مثقفون وسياسيون حضروا تشييع أركون في «مقبرة الشهداء» بالدار البيضاء

«فلسفة القانون وفقه الشريعة» آخر اهتماماته قبل الوفاة

TT

رافقت نخبة من الأكاديميين والمثقفين والسياسيين من المغرب وخارجه، أمس، موكب تشييع جنازة المفكر الجزائري، محمد أركون، من منزله بقرطبة في حي الأندلس غرب الدار البيضاء إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء، شرق العاصمة الاقتصادية للمغرب. كثيرون عملوا عن قرب مع أركون.. فمن بين الحاضرين عدد من الدكاترة والباحثين الذين أنجزوا أطروحاتهم وأبحاثهم تحت إشرافه، وعدد من مترجمي مؤلفاته، وغيرهم ممن احتكوا به في المناظرات والمنتديات الفكرية.

بالنسبة لهاشم صالح، الذي ترجم معظم أعمال أركون على مدى الـ30 عاما الأخيرة، الخسارة كبيرة وفادحة. يقول هاشم صالح: «لو أن الموت أمهله فقط 4 أو 5 أعوام إضافية لتمكن من استكمال بناء نسقه الفكري». ويضيف صالح أن هناك الكثير من مؤلفات أركون التي لم تنشر بعد. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن أركون كان يشتغل في آخر أيامه على موضوع فلسفة القانون وفقه التشريع الإسلامي. ويتابع هاشم صالح: «ما كان يدهشني لدى أركون هو حبه للمغرب، الذي كان يعزه أكثر من أي مكان آخر».

ويقول محمد الصغير جنجار، مدير مجلة «مقدمات»، إن المجتمع العلمي والأكاديمي العربي والإسلامي فقد بوفاة محمد أركون فاعلا مهما أرسى قواعد مقاربة جديدة للفكر الإسلامي، أطلق عليها عبارة «الإسلاميات التطبيقية». ويضيف جنجار: «محمد أركون كان رائدا لأنه أعطى انطلاقة مبحث ومقاربات جديدة للفكر الإسلامي، قد تبدو اليوم غريبة في الأوساط الجامعية العربية الإسلامية بحكم ضعف الثقافة العلمية الحديثة، لكنها مقاربات تحمل بذور المستقبل وتراهن على حرية الإنسان وعقله».

ويقسم جنجار المسار العلمي لمحمد أركون إلى 3 محطات رئيسية، يقول: «هناك مرحلة أولى تميزت بالتحصيل العلمي والتتلمذ على أيدي كبار أعلام المدرسة الاستشراقية الفرنسية من أمثال لويس ماسينيون، توجت بإعداد رسالته حول ابن مسكويه والنزعة الإنسانية في العصر الإسلامي الكلاسيكي. ثم تلتها مرحلة ثانية خط فيها محمد أركون مساره العلمي الخاص بالتميز عن الدراسات الإسلامية التقليدية كما هو متعارف عليها في الأوساط الجامعية الإسلامية، وبالابتعاد أيضا عن المقاربة الاستشراقية القديمة التي عرفتها الجامعات الأوروبية. واتسمت محاولته بإدماج الترسانة المفاهيمية والمنهجية التي أنتجتها العلوم الإنسانية والاجتماعية (الفيلولوجيا، النقد التاريخي للنصوص، السيميولوجيا، اللسانيات، الأنثروبولوجيا.. إلخ) في دراسة التراث الفكري والظواهر الدينية. وشكل كتابه (قراءات في القرآن) الصادر سنة 1982، نموذجا لهذه المقاربة الجديدة. أما المرحلة الثالثة من مساره الفكري فتميزت بالمجهود البيداغوجي الذي بذله للتعريف بمقاربته الجديدة، واقتراح أوراش للبحث في حقل الدراسات الإسلامية، وأيضا بالتدخل عبر الكثير من المنابر في مختلف أنحاء العالم الإسلامي والغربي من أجل ترسيخ معالجة عقلانية للإسلام كدين وحضارة وتاريخ، وتطبيع علاقته مع المعرفة العلمية الحديثة». الباحث الأمازيغي المغربي، أحمد عصيد، يرى في أركون المناضل الذي دافع عن الهوية المتعددة وعن التنوع الثقافي للمنطقة المغاربية.وقال عبد اللطيف فتح الدين، رئيس شعبة الفلسفة في كلية بن مسيك بالدار البيضاء: «إن رحيل المفكر الكبير محمد أركون، صاحب المسيرة الفكرية الحافلة بالعطاء، خسارة كبيرة للمشهد الفلسفي العربي، إذ يعد أركون من المفكرين العرب الكبار القلائل، الذين نجحوا في التأسيس لمشروع النقد لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي، والعودة بالإسلام إلى طابعه الإنساني، الذي يبدو جليا من تركيزه على نزعة التراث الإنسانية».