طه لواشنطن: رفع المقاطعة وإنهاء إضعاف البشير.. يسهل الاستفتاء

وصف الرئيس السوداني بأنه صاحب قراري الحرب والسلام .. سلفا كير يرد على كلينتون: لن نشتري حريتنا

رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ونائبه رياك مشار (يسار) في طريقهما لعقد مؤتمر صحافي في جوبا إثر اعلان فوزهما في انتخابات 26 ابريل (نيسان) الماضي (ا.ب)
TT

مع وصول نائبي الرئيس السوداني إلى واشنطن، تصاعدت حمى التصريحات السودانية في العاصمة الأميركية، في حين وجه علي عثمان طه اتهاما لواشنطن بأنها تريد حلا لدارفور، وتنظيم استفتاء الجنوب في موعده، في حين تقوم بإضعاف الوطن ورئيسه البشير الذي يملك قراري الحرب والسلام.

وبدوره أطلق سلفا كير ميارديت تصريحا مشددا فيه على أن قيام دولة الجنوب بات مسألة وقت، ورد بقوة على طلب وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بتقديم تسهيلات للشماليين، قائلا: «إننا لن نشتري حريتنا».

ووزعت السفارة السودانية في واشنطن تصريحات أدلى بها علي عثمان محمد طه، نائب الرئيس البشير، قال فيها إن «حكومة البشير هي أول حكومة سودانية تعترف رسميا بحق الجنوب في تقرير المصير». وأضاف: «عندما وافقنا على ذلك (في حقبة التسعينات)، وضعنا قاعدة جديدة في أفريقيا، التي تلتزم دولها بالحدود التي ورثتها من الاستعمار.. قلنا إن الحرب يجب أن تحل بطريقة مختلفة، وتسمح بوحدة طوعية أو انفصال طوعي».

وأضاف طه: «يعود الفضل في ذلك إلى رجل واحد، هو عمر البشير، وهو العسكري الذي استطاع إقناع مساعديه باتفاقية السلام الشامل التي أقرت الاستفتاء. فعل البشير ذلك بطريقة لم يفعلها أي رئيس سوداني مدني قبله». وقال إن حكومة البشير حريصة على عدم عودة الحرب، مهما كانت نتيجة الاستفتاء. وإنها، لهذا، تركز على مناطق التمازج العشر على الحدود بين الشمال والجنوب «حيث يعيش ثلث سكان السودان، وحيث توجد ثروات طبيعية كثيرة». وأشار إلى بندين في اتفاقية السلام: أولا: «يعمل الجانبان لجعل الوحدة جذابة». وثانيا: «يكون الاستفتاء تحت رقابة دولية».

وطلب طه من المسؤولين الأميركيين مراعاة أن اتفاقية السلام تركز على الوحدة أكثر من الانفصال، وأنها «مسؤولية أخلاقية ورسمية، ليس فقط للطرفين الموقعين على الاتفاقية، ولكن أيضا للأطراف التي اشتركت في التوقيع عليها، مثل الولايات المتحدة». ودعا طه المسؤولين الأميركيين إلى التأكد من حرية ونزاهة الاستفتاء. وأضاف: «هذا شرط مهم للاعتراف بالنتيجة».

وقال إن واشنطن تريد من السودان حل مشكلة دارفور، وإجراء الاستفتاء في الجنوب، ومواجهة «النتائج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة إذا انفصل الجنوب»، وفي نفس الوقت «لا تريد واشنطن أن تسأل نفسها كيف نقدر على كل هذا؟ وهي تمارس سياسة لإضعاف الوطن، ولإضعاف رئيسه، الذي يملك قراري الحرب والسلام النهائي». وقال طه: إن «المشكلة ليست السودان فقط.. ولكن المنطقة كلها، التي لا بد أن تتأثر إذا انقسم السودان، بسبب حملة شرسة لتشويه صورته وإضعافه، عن طريق سياسات المقاطعة والعزلة».

وفي خطاب شديد اللهجة في مؤتمر بواشنطن لأعضاء الكونغرس السود، قال رئيس حكومة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، إن كل الدلائل تشير إلى أن الجنوب سيختار الاستقلال «في الاستفتاء على تقرير المصير الذي سيجري في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، مشيرا إلى أن كل الأطراف المحلية والدولية يجب أن تضع في الاعتبار هذا الواقع».

ودعا سلفا كير، وهو يشغل أيضا منصب النائب الأول للرئيس للسوداني، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للتأكد من أن الاستفتاء سيجري في ميعاده، في يناير المقبل. وللمساعدة، قبل وبعد الاستفتاء.

وقال إن الجنوب المستقل سيكون غنيا بالثروات، وسيسهم في استقرار المنطقة، وسيكون «مثالا للديمقراطية».

لكنه في المقابل قال إن الجنوب ربما سيواجه «عنفا على مستوى كبير» إذا تأخر الاستفتاء. وأوضح في الوقت نفسه أن المقاييس الغربية يجب ألا تستعمل في الحكم على حرية ونزاهة الاستفتاء. وقال إن «جنوب السودان ليس سويسرا.. ليس واقعيا طلب المثالية».

واستغرب سلفا كير مِن مَن سماهم «الذين يعارضون خيار الانفصال، ويشكّون في قدرة الجنوب على أن يكون دولة مستقلة». وأشار إلى كل من إريتريا، التي انفصلت عن إثيوبيا، وأوكرانيا، التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي. وقال إن هناك مشكلات مع حزب المؤتمر الحاكم حول مواضيع، منها تقسيم ثروة البترول، ورسم الحدود، ومنطقة أبيي، ووضع الجنوبيين في الشمال. لكنه قال إن تعثر هذه المفاوضات لن يكون سببا في تأجيل الاستفتاء، وقال إن تاريخ الاستفتاء «شيء مقدس بالنسبة لنا». وبطريقة غير مباشرة، انتقد سلفا كير هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، لأنها كانت قالت، قبل أسبوعين، إن على الجنوب، ليكون مستقرا وليبني اقتصاده، أن يقدم «تسويات» للشماليين، ويعقد «صفقات» معهم.

وقال سلفا كير إن «هذا القول يعني أن الجنوبيين لم يكونوا متعاونين في المفاوضات مع الشمال، ولم يقدموا تسويات كافية. ويعني أننا يجب أن نشتري حريتنا بتقديم تنازلات في موضوع النفط». ودعا إلى عدم الضغط على الجنوبيين ليضعوا كل أوراقهم على طاولة المفاوضات منذ البداية، وأن مثل هذه المفاوضات، عادة، تشمل تقديم تنازلات من كل الجوانب.

وقال إن حزب المؤتمر، خلال خمس سنوات، لم يقدم «تسويات» تجعل الوحدة جذابة، ولهذا يتوقع أن يختار الجنوبيون الاستقلال. وقال إن الاستقلال لن يكون سهلا، لكن يملك الجنوبيون القدرة والعزم. ودعا إلى استمرار وجود قوات الأمم المتحدة في الجنوب.

في نفس الوقت، يبدو أن زيارة سلفا كير أظهرت جوانب جديدة من الخلاف في واشنطن حول السياسة نحو السودان، وذلك لأن عضو الكونغرس، دونالد بين، الذي دعا سلفا كير لمخاطبة المؤتمر، اشتكى من أن إدارة الرئيس أوباما قاطعت زيارة سلفا كير لواشنطن. وقال: «ليقولوا ما يقولون، وأنا أعلن من هنا أنهم رفضوا أن يستقبل سلفا كير أي مسؤول كبير أو صغير».

وقال بين إن سلفا كير، عندما زار واشنطن، أيام الرئيس السابق بوش الابن، كان يستقبل من قبل بوش ومن قبل وزيرة الخارجية كونداليزا رايس.

وقال مصدر في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ليست موجودة في واشنطن، وإنها في الشرق الأوسط لحضور المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. وإن الجنرال سكوت غريشون، مبعوث الرئيس أوباما للسودان، كان قابل سلفا كير في السودان في الأسبوع الماضي، وسيقابله في نيويورك في الأسبوع المقبل.

وقال مراقبون في واشنطن إن هذا الموقف البارد نحو سلفا كير له صلة بشكاوى متكررة من حكومة الرئيس البشير، وأن سلفا كير، عندما زار واشنطن في الماضي، كان يُستقبل وكأنه رئيس دولة. وأن واشنطن، إذا تريد رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع السودان، تقدر على أن تبرهن على ذلك برفع مستوى اتصالاتها مع السفارة السودانية في واشنطن.

ولاحظ المراقبون أن السفارة لم يكن لها دور في ترتيب زيارة سلفا كير، مثلما كان الحال في الماضي. وأن الزيارة، مثل ما قبلها، رتبها مكتب حكومة الجنوب في واشنطن.

وفي نفس المؤتمر أمس، طلب لويس أوكامبو، كبير محققي محكمة الجنايات الدولية، من الحكومة الأميركية الضغط على حكومة السودان لاعتقال أحمد هارون، حاكم ولاية جنوب كردفان، وقال إنه مسؤول عن الإبادة في دارفور. وإن وظيفته الجديدة في جنوب كردفان تعنى أن حكومة البشير تريد منه «تنفيذ إبادة أخرى في أبيي» إذا انفصل الجنوب. وقال إن هارون يمكن أن يكون الشرارة التي ستعلن الحرب بين الشمال والجنوب إذا انفصل الجنوب. وأن عودة الحرب ستعني فشل كل الإنجازات التي حققها المجتمع الدولي في جنوب السودان. وستعني «إبادة» جديدة غير التي في دارفور، التي اتهم أوكامبو الرئيس البشير وهارون وغيرهما بتحمل مسؤوليتها.

إلى ذلك أعلنت أمس منظمة أميركية إنسانية قلقها على مصير قرابة مليوني جنوبي يعيشون في شمال السودان، إذا قرر الجنوب الانفصال في الاستفتاء المقرر له يناير (كانون الثاني) المقبل.

وقالت منظمة «ريفيوجيز إنترناشونال» (اللاجئين الدولية) في واشنطن إن هذا الموضوع لا يجد اهتماما كافيا «لأنه حساس سياسيا». وقالت إن الأطراف المعنية تنشغل بمواضيع، مثل تقسيم النفط والحكم ورسم الحدود، ولا تضع اعتبارا لهذه الموضوعات. حسب إحصائيات كانت المنظمة أصدرتها، يوجد في الشمال ما بين مليون ونصف المليون ومليوني شخص.

وقال بنجامين ليو، خبير في مركز «غلوبال ديفيلوبمنت» (التنمية العالمية) في واشنطن، إن موضوعا آخر «لا يلقى اهتماما كافيا» هو ديون السودان الخارجية، وكيف ستقسم إذا انفصل الجنوب، وهل ستعفي الولايات المتحدة نصيب الجنوب من الديون، إذا انفصل الجنوب، وترفض إعفاء نصيب الشمال.

وقال إن سياسة الجزرة والعصا التي سيعلنها الرئيس أوباما عندما يقابل قادة السودان في نيويورك في الأسبوع القادم، يجب أن تشمل إغراءات بإعفاء ديون السودان الخارجية.

وقال إنها وصلت إلى 35 مليار دولار. وإنها، لهذا، تعرقل حصول السودان على مزيد من القروض، خاصة من البنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي.