المال يعبد الطريق لولوج السياسة في الفلبين

ملاكم لم يتعد تعليمه الابتدائي يوظف شهرته لمنافسة ذوي النفوذ في البرلمان

الملاكم ماني باكياو يستمع إلى أحد المعجبين به في مقاطعة سارانغاني (نيويورك تايمز)
TT

لم تظهر سيارة ماني باكياو «الهامر» السوداء في مرمى البصر. انتهى الحفل، الذي يفترض أن يكون على رأسه، أمام مجلس مدينة ألابل. وبقي مقعده، مقعد الشرف، شاغرا على مسرح ينتظر عليه مغنون وثلاث ملكات جمال وأفراد من الطبقة السياسية الحاكمة في المقاطعة.

استيقظ باكياو، الذي ربما يعد أفضل لاعب ملاكمة في العالم العضو الجديد في البرلمان الفلبيني، من النوم داخل منزله قبل ذلك بوقت قليل، وكان لا يزال يعاني من الإجهاد بسبب تغيير التوقيت، إذ عاد من رحلة إلى الولايات المتحدة روج خلالها لمباراته المقبلة. وكان باكياو الراعي المالي الرئيسي لحفل «يوم التأسيس» في ألابل، عاصمة مقاطعة سارانغاني، المقاطعة الجنوبية التي اقتطعت من مقاطعة أخرى عام 1992 ويمثلها باكياو حاليا في مجلس النواب.

وربما أكثر من أي مكان آخر في الفلبين، تسيطر عائلات تشبه الإقطاعيين، على جزيرة مينداناو الفقيرة التي تشهد أعمال عنف. ولكن تمكن باكياو، الذي جاء من إحدى أفقر المناطق العشوائية، ولم ينه سوى المرحلة الابتدائية من التعليم، ولا يبدو عليه شعور بالراحة عند التحدث بالإنجليزية، من هزيمة أحد أفراد العائلة التي أسست سارانغاني واستحوذت على المقعد في الكونغرس على مدار ثلاثة عقود. وظاهريا، رحبت المؤسسة بباكياو (31 عاما)، منذ أن أدى اليمين ليكون عضو البرلمان الوحيد من سارانغاني قبل أقل من ثلاثة أشهر. وقال ستيف سولون، نائب الحاكم وقريب الرجل الذي هزمه باكياو، خلال الحفل: «كان ذلك خيار المواطنين، ونحتاج إلى دعم بعضنا البعض». وقبل ذلك بأيام قليلة، كان باكياو يستعد لحضور جلسة عامة في البرلمان بالعاصمة مانيلا بعد أن عاد من الولايات المتحدة في الليلة السابقة. ومنذ انتخابه، أدلى باكياو بخاطبين، حظيا باستقبال جيد، كان أحدهما عن المتاجرة في البشر، وأصبح له وجود ملحوظ في لجنة تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة تحت رئاسة إيميلدا ماركوس، السيدة الأولى السابقة والعضو بالكونغرس. وقال باكياو، في مقابلة أجريت معه بمكتبه في البرلمان: «حتى الآن الوضع جيد». وأضاف أنه من خلال «إدارة الوقت» سيكون قادرا على التدرب لمباراته المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) مع الوفاء بواجباته التشريعية.

وقال إن السياسة والملاكمة مثلا حلمين له. وقال: «أريد أن أساعد الناس، لا سيما في مقاطعتي، فهناك الكثير من المواطنين الفقراء. وعندما أتقدم في العمر، أريد أن يكون اسمي معروفا كملاكم جيد وموظف حكومي جيد». وربما يصبح باكياو أحد أغنى الرياضيين في العالم (قالت مجلة «فوربس» إنه حصل على 40 مليون دولار خلال 2009)، وربما تكون له علاقات حاليا مع شخصيات شهيرة في هوليوود، ولكن في الفلبين نسمع صدى تعهده بمساعدة الفقراء، على ضوء تاريخه الشخصي المعروف حاليا. نشأ باكياو في مدينة جنرال سانتوس في حي يعاني، حتى اليوم، من طرق ضيقة قذرة ومنازل آيلة للسقوط، على الرغم من أنها مزينة حاليا بعزبتين تعودان إلى أمه وشقيقه. وتعد حلقات الملاكمة للهواة شيئا ثابتا في المهرجانات في المناطق الريفية، وهو إرث من فترة الاستعمار الأميركي في الفلبين. وعليه، كما هي الحال مع الكثير من الملاكمين الأميركيين، شق باكياو طريقه من حيه القديم عبر ممارسة الملاكمة. وهو في سن الرابعة عشرة، هرب من منزله متخفيا على ظهر سفينة إلى مانيلا، حيث أصبح ملاكما محترفا بعد ذلك بعامين.

داخل القاعة، جلس معظم أعضاء الكونغرس منتظرين بدء الجلسة. ولكن تحرك باكياو بلا هوادة يمازح زملاءه، ويلتقط الصور، وخلال ثوان وجد نفسه وحيدا. ويقول أنطونيو تينيو (40 عاما)، وهو عضو آخر في البرلمان: «يستطيع بسهولة أن يكون عضوا في مجلس الشيوخ»، موضحا أن مقاعد مجلس الشيوخ تميل لصالح مرشحين محبوبين مثل باكياو. ولكن، منصب الرئيس أو حتى حاكم مقاطعة يتطلب آلية سياسية وضعتها العائلات.

ومع ذلك، أكد باكياو أنه يتعلم سريعا، وقد خاض الانتخابات لأول مرة عام 2007، وكان يعتقد بسذاجة أن شعبيته وحدها ستضمن له مقعدا في الكونغرس في مدينة جنرال سانتوس. ويقول: «هذه المرة، بدأت بتشكيل آلياتي قبل عامين من الانتخابات». وبعد أن اختار الترشح في سارانغاني، مسقط رأس زوجته، اقترب باكياو من سماسرة السلطة المحليين، وأغدق عليهم وعلى مناطقهم بالأموال. ويقول رينالدو كونستانتينو (51 عاما)، عمدة إحدى البلديات السبع في سارانغاني، إنه منذ 2007 حصل على أكثر من 1.6 مليون دولار من باكياو، لاستخدامها في مشاريع بمنطقته. وعندما يريد العمدة نفسه أموالا من أجل «تعزيز مكانته» يتحول إلى باكياو. ويضيف كونستانتينو: «يعد المال الشيء رقم 1 في الفلبين للفوز في الانتخابات. وعلى الرغم من أنه مشهور، فما كان له أن يفوز من دون ماله». وكما هي الحال مع الكثير من أهل دائرة باكياو، قال كونستانتينو إنه يأمل أن يستخدم عضو الكونغرس الجديد ثروته الشخصية من أجل تنمية سارانغاني بالكامل، وهي المقاطعة التي تنتشر فيها حرفتا الصيد والزراعة. ويقول: «سوف تتطور سارانغاني بالكامل حاليا بفضل ماني وأموال ماني». ومؤخرا شوهدت سيارة باكياو (الهامر) السوداء تنطلق بسرعة على الطريق من مدينة جنرال سانتوس غرب ألابل. وإذا كانت ثمة أي شكوك في أن هذه هي سيارته، فإن عدم وجود لوحة الأرقام كان التأكيد على أنها هي، فهذه ميزة تمنح غالبا لذوي النفوذ في مينداناو. كانت سحب سوداء تتجه ناحية ألابل من الاتجاه المقابل، وبدأت الأمطار تتساقط، بينما أخذ باكياو الميكروفون متأخرا قرابة ساعتين. وقال متحدثا باللغة الفلبينية، إنه عمل بجد من أجل جذب المستثمرين إلى سارانغاني. وتعهد ببناء مستشفى جديد، وتدشين مشاريع أخرى من أجل تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.

بعد ذلك، جلس باكياو في مكتب العمدة على طاولة كبيرة عليها ليتشون، (وهو عبارة عن خنزير مشوي). وكان الناس يدخلون إلى المكتب ويخرجون منه لتناول جزء من الوليمة. وجلس على يساره الحاكم ميغيل دومينغيز رينيه، وهو سليل عائلتين من أعرق وأغني العائلات في جنوب الفلبين ويبلغ من العمر 33 عاما. وتحدث عضو البرلمان والحاكم مع بعضهما البعض. وبعد حديث عن فوز باكياو على ريكي هاتون، وهو ملاكم بريطاني، تطرق الاثنان إلى الحديث عن تاريخ إنجلترا واسكوتلندا. وتحدثا عن أهمية ترويج منطقة سياحية في المقاطعة. وسأله الحاكم عما يقوم به في مانيلا. وتحدث باكياو عن العمل في لجنة الأهداف الإنمائية للألفية. وقال باكياو إنه سيخصص الأموال التي يحصل عليها من أجل القيام بمشاريع في سارانغاني. (ويحصل كل عضو في الكونغرس على قرابة 1.6 مليون دولار سنويا لمشاريع في منطقته، ولكن عادة ما يتم وضع هذه الأموال في حسابات خاصة). وقال باكياو: «لست في حاجة إليها».

* خدمة «نيويورك تايمز»