الحريري غير معتكف في الرياض لكنه «مشمئز» من الأداء السياسي.. وحزب الله يدعوه للعودة

صقر لـ «الشرق الأوسط»: يد رئيس الحكومة لا تزال ممدودة وتنتظر من يلاقيها

TT

ظهر المشهد السياسي اللبناني، أمس، وكأنه على حافة انفجار مدو قد يحصل في أي لحظة في ظل المواقف المتقابلة من قبل فريقي رئيس الحكومة سعد الحريري وحزب الله، عنوانها قضية المدير العام السابق للأمن العام، جميل السيد، الذي اختار حزب الله أن يقيم له استقبالا سياسيا حادا، مترافقا مع استقبال أمني ظهر في صورته رئيس جهاز «التنسيق والارتباط» في حزب الله، وفيق صفا، المسؤول عن الملف الأمني من سلم الطائرة إلى المنزل، رغم أن السيد غير مهدد بالتوقيف من قبل الأجهزة الأمنية.

وفي حين كان السيد يتوعد الحريري في مطار بيروت، كانت «الدولة» اللبنانية غائبة عن السمع، فلم يصدر أي موقف عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الموجود في قصر بعبدا، ولا عن رئيس البرلمان، نبيه بري، الذي ميز نفسه عن حليفيه المعارضين (حزب الله والعماد ميشال عون) فقرر قضاء عطلة أسبوع طويلة في منزله الصيفي في الجنوب بعيدا عن وسائل الإعلام، في حين قالت مصادر قريبة منه لـ«الشرق الأوسط» إنه بقي على اتصال مع الرئيس سليمان، «سعيا إلى احتواء التصعيد القائم والعمل على انحساره». أما رئيس الحكومة سعد الحريري، فقد بقي خارج لبنان، لكن مصادر مقربة منه نفت لـ«الشرق الأوسط» اعتكافه، دونما أن ينفي مقربون منه «قرفه» من الواقع السائد.

ووصف النائب عقاب صقر، المقرب من رئيس الحكومة، خطوة حزب الله بأنها «أول إطلاق نار مباشر من حزب الله على التفاهم العربي من خلال استباحة المؤسسات والاحتكام إلى الشارع»، وقال صقر لـ«الشرق الأوسط» إن الشارع الذي يحتكم إليه جميل السيد وحزب الله ليس التظاهر بالتأكيد في ظل الترسانة التي يمتلكها. ورأى أن هذه الممارسات هي بمثابة «لكمة وجهت إلى التفاهم العربي وفتح الباب أمام رياح السموم الآتية من الخارج وبزر المزيد منها من الداخل».

ورأى صقر أن الرئيس بري لاقى الموقف الأخير للرئيس الحريري في الشرق الأوسط بإيجابية كبيرة وسماه بـ«دفرسوار كبير» من شأنه أن يفتح المجال أمام تحسين العلاقات العربية، في حين أن جوقة لاقت اليد الممدودة للحريري بصفعة وجهت إلى المؤسسات.

ورفض صقر تصوير الموضوع القائم على أنه «مواجهة سنية – شيعية»، معتبرا أن الموضوع أخطر بكثير وهو ليس بين (فريقي) «8 آذار» و«14 آذار»، «بل إنه بين فريق يريد زلزلة أركان الدولة وفريق يريد الحفاظ على مؤسساتها»، مشيرا إلى أن في الفريق الأول هناك بعض من فريق «8 آذار» وكل فريق «14 آذار» وفي المقابل هناك حزب الله، والعماد عون، معتبرا أن مواقف الأخيرين «لا تؤسس لأي مصالحة وطنية». وقال: «كل شيء قدمه الرئيس الحريري ردوا عليه بالهجوم والاستنفار». لكن صقر شدد على أن «اليد الممدودة من قبل الحريري لا تزال ممدودة، وهو لم يقبضها، وتنتظر أن يلاقيها الآخرون على غرار ما فعله الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط، وإلى حد ما النائب سليمان فرنجية، الذي نأى بنفسه عن هذه الموجة».

ونفى صقر أن يكون الحريري «معتكفا»، قائلا: «لا يوجد اعتكاف سياسي أو غيره، إنما قرف واشمئزاز من مستوى الأداء السياسي»، مشيرا إلى أن «زعماء كثيرين يشاطرون الحريري الموقف ذاته في الداخل». وختم صقر بالتأكيد على أن «هذا التأزيم هو في نهاية المطاف من دون أفق ولن يحقق شيئا إلا التأزيم من أجل التأزيم، وكان يمكن تجنيب البلاد هذا التأزيم المجاني وتجنيب البلاد والعباد هذه المواجهات (الدونكيشوتية) وبث السموم لأن الواقع محكوم بسقف التفاهم اللبناني والعربي الذي لا يمكن تجاهله».

وقد أثار كلام مصادر كتلة المستقبل لـ«الشرق الأوسط»، أول من أمس، وكلام النائب عمار حوري عن «هجوم الحزب الشيعي الأبرز على الزعيم السني الأبرز»، حفيظة حزب الله الذي وجه انتقادات قاسية إلى «خطاب المذهبة»، وحذر عضو كتلة نواب حزب الله حسن فضل الله من أن «الخطاب التحريضي المذهبي» الذي يرافق المسألة «وتصنيف الرئاسات والقوى السياسية والمواقف على أساس مذهبي تنذر بفتنة خطيرة ربما لم يشهدها لبنان من قبل»، داعيا الجميع إلى أن «يتنبهوا إلى خطورة هذا الأمر وإلى الكف عن الخطاب الفتنوي». معتبرا أن «فريق رئيس الحكومة (سعد الحريري) عمد إلى إثارة النعرات المذهبية وخرج عن كل الأدبيات والأعراف السياسية». وأشار فضل الله إلى «مذهبة الأحزاب والرئاسات»، مؤكدا أن «الرؤساء هم في مواقع وطنية دستورية وليسوا زعماء لمذاهبهم، بل يخضعون للمساءلة (...) وانتقاد رئيس الحكومة لا تعني مذهبا أو طائفة».

واعتبر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أن «تيار المستقبل يحاول أن يعوض نقاط الضعف التي يعيشها اليوم بسبب متانة موقف حزب الله والمعارضة من قضية شهود الزور وقضية اتهام إسرائيل ليأخذ البلد إلى محل آخر»، مشددا على أن «هذا لن يحصل، لأن حزب الله منتبه إلى وأد الفتنة وإلى منع دعاتها إلى إن يجدوا مجالا لترويجها والوصول إليها» وأضاف: «كان يوجد اتفاق اسمه التهدئة على قاعدة أن لا يتم التعرض للقضايا الخلافية المعقدة التي تحتاج إلى حلول تساعد على إخراج البلد من المأزق، وخصوصا في ما يتعلق بالقرار الظني والمحكمة الدولية، ولكن المفاجأة أن الفريق الآخر، فريق (14 آذار) وتيار المستقبل، قد اختار مجموعة من العناوين التي يحاول من خلالها أن يربك الساحة وأن يخرق الهدنة السياسية الإعلامية وأن يسلط الأضواء على موضوعات ليست في محلها»، معتبرا أنه «من المعيب جدا أن يخرج أعضاء من تيار المستقبل أو (14 آذار) ويطرحون الشعار المذهبي للتحريض وإثارة البلبلة» وأضاف: «نرى تصعيدا مذهبيا فتنويا إذ يحاول هؤلاء أخذ البلد إلى قضايا هامشية وجانبية لإبعاد النظر عن شهود الزور ولإبعاد النظر عن اتهام إسرائيل ولتهيئة المناخات لإثارة سياسية خارج دائرة المألوف. فليلتفتوا إلى أن هذا الخطر هو خطر على لبنان من خلال الإثارة المذهبية الطائفية التي تحاول أن تعطي عناوين غير دقيقة وغير صحيحة، فنحن اليوم أمام مواقف سياسية فليكن الرد عليها من خلال مواقف سياسية، نحن أمام معلومات ومعطيات تطرح، فليكن الرد عليها بمعلومات ومعطيات من دون إدخال العامل المذهبي».

من جهتها، دعت أوساط حزب الله عبر «الشرق الأوسط» رئيس الحكومة للمسارعة بالعودة إلى بيروت «ليضع الإصبع على الجرح والقيام بجولة واسعة من الاتصالات لاحتواء الوضع ورأب الصدع الحاصل» وأضافت: «ما يحكى عن اعتكاف رئيس الحكومة مرفوض رفضا كليا فالبلد لا تحتمل اعتكافا ولا يحق للحريري اتخاذ مثل هذا القرار، وفي مثل هذا التوقيت قد يودي بالبلاد بعد أن أعطاه المجلس النيابي الثقة وبأكثرية أعضائه».

في المقابل، اعتبر أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري أننا «أمام مرحلة إعادة بناء للدولة ومن المؤكد أن هناك أناسا متضررون، فكل ما أردنا بناء مدماك من مداميك الدولة مثل نزع السلاح الفردي والعدالة والمحكمة الدولية هناك أشخاص يشجعون أن يأخذ الشخص حقه بيده»، وأضاف: «بدأوا بتصعيد إعلامي ثم سياسي ثم ميداني، واليوم نحن أمام تصعيد يدعون فيه إلى العصيان المدني. أظن أن هناك سقفا وضع للتهدئة كان سقف القمة الثلاثية وعلى الجميع الالتزام بهذا السقف». وتابع القول: «هم يريدون أن يقوموا بعملية مضادة ويريدون أن (يطيّروا) الأشخاص الذين ينتمون لفريق (14 آذار) في الأجهزة الأمنية لأن ناسهم طاروا من قبل».

وبدوره، لفت رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، إلى أن «الوضع في لبنان دقيق جدا، وسنرى رهانات جديدة ومظاهرات وضغوطا، ولكن بالنتيجة هناك تسويات ستحصل وعلى من يغير موقعه أن يكون مقتنعا بذلك لأن سياسة (رجل بالبور ورجل بالفلاحة) لم تعد تنفع، وهي سياسة غير شجاعة ولا توصل إلى أي مكان».