دبلوماسية كلينتون تعتمد على تصريحاتها المثيرة للجدل.. فهل تنجح؟

تدافع بضراوة عن إسرائيل وتوبخ علانية رئيس وزرائها

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تضع يدها على كتف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهي تتحدث معه بينما يجلس الى يمينها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في افتتاح جلسة المحادثات المباشرة في واشنطن في 2 سبتمبر (ايلول) الحالي («نيويورك تايمز»)
TT

مع اضطلاع هيلاري رودهام كلينتون بأول محاولة كبرى لها في مجال الدبلوماسية في الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة الماضية، عمدت إلى الاستفادة من سجلها للتصريحات المثيرة للجدل حول إسرائيل والفلسطينيين وصورتها كإحدى نقاط القوة التي تحظى بها.

ويستلزم هذا الأمر الإبقاء على توازن حساس، مما ينبئ عن مهارة وزيرة الخارجية كسياسية، إضافة إلى نزوعها للدخول في المناطق الخطرة بتصريحات جريئة، بل وأحيانا سيئة التوقيت.

الملاحظ أن كلينتون اتخذت منذ أمد بعيد مواقف متناقضة حيال الشرق الأوسط. عندما كانت السيدة الأولى، احتضنت زوجة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وعندما كانت سيناتورا عن نيويورك، دافعت عن إسرائيل بضراوة. والآن باعتبارها المسؤول الدبلوماسي الأول المعاون للرئيس أوباما، وبخت بقسوة وعلانية - وأيضا ساندت - رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وجرت جهودها الدبلوماسية خلال هذا الأسبوع، التي انتهت الخميس، بتوقفها في زيارة قصيرة للأردن لتناول الغداء مع الملك عبد الله الثاني، في الجزء الأكبر منها خلف الأبواب المغلقة. ولم تتضح بعد نتائج جهودها، حال إثمارها نتائج. إلا أن هناك ماضيا كافيا من التصريحات العلنية لكلينتون لأن يدعي كل من الإسرائيليين والفلسطينيين أنها نصير لهم.

عن هذا الأمر، قال جوناثان برنس، الذي كان حتى وقت قريب عضو بفريق العمل المعني بالشرق الأوسط داخل الإدارة، في ظل رئاسة المبعوث الخاص للمنطقة جورج جيه. ميتشل: «ينظر كلا الجانبين إليها باعتبارها مؤيدا له، لأن لها تاريخا واضحا من التأييد بخصوص القضية، حيث تدعم الأمن بالنسبة إلى نتنياهو والإسرائيليين، وإقامة الدولة بالنسبة إلى محمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية) والفلسطينيين».

من جهتها، لا تبدي كلينتون خجلا حيال سجلها. وخلال مقابلة أجرتها معها قناة «فلسطين تي في» والقناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي هذا الشهر، قالت كلينتون: «أنا أول شخص على الإطلاق مرتبط بإدارة أميركية دعا إلى إقامة دولة فلسطينية كسبيل لتحقيق حل الدولتين»، وذلك في إشارة إلى تصريحها الداعم لقيام دولة فلسطينية عندما كانت السيدة الأولى في مايو (أيار) 1998، وهي فترة حرصت إدارة زوجها خلالها على تجنب ذكر هذه العبارة. من جهته، عمد البيت الأبيض إلى النأي بنفسه عن تصريح كلينتون، وسبب موقفها لها مشكلات مستمرة لسنوات لاحقة خلال الحملة التي قادتها لنيل مقعد بمجلس الشيوخ في نيويورك. وخلال لقاء مثير للجدل بينها وبين سها عرفات عام 2000، رفضت بإصرار تكرار دعوتها لقيام دولة فلسطينية.

إلا أنها الآن تقول إنها كانت سابقة لأوانها بإطلاق هذه الدعوة، متعمدة الإشارة إلى هذا التصريح خلال المحادثات غير المعلنة التي تعقدها. وبالمثل، أثناء توجهها جوا إلى مصر لحضور محادثات هذا الأسبوع، أعادت كلينتون التشدق مجددا بعبارة أخرى مثيرة للجدل - ادعائها العام الماضي بأن عرض إسرائيل تجميدا محدودا لبناء المستوطنات كان «غير مسبوق». وقد أثار هذا التعليق عاصفة من الانتقادات داخل العالم العربي، بل وشعر بعض أبرز مساعديها بأنه جعلها تبدو شديدة الانحياز لإسرائيل. إلا أن كلينتون أشارت إلى أن الأشخاص ذاتهم الذين وصفوا قرار التجميد حينها بغير المناسب، يصرون الآن على تمديده. وقالت: «قد يتذكر بعضكم عندما دافعت ووقفت بجانب نتنياهو وناصرت قرار التجميد الذي تعرض لانتقادات مستمرة من جانب كل من بالمنطقة. وقد نلت نصيبا كبيرا من هذه الانتقادات لتفوهي بالحقيقة، وهي أن هذا القرار كان غير مسبوق من جانب أي حكومة إسرائيلية».

ويقول مساعدون إن كلينتون بذلت جهودا مضنية للإعداد للمحاولات الدبلوماسية الجارية حاليا. وشاركت بنشاط في الإشراف على أكثر من 20 زيارة للمنطقة قام بها ميتشل في غضون أقل من عامين. وحرصت على دراسة مفاوضات السلام السابقة والتواصل مع من سبقوها في منصب وزير الخارجية وكبار المسؤولين الآخرين طلبا للنصيحة، وعقدت محادثات أسبوعية مع أوباما حول إمكانات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

في وقت سابق من هذا العام، وفي ذروة التوترات مع إسرائيل جراء ما اعتبر إهانة لبايدن، نائب الرئيس، ألقت كلينتون ثلاثة خطابات حول الصراع في غضون أربعة أسابيع، تناولت بكل منها جانبا مختلفا. في الخطاب الأول، الذي ألقته أمام «اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون الخارجية»، تحدثت بنبرة من يقسو على إسرائيل لحبه لها وخوفا على مصلحتها بالإشارة إلى أنه من المتعذر أمام إسرائيل الإبقاء على الوضع القائم مع الفلسطينيين من دون أن تخسر في نهاية الأمر طابعها اليهودي وتفوقها العسكري على الجماعات الإرهابية.

وغالبا ما تتحدث كلينتون بحماس عن تسوية الصراع، مستخدمة عبارات غير معتادة في مجال الدبلوماسية. مثلا، خلال زيارتها الأولى للمنطقة كوزيرة خارجية، أعلنت في نهاية مؤتمر صحافي قائلة: «أشعر بحماس حيال هذا الأمر. هذا أمر في قلبي، وليس فقط على جدول أعمال». وسرعان ما انطلقت عاصفة من التصفيق الحار من المراسلين العرب الموجودين بالقاعة.

ويرى محللون أن المزيج الفريد من المهارات والخلفية التي تتمتع به كلينتون يشكل نقطة قوة لصالحها. في هذا الصدد، أشار روب مالي، الذي عمل في إدارة كلينتون، إلى «حضارة هيلاري كلينتون - وهي الطبقات المتنوعة من الخبرة التي شكلت وجهات نظرها»، بما في ذلك الفترة التي كانت فيها سيدة أولى وسيناتورا داخل دائرة انتخابية موالية لإسرائيل ووزيرة خارجية.

وأضاف أن «كلا من هذه الطبقات المتعاقبة تشكل جزءا من شخصيتها، وعلى أي شخص يحاول تحديد مواقفها الحالية أو المستقبلية، أو كيفية أدائها لدورها كمفاوض، عليه أن يأخذ هذه الطبقات جميعا في الاعتبار. إنه لغز محير، خاصة أن التعرف على أي قطعة من قطع الأحجية سيكون له التأثير الأكبر في أي وقت وبشأن أية قضية - وهو أمر عسير للغاية».

إلا أنه أضاف أنه بالاعتماد على هذه الخلفية، «يمكنها إيجاد حل للمعضلات الثلاث التي تواجهها الإدارة: كيفية الضغط على حكومة إسرائيلية لا تزال تساورها شكوك بشأن الرئيس أوباما من دون إثارة سخط الفلسطينيين أو العرب، وكيفية تهدئة قطاعات من الجالية اليهودية التي تحمل شكوكا حيال الإدارة من دون تقليص مساحة المناورة الأميركية، وكيفية استثمار نجومية كلينتون في هذه العملية من دون الإضرار بالرئيس».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»