حزب الله يدخل على خط «أزمة السيد» ويطالب القضاء اللبناني بالتراجع.. و«14 آذار» تحذر من «انقلاب»

مصادر «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»: هل ينوي توجيه سلاحه مجددا إلى الداخل؟

TT

دخل حزب الله أمس مباشرة على خط الأزمة المفتوحة بين القضاء اللبناني والرئيس السابق لجهاز الأمن العام اللواء جميل السيد المطلوب استجوابه من قبل القضاء على خلفية مؤتمر صحافي عقده للتعليق على حديث رئيس الحكومة سعد الحريري الأخير لـ«الشرق الأوسط»، وما قاله السيد في هذا المجال من كلام عن «أخذ حقه بيده» من الحريري و«تحقيره القضاء». وهو ما رأته مصادر بارزة في كتلة المستقبل التي يرأسها الحريري «إشارة خطرة جدا».

وأعلن حزب الله أن القرار الصادر عن القضاء لاستجواب السيد «سياسي بامتياز وعنوان للقمع والترهيب لكل مظلوم يصرح بالحقيقة في هذه المرحلة»، معبرا عن «رفضه له بشدة». ودعا إلى «التراجع عنه بسرعة»، بينما قالت مصادر في «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط» إن «دعوة حزب الله هي بمثابة دعوة الدولة للتراجع أمام شخص»، محذرة من تداعيات هذا الموقف على الصعيد الطائفي الدقيق في البلاد باعتبار أن من إحدى صفات الحريري أنه الزعيم السني الأبرز في البلاد، فيما أن من صفات حزب الله أنه التنظيم الشيعي الأبرز في لبنان. وتساءلت المصادر عن كيفية تنفيذ الحزب «وعيده للدولة إذا لم تتراجع»، وهل يكون هذا بإدارة سلاحهم إلى الداخل مجددا؟

وكان حزب الله قال في بيان أصدره صباح أمس إن «إقامة العدالة تقضي أن يسارع القضاء اللبناني إلى وضع يده على شهود الزور ومصنعيهم الذين أدخلوا لبنان وسورية في متاهة مظلمة كادت تودي بالجميع. كما أن الحرص على مؤسسات الدولة يوجب عدم الزج بجهازها القضائي خدمة للزعامات السياسية وخصوصا إذا كان هذا الزج مكشوفا ويكيل بمكيالين وهذا أبعد ما يكون عن إقامة العدل وحفظ الكرامات». وأضاف: «كنا ننتظر من الجهات المعنية في القضاء اللبناني أن تبادر لاستدعاء الذين تفاخروا بعمالتهم لإسرائيل وتحالفهم معها والتحقيق معهم، وكنا ننتظر أن تتحرك هذه الجهات القضائية دفاعا عن كل الرئاسات التي أهينت وهتكت على مدى سنوات بتعابير لا تقبل التأويل ليحافظ القضاء على هيبة الدولة ورموزها. وكنا ننتظر أن تسارع هذه الجهات القضائية إلى طلب الوثائق والمعطيات التي أعلن عنها اللواء جميل السيد في مؤتمره الصحافي الأخير بحثا عن الحقيقة والعدالة وحرصا عليهما. لكننا فوجئنا باستخدام القضاء في خدمة الصراع السياسي من خلال ما أعلن عنه من قرار يتعلق باللواء السيد». وخلص البيان إلى اعتبار القرار الصادر «قرارا سياسيا بامتياز وعنوانا للقمع والترهيب لكل مظلوم يصرح بالحقيقة في هذه المرحلة»، معلنا «رفضه بشدة»، داعيا إلى «التراجع عنه بسرعة».

وفي إطلالة إعلامية تلفزيونية، قال السيد أمس إنه عائد إلى بيروت عبر مطار بيروت الدولي، معتبرا أن من يريدون محاكمته هم متورطون في قضية شهود الزور وليس لديهم أهلية. ورأى أن «هناك اليوم صراعا سياسيا فبدل النظر إلى شهود الزور الذين نسفوا التحقيق الدولي والعلاقة مع سورية اكتفوا بالتهجم على كلامي». وتابع هجومه على الدولة اللبنانية، معتبرا أنه «لا توجد دولة في لبنان كي يكون مهددا لأمنها، بل هناك شكل دولة». وقد أعلن السيد في بيان أصدره مكتبه أمس أنه «تقدم، بواسطة وكيله المحامي أكرم عازوري، بمراجعة إلى محكمة التمييز الجزائية لدى المجلس الأعلى للقضاء لتنحية مدعي عام التمييز سعيد ميرزا عن منصبه ووضعه بالتصرف نظرا للخصومة الشخصية معه، كون القاضي ميرزا مدعى عليه لدى القضاء اللبناني في محاضر التحقيق الرسمية التي أحالها إلى لاهاي، وكذلك فإن القاضي ميرزا مدعى عليه أيضا في الدعوى الشخصية المقدمة من السيد أمام القضاء السوري في جريمة مؤامرة شهود الزور في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري». وأوضح بيان السيد أن «من نتائج هذه المراجعة أيضا إقصاء اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن عن منصبيهما لكونهما الضابطة العدلية التي تتبع لميرزا وكونهما مدعى عليهما في جريمة شهود الزور».

وقد لقي بيان حزب الله استنكارا واسعا في صفوف قوى «14 آذار»، فاستغربت الأمانة العامة لهذه القوى «دعوة حزب الله السلطات القضائية اللبنانية إلى العودة عن التدابير القضائية في حق اللواء المتقاعد جميل السيد، بعدما كان سبق أن هدد بالعنف مرارا وبوضوح رئيس حكومة لبنان والسلطات الأمنية والقضائية»، وأكدت الأمانة في بيان أن «موقف حزب الله هذا يؤدي إلى ضرب قيام الدولة وإعاقة عمل المؤسسات». وتساءلت الأمانة العامة «عما إذا كانت خطوة الحزب هذه تأتي في سياق مبرمج ومدروس في التوقيت والظروف وصولا إلى الانقلاب على الدولة في لحظة خطيرة من تاريخ المنطقة في خضم المحادثات الجارية حول عملية السلام».

ورأى النائب عقاب صقر عضو كتلة المستقبل التي يرأسها الحريري في دفاع حزب الله عن اللواء جميل السيد، أنه «يحق له أن يبدي رأيه في هذه القضية ولكن يبقى رأيا سياسيا، من حيث الشكل. أما من حيث المضمون فهو أمر مؤسف». معتبرا أن «تهديد الأجهزة الأمنية أسلوب مرفوض ومعيب». واعتبر النائب صقر أنه «كان هناك فرصة للواء السيد ليثبت أمام الناس صحة أقواله وادعاءاته، لكن هروبه من القضاء أثبت عدم براءته، وهو يهرب من القضاء بتقديم الدعاوى والافتراءات»، لافتا إلى أن «دعوته للقضاء بالتنحي والتراجع ما هي إلا لتهشيم صورته».

واعتبر عضو الكتلة نفسها النائب جمال الجراح أن بيان حزب الله عن مذكرة جلب المدير العام الأسبق للأمن العام اللواء جميل السيد هو في نفس سياق 7 مايو (أيار) أي (العملية العسكرية للحزب في بيروت عام 2008) ويأتي في الأجواء نفسها. ولفت إلى أن البيان يعني أن تطبيق القانون بحق أحد يخص فريق قوى «8 آذار» ممنوع في حين يطالبون بمحاسبة شهود الزور. وعما إذا كان رئيس الحكومة سعد الحريري معتكفا حاليا في الخارج أكد أن الحريري ليس معتكفا وهو سيكون في لبنان في اقرب فرصة. واستغرب وزير العمل بطرس حرب بيان حزب الله الذي دعا القضاء إلى التراجع عن ملاحقة اللواء جميل السيد، مشيرا إلى أن «هناك سلطة قضائية في لبنان وهذه السلطة القضائية مستقلة عن السلطة السياسية فكيف بالأحرى عن الأحزاب والأشخاص»، داعيا «حزب الله إلى الإقلاع عن هذه الممارسة وإلى ترك الفرصة للسلطة القضائية لممارسة صلاحياتها، وهي سلطة يفترض أن تكون عادلة ولن تلاحق مظلوما ولن تظلم مواطنا ولن تركب ملفا لا سيما في ظل حكومة الوحدة الوطنية».

وفي المقابل شدد النائب عباس هاشم عضو تكتل التغيير والإصلاح المتحالف مع حزب الله على أن الانتقائية بالقضاء مسألة كارثية بكل ما للكلمة من معنى لافتا إلى أنه في مؤتمر صحافي سابق تعرض المدير العام الأسبق للأمن العام اللواء جميل السيد لرئيس الجمهورية ولم يتحرك القضاء كما يحصل اليوم. واستغرب هاشم التسرع في التعاطي مع ملفات تتطلب الحكمة لافتا إلى أنه بدل أن يلجأ اللواء السيد إلى القضاء اللبناني لرفع مظلوميته تحول إلى مطلوب للعدالة.