابتسم جيورغيتي قائلا في مقابلة سابقة: «أصحاب الأعمال لا يصوتون لرابطة الشمال، فالعمال هم الذين يصوتون لرابطة الشمال».

* خدمة «نيويورك تايمز»