قضاة وخبراء: إنشاء مؤسسة خيرية باسم الملك عبد الله سيسهم في رسم معالم جديدة للعمل الخيري

اعتبروها رعاية من خادم الحرمين الشريفين للعمل الخيري وسعيا وراء تعميمه

جانب من الحملة الشعبية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الباكستاني المنكوب جراء السيول والفيضانات الأخيرة (واس)
TT

أجمع عاملون في الحقل الاجتماعي في السعودية على أهمية الأمر الملكي، الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين أمس، ورسم به سياسات العمل الخيري في المملكة، عبر موافقته على إنشاء مؤسسة تحمل اسمه، تعنى بتقديم العمل الخيري، وتسهم في تطوير جوانبه، بما يكفل تأدية الأدوار المنوطة بها من دون أي شوائب.

واعتبر عبد الله بن أحمد آل طاوي مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، موافقة الملك نابعة من تقديره، الذي يؤكد عناية ورعاية المملكة للأعمال الخيرية بجميع جوانبها وأشكالها.

وأشار آل طاوي إلى أن هذه المؤسسة سترسم معالم العمل الخيري في المملكة من جديد، ولا سيما أن المؤسسات الخيرية في عصرنا الحالي تشهد بذلك، وأبان آل طاوي أن هذه المؤسسة تؤكد على الدور القيادي المنوط بالمملكة، التي هي رائدة للعمل الخيري والإسلامي في العالم، فضلا عن احتضانها للحرمين الشريفين وكونها مهبط الوحي ومنبع الرسالة الإنسانية للعالم أجمع.

وعد المؤسسة امتدادا للعناية والرعاية التي يوليها قادة هذه البلاد منذ توحيدها على يد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - حيث قدمت، ولا تزال، كل دعم للقطاع الخيري والإنساني، عبر المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تتلمس احتياجات الناس وتقديم الدعم الإغاثي في الداخل الخارج.

وفي السياق ذاته، أكد الدكتور خالد بن عبد الله السريحي مدير عام المركز الدولي للأبحاث والدراسات «مداد» لـ«الشرق الأوسط»، أهمية هذه المؤسسة التي تهدف لخدمة الدين والوطن والأمة والإنسانية جمعاء، مشيرا إلى أن مثل هذه المؤسسات، يعطي تأكيدا على أهمية العمل الخيري وقيمه الإنسانية التي تتمثل في العطاء والبذل بكل أشكاله.

وأشار السريحي إلى أن إنشاء مثل هذه المؤسسات يعد سلوكا حضاريا حيا، وخصوصا أن المجتمعات لا يمكنها النمو إلا عبر تفعيل هذا القطاع وتطويره. وأضاف أن «هذه المؤسسة الفتية تأتي كخطوة مهمة يعيشها العالم الإسلامي أجمع، فضلا عن أن القطاع الخيري يلعب دورا مهما وإيجابيا في تطوير المجتمعات وتنميتها، حيث إنه ومن خلال هذه المؤسسات التطوعية الخيرية، يتاح لجميع الأفراد الفرصة للمساهمة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي والحضاري».

وأوضح الدكتور السريحي أن «هذه المؤسسة تأتي في توقيت مهم، بل وتحمل دلالة تؤكد فرصا أمام العمل الخيري، ومن أبرزها نجاح المؤسسات الخيرية في تأكيد أهمية العمل الخيري والإغاثي، وجعله جزءا من التكوين الثقافي للمجتمع، فضلا عن وجود عدد من الفرص التي يمكن أن تحقق دفعة أكبر لدور العمل الخيري، عبر حشد الطاقات للتكافل الاجتماعي والعطاء الإنساني، ليكون العمل الخيري ريادة ونماء للمجتمعات». وتوقع أن تكون هذه المؤسسة قائدة ومكملة للعمل الخيري في البلاد، والذي كان له الأثر الكبير في تقديم يد المساعدة لشعوب العالم الإسلامي أثناء الكوارث والأزمات، وما الأزمة التي يواجهها الباكستانيون منذ أشهر، إلا خير دليل على وقوف المملكة، ملكا وشعبا، مع الشعوب التي تواجه محنا طبيعة كانت، أو الإشكالات الأخرى التي قد يتسبب فيها صنع الإنسان.

من جانبه، عد الشيخ عبد المحسن بن معيض الحربي مدير فرع مؤسسة «مكة المكرمة الخيرية» بالمدينة المنورة، موافقة الملك على إنشاء المؤسسة الخيرية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بمثابة الخطوة التي تؤكد التسابق على عمل الخير، المنبثق من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، مبينا أن هذه المؤسسة ستكون مبادرة مضيئة في السجل الحافل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، المليء بأعمال الخير التي تعددت وتنوعت سبلها من العناية بالمحتاجين والأيتام وطلاب العلم وغيرهم في الداخل والخارج.

وأشار الحربي إلى أن «المؤسسة ستعود بنفعها على المجتمع والأمة بالخير الكثير، ولا سيما مع تنامي ثقافة التبرع والتطوع ودعم الأعمال الخيرية، التي أصبح أثرها أمام الناس واسعا، وأصبحت الأعمال الخيرية تقدم بكل شفافية ووضوح، لتلغي بعضا من الشوائب التي خلفتها بعض التجاوزات التي قد يقدم عليها أناس ليست لهم علاقة بالعمل في جهات خيرية، لتحقيق غايات دنيوية». ويرى الحربي أن المؤسسة ستسهم في إيجاد وبناء ثقافة تراعي أهمية العمل الخيري، الذي يعد خير رأسمال اجتماعي يمكن أن يستثمر ويوظف لخدمة المجتمع نفسه، ولا سيما في تلبية حاجات المجتمع وتطويره.

وأكد في السياق ذاته، المهندس مازن محمد بترجي رئيس جمعية البر بجدة نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن «المؤسسة سيكون لها شأنها بين المؤسسات والجمعيات الخيرية، بما يعكس روح الانضباطية في تقديم العون والعمل الخيري لمستحقيه»، وتوقع بترجي أن تحرص المؤسسة على الدور المستقبلي، المنبثق من استشراف آفاق المستقبل وتحقيق تطلعات واحتياجات أفراد المجتمع.

وأشار بترجي إلى أن رؤية هذه المؤسسة لدورها المنوط في الداخل والخارج ومجالات عملها المتنوعة سيمكنها من لعب دور كبير ومهم في القطاع الخيري، فضلا عن تأكيد مفهوم تطوير العمل الخيري.

من جهته، اعتبر الشيخ سعد بن محمد المهنا الأمين العام لمؤسسة «عبد الرحمن بن صالح الراجحي وعائلته» الخيرية، الأمر الملكي القاضي بإنشاء هذه المؤسسة العالمية، سينعكس على خدمة الدين والوطن والأمتين العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء، من خلال تقديم الأعمال الخيرية والإنسانية المختلفة، التي يحرص قادة هذه البلاد على تنميتها وانتشارها في الداخل والخارج.

وأشار المهنا إلى أن «هذه المؤسسة تنبع من رؤية الإسلام للعمل الخيري، التي أشار إليها الدين الحنيف في القرآن الكريم في القول والعمل والتسابق والتسارع لأدائه، معتبرا أن الحضارة الإسلامية قامت بسواعد وجهود المسلمين عبر العمل الخيري والتطوعي».

وطبقا للمهنا، فإنه من المأمول أن تقدم المؤسسة وتسهم في تحقيق طفرة نوعية في مجال العمل الخيري المؤسسي التنموي، ولا سيما أنها ستعمل في الكثير من المسارات التنموية في العالم الإسلامي، وهو ما يحقق فائدة أكبر تصل لأكبر قدر من مستفيديها.

ويرى متابعون أن موافقة الملك عبد الله نابعةٌ من إدراكه لمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، التي تنتهجها المملكة دستوراً لها، في التعامل مع البشر في كافة أرجاء المعمورة دون تمييز أو تفريق يعتمد على دين أو لون أو عرق أو شكل.

فقد أعتبر الدكتور فؤاد الماجد القاضي بمحكمة الاستئناف بالمنطقة الشرقية موافقة الملك عبد الله على إنشاء المؤسسة نابعٌ من تقديره لمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، وما تحويه من جوانب يقدرها الملك عبد الله، تنصَب على جلب المصالح لعباد الله، ودرء المفاسد عنهم في ذات الوقت.

وأكد الماجد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» في أعقاب صدور الأمر الملكي بالموافقة على إنشاء مؤسسة تحمل إسم خادم الحرمين الشريفين وتُعنى بتقديم أصناف من العمل الخيري، أن «إنشاء هذه المؤسسة يأتي من ضمن المبادرات الطيبة والمباركة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي نسأل الله له التوفيق من الله، وأخذ بناصيته للعروة الوثقى، لتحقيق ما يصبو إليه من عمل خيري، لم يعد يخفى لا على القاصي ولا الداني، فالمتابع لأعمال خادم الحرمين يجده مُجتهداً لأن يعم الخير ليس بلاده فحسب، بل كافة أرجاء المعمورة».

وأضاف «نحن كشعب سعودي اعتدنا من هذا الرجل الصالح أن نحمل هم غيرنا ممن يواجهون المحن والكوارث أياً كان موقعهم على وجه المعمورة، وما وقوفه إلى جانب الشعب الباكستاني الذي يعاني خلال هذه الأيام إلا خير دليل على سعيه أن يعم العمل الخيري أرجاء المعمورة، وأن تصل بوادر الخير للبعيد والقريب، دون النظر للون أو العرق أو الدين، فالعمل الخيري لا يقتصر عن دين معين بحد ذاته، بل كان له موقعا هام في جميع الأديان والرسالات السماوية».

وأخذ الكاتب السعودي نجيب الزامل على عاتقه تبيان ما يكتنزه عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله من العلامات المضيئة على الطريق نحو بناء أمة، وهو الطريق الذي لن يكون سهلاً، ولن يكون مفهوما من الجميع من الوهلة الأولى، ولكن هذه المفارق، وتلك العلامات التي تدل على كل مرحلة من مسيرة بناءٍ كاشفٍ مستقبلي لن تتضح صورتُه إلا عند الاكتمال، ولكنك ستستشعر مداه وقوته من إرهاصاته الأولى بكل أنواعه، وبكل صوره وبكل أبعاده، وبكل ردود فعله».

وأكد الزامل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الفرحة بصدور موافقة الملك عبد الله على إنشاء «مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية» كان يجب أن يكون استثنائيا، لأن ميدان الأعمال الخيرية والتطوعية هي أول ميادين بناء أجيال الأمة، التي هي كفيلة ببناء الأمة، أو بإعادة بنائها، معتبراً العمل التطوعي الإنساني الميداني والفكري والعضلي والخيري، نخاعاً لتطور البشرية جمعاء.

وأضاف الزامل «أثبت الشباب السعودي براعةً منقطعة النظير في العمل التطوعي، ويكفي أن واحدة فقط من مدن المملكة تحوي أكثر من خمسين من مجاميع العمل التطوعي في كل ميدان، في التطوير، في الصحة، في التوعية، في التقنية والعلوم، في العمل الحضري اللوجستي الفائق التنظيم، وقد سجل للشباب السعودي بجنسيه الفتيات والشبان أعمالاً اعتبرتها صحف غربية وعربية من أجَل الأعمال وأكثرها وعيا وتنظيما وتطويراً».

وأسهب الزامل في الحديث وقال: «أن العمل الخيري التطوعي يكشف لنا عن إدراك واسع بأننا كلنا أجزاء في كُلٍّ واحد، نتحرك عبر ايامنا بكل انفعالاتنا وظروفنا وأمكنتنا وتخصصاتنا وأحلامنا وآلامنا كقطار يسير على سكة واحدة، ككلٍّ يتجه لهدفٍ واحد، ولو كان يجر عربات مختلفة إلا أنها مترابطة شاءت أم أبَتْ.. أو أنه التخلف والوقوف وهجران القافلة لمن شاء الوقوف». وأضاف: «العمل التطوعي الآن بحرٌ متلاطمُ الأمواج ولكنها أمواج الخير، وحتى أمواج الخير تـُغْرِقُ إن لم تكن هناك بوصلة الاتجاه ومنارة الإرشاد وقدرة القباطنة في فنون الإبحار، وحان أن تكون هناك بوصلة للاتجاهات، وأن تعلو منارة كبرى للإرشاد، وأن يتعلم العاملون فنون الأعمال التطوعية وعلومها، بوصلة دقيقة، ومنارة ساطعة الإضاءة، وقبطان محنك، لذا جاءت المنارة والبوصلة والقائد، وفي الوقت المناسب.. فبزغت «مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية».