المخاوف الأمنية تلوح في الأفق قبيل بدء الانتخابات الأفغانية

ستحدد ما إذا كانت المعارضة لا تزال قادرة على البقاء في البرلمان

TT

الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في أفغانستان اليوم يمكن أن تحدد ما إذا كانت المعارضة لا تزال قادرة على البقاء في البرلمان أم لا، ولكن نسبة الإقبال - وشرعية الانتخابات الثانية التي تشهدها أفغانستان في عام - لا تزال غير مؤكدة حيث يخشى الناخبون من وقوع أعمال عنف أو تلاعب بالانتخابات.

وقد أصبح البرلمان المنتهية ولايته قوة مستقلة تدريجيا، وشكل تحديا في كثير من الأحيان لحكومة الرئيس حميد كرزاي ورفض عددا من مرشحيها للمناصب الوزارية.

ولتوقه إلى أن يكون لديه هيئة تشريعية تتسم بدرجة أكبر من المرونة، قام الرئيس كرزاي وحلفاؤه السياسيون بحشد المرشحين وتقديم الدعم لحملاتهم الانتخابية، وذلك بحسب تصريحات لعدد من القادة المحليين، في العديد من الأقاليم الكبيرة في أفغانستان، والذين طلبوا عدم الإفصاح عن هويتهم خشية إثارة غضب الرئيس. ووفقا لدبلوماسيين غربيين، فإن الرئيس كرزاي يسعى لحشد الدعم لعدد من القضايا مثل كيفية دمج طالبان في الهيكل السياسي للدولة وتعديل الدستور للسماح له بالبقاء في السلطة إلى ما بعد فترة ولايته الثانية.

ولقلقه من أن الانتخابات البرلمانية هذا العام قد تشوبها عمليات تزوير وتلاعب كالتي وقعت في الانتخابات الأخيرة، فقد أصدر رئيس لجنة الانتخابات المستقلة والمعين حديثا بيانا أول من أمس طالب فيه جميع مسؤولي لجنة الانتخاب بالكشف عن أي تلاعب.

وقال فاضل أحمد مناوي، رئيس لجنة الانتخابات: «في العام الماضي كانت الانتخابات مثيرة للجدل. وقد تأثرت ثقة الشعب بالانتخابات بشدة. ويجب ألا تتكرر التجربة السيئة لانتخابات العام الماضي مرة ثانية، كما يجب عدم فتح أي مركز للاقتراع دون أن يكون الأمن فيه مضمونا».

ويتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 2500 مرشح على 249 مقعدا، وهو ما يشير إلى اهتمام قوى كثيرة بالعملية السياسية. وتشتد شراسة المنافسة في الأقاليم الأكثر أمنا والأكثر كثافة سكانية، ففي كابل، يتنافس نحو 660 مرشحا على 33 مقعدا، وفي هرات، يتنافس 151 مرشحا على 17 مقعدا. ويخوض العديد من النواب الحاليين عن الأقاليم غير الآمنة، مثل قندهار، هذه الانتخابات في كابل. وفي المناطق الأكثر أمنا، من المرجح أن يوجد عدد كبير من مراقبي الانتخابات الذين سيتعين عليهم منع أي فرص للتلاعب بالانتخابات. لكن المناطق التي تعاني من انعدام الأمن فستكون أكثر عرضة لحدوث عمليات تلاعب وذلك لوجود عدد قليل من المراقبين ولقلة عدد الناخبين الذين يحتمل ذهابهم إلى مراكز الاقتراع، مما يجعل من السهل على سماسرة السلطة المحلية ملء صناديق الاقتراع بالأصوات المزيفة.

وهذا هو نمط التلاعب الذي رصده خبراء الانتخابات في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2009، والتي شهدت إلغاء أكثر من مليون صوت انتخابي بسبب عمليات تلاعب في التصويت، وكانت عمليات التلاعب في هذه الانتخابات واسعة النطاق بحيث اضطر الرئيس كرزاي إلى خوض جولة إعادة، ولكن في نهاية المطاف، انسحب منافسه وتم إعلانه الفائز. وقد اتخذت لجنة الانتخابات، هذا العام، عددا من الخطوات المهمة في هذا الإطار باستبعاد عدد من مسؤولي لجنة الانتخابات في الأقاليم التي شهدت عمليات تزوير واسعة النطاق، وتم توزيع عدد آخر على مراكز اقتراع أخرى وخفض عدد مراكز الاقتراع لتجنب حدوث عمليات تلاعب في المناطق النائية وغير الآمنة. لكن العديد من الدوائر الانتخابية لا تزال غير آمنة، والبعض يشعر بالقلق من أن نسبة المشاركة في مثل هذه الأماكن قد تكون منخفضة للدرجة التي يمكن أن تثير تساؤلات حول شرعية الانتخابات نفسها. وهو التساؤل الذي عبر عنه أحد الدبلوماسيين الغربيين في كابل قائلا: «هل الانتخابات التي تكون فيها نسبة المشاركة 5% تعتبر صحيحة؟».

وبلغ عدد الهجمات التي سجلت في شهر أغسطس (آب) الماضي ضعف عددها في نفس الشهر من العالم الماضي، وقد اقتربت حركة طالبان من مناطق شمال أفغانستان، في حين رسخت وجودها في العديد من مناطق الجنوب والشرق. وأصدرت حركة طالبان تحذيرا للمواطنين الأفغان مؤخرا، وطالبتهم بعدم المشاركة في الانتخابات، وقالت إن نتيجة الانتخابات قد تم تحديدها بالفعل من قبل السفير الأميركي في كابل جورج كارل ايكنبري والجنرال الأميركي ديفيد بترايوس. ووفقا لمؤسسة انتخابات حرة ونزيهة في أفغانستان، وهي منظمة مستقلة تراقب الانتخابات، فقد قتل ثلاثة من المرشحين وأحد عشر ناشطا خلال هذا الصيف.

ورصدت المنظمة أيضا 200 حالة تخويف وتهديد، بعضها قامت به حركة طالبان ولكن البعض الآخر قام به مرشحون يسعون لإثناء الناخبين عن دعم منافسيهم. وقالت المنظمة إن أحد المرشحين في منطقة باغمان في كابل وهو قائد عسكري سابق استخدم حراسه الشخصيين لمنع منافسيه من القيام بحملاتهم الانتخابية. ويقول يوهان كريغلر، عضوا لجنة الشكاوى الانتخابية، التي تقوم بفحص الشكاوى الخاصة بالانتخابات: «الحقيقة هي أن أفغانستان بلد مزقته الحرب، ويوجد به تمرد كبير. ولم تصبح ثقافة الانتخابات النزيهة جزءا من الشعب حتى الآن. بالطبع سيكون هناك عمليات تلاعب، إلا أن التحدي الذي يواجه هذه الانتخابات لا يكمن في عمليات التلاعب، بل في الشعب الأفغاني الذي يعيش ظروف بالغة الصعوبة؛ إن التحدي هو في جعل الشرفاء يشعرون أن لهم دورا في اختيار الحكومة التي تدير شؤون بلدهم».

وقد تجاوزت الأموال التي تم إنفاقها في الحملات الانتخابية هذا العام بكثير تلك التي أنفقت في أي عام مضى. ويخوض عدد كبير من رجال الأعمال هذه الانتخابات وتشير التقارير إلى أن كلا منهم قد أنفق أكثر من مائة ألف دولار على حملته الانتخابية، مما منع عددا كبيرا مرشحي الحكومة الجيدين من المنافسة. وفي هذا السياق، يقول بيتر ماناكيس، المدير الإقليمي في آسيا للمعهد الوطني الديمقراطي الذي تدعمه الحكومة الأميركية: «إن الأموال التي أنفقت هذا العام كانت أكثر بكثير من التي أنفقت في الحملات السابقة. كما تشير التقارير إلى دخول أموال أجنبية في الحملات الانتخابية لهذا العام».

ولأنه لا توجد قوانين تحدد الأنفاق على الانتخابات في أفغانستان، فمن المستحيل تتبع ورصد المال الذي تم إنفاقه، لكن هناك شائعات منتشرة على نطاق واسع بأن باكستان وإيران تقومان بتمويل بعض الحملات الانتخابية. وقد خلق هذا الكم الكبير من الأموال المتدفقة سوقا للأصوات الانتخابية، حيث يتنافس المرشحون في القرى في تقديم كل شيء للناخبين من النقود إلى توفير الكهرباء وبناء المساجد الجديدة.

وتقول مسعودة كاروخي، وهي مدرسة رياضيات في إحدى المدارس الثانوية في هيرات وإحدى المرشحات: «لسوء الحظ، عندما أذهب إلى القرى يقول الناس لي (إن هذا المرشح يريد شراء أصواتنا، ولكن إذا دفعت لنا أكثر، سنصوت لك)».

* ساهمت كارلوتا غال في هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»