الجيش الموريتاني يباشر الحرب المفتوحة ضد «القاعدة» في مالي

معارك وقصف بالطيران وضحايا من الجانبين.. وباريس تطلب مساعدة الجزائر في البحث عن رهائنها

مسلحون من «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» يعرضون أحد رهائنهم الغربيين السابقين في شمال مالي (رويترز)
TT

تواصلت المواجهات الدامية، أمس، في شمال مالي بين الجيش الموريتاني وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي يشتبه في ضلوعه في خطف 5 فرنسيين وأفريقيين اثنين بعد شهرين من هجوم فرنسي - موريتاني في هذه المنطقة.

وأفاد مصدر عسكري موريتاني بأن المواجهات التي بدأت مساء أول من أمس توقفت ليلا قبل أن تتجدد صباح أمس في رأس الماء على بعد 235 كلم غرب تومبوكتو. ونفت باريس مشاركتها في هذه المعارك، بينما واصلت الشركات الفرنسية العاملة في النيجر إجلاء موظفيها من المناطق الخطرة.

وأفاد مصدر عسكري موريتاني بأن المواجهات أسفرت، حتى زوال أمس، عن مقتل 14 مسلحا وجرح آخرين، بينما خلفت في صفوف الجيش قتيلين و4 جرحى. ومن جهته، قال مصدر عسكري جزائري في المنطقة إن الجنود الموريتانيين تكبدوا خسائر «كبيرة»، مضيفا: «سقطت 5 آليات للجيش الموريتاني على الأقل في أيدي الإسلاميين، وعدد (الجنود الموريتانيين) القتلى ارتفع إلى 15 على الأقل». كذلك، قال نائب عن شمال مالي: «علمنا من البدو الرحل العائدين من منطقة قريبة من المواجهات أن عددا كبيرا من الجنود الموريتانيين قتلوا»، مبديا اقتناعه بأن «تنظيم القاعدة جر الموريتانيين إلى الصحراء لنصب كمين لهم». كذلك، أكد مصدر في الجيش الموريتاني استخدام أسلحة ثقيلة في المعركة، «مع وجود غطاء جوي يحسم المعركة ضد الإرهابيين بسبب وجودهم في منطقة مكشوفة». وأكد هذا الأمر مصدر أمني جزائري نقلت تصريحاته وكالة الصحافة الفرنسية. وقال المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، إن «الموريتانيين استخدموا طائرات حربية في المعركة. هناك طائرتان على الأقل. والهدف هو محاولة تحقيق تفوق لم يكن قائما حتى الآن». وتعذر الحصول على الفور على معلومات حول نتيجة القصف. وأعلنت الوكالة الفرنسية أيضا عن شاهد يدعى حامين ولد محمد علي قوله عبر اتصال هاتفي: «لقد شاهدنا مرور طائرات عسكرية في الحال على مقربة من رأس الماء (على بعد 235 كلم غرب تومبوكتو). كان هديرها قويا». وأكد أنه «على مقربة من رأس الماء»، حيث تدور منذ مساء أول من أمس المواجهات. وأكد هذا المدني أيضا: «قدمت للتو من رأس الماء. لقد شاهدت 6 آليات للجيش الموريتاني محترقة إلى جانب بئر».

بدورها، قالت مصادر رسمية لـ«الشرق الأوسط» في موريتانيا، إن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز تولى بنفسه تنسيق العملية انطلاقا من قيادة الأركان في نواكشوط، وإن وحدات الجيش المشاركة في الاشتباكات هي عبارة عن تشكيلات من وحدة النخبة المكلفة مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى وحدة من الحرس الرئاسي.

وأكد شهود عيان في ولاية الحوض الشرقي المحاذية للحدود مع مالي، مرور تعزيزات أمنية وصفت بالكبيرة، باتجاه مسرح العملية، بينما تحدث البعض عن استدعاء الاحتياط، في إشارة إلى أن ما يقع الآن يمكن أن يستمر لفترة أطول مما كان متوقعا، مقارنة بالهجوم السابق.

وفي وقت لاحق مساء أمس، أعلن مصدر أمني مالي انتهاء المعارك، وقال: «إن الطائرات الحربية الموريتانية التي حلقت في أجواء منطقة المعارك نجحت في وقت من الأوقات في دحر المهاجمين». وأضاف المصدر الأمني المالي أن «الجيش المالي ينتشر حاليا في المكان لضمان أمن سكاننا».

ويأتي هجوم الجيش الموريتاني بعد نحو شهرين من عملية عسكرية فرنسية - موريتانية ضد موقع للمتطرفين الإسلاميين المسلحين في صحراء شمال مالي، قتل فيها سبعة عناصر من «القاعدة». وبحسب باريس، فإن هجوم 22 يوليو (تموز) الماضي هدف إلى تحرير ميشال جيرمانو (78 عاما) الذي كان خطف قبل أشهر في شمال النيجر. غير أن «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أعلنت في 25 يوليو الماضي أنها أعدمت الرهينة انتقاما لمقتل عناصرها في الهجوم.

وتحدث سكان في منطقة كيدال (1600 كلم شمال شرق باماكو) عن إمكان مشاركة فرنسا في هذه المعارك، لافتين أول من أمس إلى أنهم شاهدوا طائرة استطلاع فرنسية تحلق في المنطقة على علو منخفض. لكن متحدثا باسم الخارجية الفرنسية أكد في باريس أن «لا قوات فرنسية على الأرض» وأن هذه المعارك «لا صلة لها بخطف موظفين من مجموعة (أريفا) الفرنسية» في شمال النيجر ليل 15 - 16 سبتمبر (أيلول) الحالي.

ويشتبه في أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» خطط لعملية الخطف الجديدة التي طالت 5 فرنسيين وطوغوليا وملغاشيا. وقالت مصادر نيجيرية وجزائرية إن الرهائن السبع موجودون في شمال مالي.

وقال مصدر جزائري مطلع على شؤون الأمن في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، إن أجهزة الأمن الفرنسية طلبت من الجزائر المساعدة في تحديد مكان الأشخاص السبعة صباح الخميس الماضي في شمال النيجر، ويعتقد أنهم موجودون مع خاطفيهم قرب الحدود مع الجزائر. وقال المصدر في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن مصالح الأمن الجزائرية «تلقت طلبا فرنسيا بالمساعدة على العثور على الرهائن، وسوف لن تدخر الجزائر جهدا في البحث عنهم». وأوضح أن طلب المساعدة وصلها بعد ساعات قليلة من التأكد من تعرض الأشخاص السبعة للاختطاف، وأن فرنسا توجهت بالطلب نفسه إلى مالي والنيجر.

ويفيد مصدر آخر على صلة بالموضوع، بأن خلية استخباراتية جزائرية توجد بعاصمة مالي باماكو، تشتغل حاليا على حادث الاختطاف. ويملك أفراد الخلية، حسب المصادر، «أدوات كثيرة تمكنهم من معرفة مكان الخاطفين ورهائنهم بالتقريب. ومن بين هذه الأدوات، تكليف أشخاص يتعاملون مع المهربين بالساحل بالبحث عن آثارهم». وأضاف المصدر: «أصبح الأمر كلاسيكيا في مثل هذه الحالات، فالخاطفون سوف يعلنون، عن طريق أحد المهربين أو واحد من أعيان قبائل الصحراء، أنهم يحتجزون الفرنسيين». وأشار إلى أن الجزائر «تفضل أن لا يكون لفرنسا أي نشاط عسكري في هذا الموضوع، لأن ذلك سيقوض جهود محاربة الإرهاب التي تبذلها حكومات المنطقة ومن بينها الجزائر، زيادة على أنها ستعرض حياة رعاياها للخطر».

ورجح المصدر وقوف مختار بلمختار وراء حادث الاختطاف «لأن المكان الذي اختفى فيه الأشخاص السبعة هو منطقة نشاط مهربين يتعاملون مع بلمختار في بيع الرعايا الأجانب، حدث ذلك العام الماضي في قضية خطف الرعايا الإسبان، وحدث أيضا نهاية 2008 في قضية خطف الدبلوماسيين الكنديين»، في إشارة إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى النيجر سابقا، روبرت فاولر ومساعده لويس غواي. وتم احتجاز الإسبان والكنديين شهورا طويلة، ثم أفرج عنهم مقابل دفع فدية أو مبادلتهم بعناصر من «القاعدة» كانوا محتجزين لدى حكومات بالساحل.

ويعتبر بلمختار أحد أجنحة تنظيم القاعدة بالساحل، يقود مجموعة تسمى «كتيبة الملثمين». وهو إلى جانب حمادو عبيد الشهير بـ«أبي زيد» قائد مجموعة أخرى، أكبر مصدر تهديد للأمن بالمنطقة. ويجمع بين الرجلين خلاف كبير حول قيادة النشاط الإرهابي بالمنطقة.

وفي موضوع ذي صلة، انتقد الرئيس المالي، أمادو توماني توري، الجزائر ضمنا عندما صرح لوسائل إعلام فرنسية أمس، بأن «بعض جيراننا نختلف معهم في مقاربتنا للإرهاب، فنحن نعتقد أن الإرهاب يتغذى من الفقر والحل يكون بالتنمية، بينما هم يرون أن القبضة الأمنية المتشددة هي الحل». وقال توري حسبما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية بخصوص مكان الرهائن: «إن شمال مالي هو جنوب الجزائر وهو أيضا شرق موريتانيا وشمال النيجر، لهذا من الصعب العثور على عنوان الرهائن.. إنه لا يمكن تحديد مكانهم بدقة». وأضاف توري: «لقد سمحنا لكل دول الجوار بأن يقوموا بمطاردة المعتدين إذا دخلوا ترابنا».

وفي أرليت (1000 كلم شمال شرق نيامي) التي تشكل موقعا لاستخراج اليورانيوم وشهدت آخر عملية خطف، قررت مجموعتا «أريفا» و«فينسي» الفرنسيتان منذ الجمعة إجلاء كل العاملين لديهما. وقد عاد 21 فرنسيا يعملون في «أريفا» خلال اليومين الماضيين إلى باريس.