سياسي توافقي يفوز برئاسة مجلس العاصمة واشنطن

يرث مدينة منقسمة عرقيا وجغرافيا.. وعجزا هائلا في ميزانيتها

غراي (الثاني من اليمين) سيواجه تحديات مختلفة عندما يتولى مهامه كرئيس لمجلس مدينة واشنطن («نيويورك تايمز»)
TT

كرئيس لمجلس مدينة واشنطن، كان فينسنت غراي توافقيا ماهرا ومصلحا صبورا، وتمكن بدقة، إن لم يكن بهدوء، من تطوير القوانين. لكن بانتصاره على عمدة المدينة الحالي أدريان فنتي وفوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة المدينة الأسبوع الماضي، فإن غراي (67 عاما) بدأ مواجهة تحد من نوع جديد.

ولأن معظم سكان واشنطن ديمقراطيون، فإن الفوز في الانتخابات التمهيدية يعني عادة الفوز في الانتخابات. وعندما يتولى غراي منصبه الجديد في يناير (كانون الثاني) المقبل، فإنه سيواجه مدينة منقسمة على أساس العرق والطبقة الاجتماعية والجغرافية، وتعاني، حسب بعض التقديرات، من عجز في ميزانيتها يقدر بأكثر من 100 مليون دولار.

اعتماده على التوافق، عندما يتولى موقعه الجديد، سيكون أمرا جيدا، لكنه سيواجه مواقف يتعين عليه فيها اتخاذ قرارات صعبة وفي بعض الأحيان بسرعة. وقال جاك إيفانز، عضو المجلس البلدي بالمدينة «تطوير المدارس وقائد الشرطة ومدير المدينة، كل هذه أمور تحتاج إلى اتخاذ قرارات كبيرة تتعلق بمواصلة السير على الطريق الذي وضعه فنتي أو رسم طريق جديد مختلف». وأضاف أنه يعتقد أن غراي سيتكيف مع وتيرة العمل الجديد «وهذا لن يكون بالأمر السهل».

نشأ غراي في أسرة تنتمي إلى الطبقة الوسطي وتعيش في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، وأتم دراسته الجامعية وحصل على درجة الماجستير في علم النفس من جامعة جورج واشنطن.

وبعد فترة قصيرة من تخرجه، بدأ العمل في جمعية محلية للمعاقين ذهنيا، وارتقى فيها إلى أن أصبح مديرا لها. وفي عام 1990، طلب منه أن يكون مديرا لإدارة الخدمات الإنسانية بالمدينة. وبعد مغازلات، وافق على تولي رئاسة هيئة غير مستقرة تولى رئاستها 11 رئيسا في 12 عاما.

ويقول الموظفون العاملون مع غراي في المجلس المحلي، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، إن غراي غالبا ما يكون أول من يصل إلى المكتب وآخر من يغادره، ووصفوه بالاتزان والثبات والتفاني في عمله وحب النظام. ويمتلئ مكتب غراي بصور زوجته، لوريتا، التي توفيت بمرض السرطان منذ 12 عاما وصور ابنه وابنته واثنين من أحفاده.

ويعرف غراي، الذي يتمسك بالنظام بشدة، بذاكرته القوية. وخلال عمله كرئيس لمجلس المدينة، كان يدير اجتماعات المجلس بأسلوب يتسم بالصبر والبعد عن المواجهات.

وفي حين أن فنتي، الذي كان أصغر عمدة منتخب للمدينة، كان كثيرا ما ينظر إليه باعتباره حاكما مطلقا يقوم بتنفيذ المهام الموكلة إليه، فإن غراي، أكبر عمدة منتخب للمدينة، يعتبر دبلوماسيا يتصف دائما باللين والودية في حديثه.

كان فنتي يميل لاتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر السياسية - مثل تسريح مئات المدرسين ذوي الأداء السيئ أو الطلب من سيارات الأجرة تركيب عدادات - وذلك بصورة جزئية لأنه كان لا يدين بالولاء لهذا النوع من المصالح الخاصة التي يدعمها غراي.

والآن، فإن أصحاب المصالح الخاصة هذه التي دعمت وروجت لغراي ينتظرون تنفيذ رغباتهم، التي لن يكون من السهل تنفيذ أكثرها. وعلى سبيل المثال، فإن الناخبين في المناطق التي يقطنها الفقراء والسود في المدينة والذين صوتوا لصالح غراي، بمعدل (1:4)، يتوقعون أن يوفر لهم غراي فرص عمل ومساكن بأسعار معقولة. كما وعد غراي بتوفير دعم سخي للتعليم في فترة ما قبل الروضة والمدارس «الشارتر» ولجامعة «ديستريكت أوف كولومبيا».

وعلى الرغم من أن المدينة تواجه بالفعل نقصا قدره 34 مليون دولار في التمويل الفيدرالي للرعاية الصحية، فإن العوائد المتوقعة قد تأتي بأخبار أسوأ هذا الشهر. وسيكون غراي أيضا بحاجة إلى إقناع المتشككين بأن منهجه الجماعي والتعاوني لن يعني العودة إلى الوضع القائم وإلى أيام اختلال العمل التي شهدتها تسعينات القرن الماضي، عندما كانت المدينة تعاني من تفشي الجريمة والفساد الحكومي والبيروقراطية الصعبة التي تجاهلت الخدمات الأساسية.

وبينما ينظر الكثير لفنتي على أنه الشخص الذي يقوم باستمرار باتخاذ قرارات سريعة، ينظر إلى غراي على أنه شخص يميل إلى التأني، وهذا هو ما يثير مخاوف بعض السكان من أنه قد يعطل عملية إصلاح النظام المدرسي ويتركه للدخول في نقاشات حول العملية نفسها.

إلا أن عضو المجلس ديفيد كاتانيا قلل من شأن هذه المخاوف، قائلا إن منهج غراي لا يعني أنه غير مستعد لاتخاذ قرارات صعبة من شأنها معارضة أصحاب المصالح وذوي النفوذ.

وقال كاتانيا إن غراي كان على استعداد لتبني مواقف أثارت غضب جماعات النفوذ، مشيرا إلى قراره عدم رفع الضرائب في الميزانية السابقة على الرغم من وجود ضغوط كبيرة عليه للقيام بذلك. كما أشار كاتانيا إلى استعداد غراي لدعم زواج المثليين جنسيا رغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها رجال الدين لحظره.

وبطريقته النموذجية، حاول غراي بالفعل البدء فيما يسميه عملية «جمع الشمل». وقال إنه يخطط لعقد اجتماعات عامة في جميع أقسام المجلس الثمانية خلال الشهرين المقبلين لاستطلاع الآراء قبل البدء في اتخاذ قرارات تتعلق بالموظفين وسياسة العمل. كما أعلن عن إطلاق موقع على شبكة الإنترنت يمكن السكان من إرسال رسائل إليه من خلاله. وقال للصحافيين بعد وقت قصير من فوزه «نحن سنتحرك بأقصى سرعة إلى الأمام. إنني أتطلع إلى ذلك، ولكني أتطلع أيضا إلى قيام الجميع بمساءلتي».

وقد كان فوزه بمثابة استفتاء على التحسين ورفع مستوى المدينة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الكثير من الناخبين الفقراء والسود في القسم الشرقي من المدينة يشعرون بالقلق من قيام غراي بتطوير الأحياء ورفع تكاليف السكن. وكان شعار حملة غراي هو توحيد المدينة، وإعطاء مزيد من الاهتمام للناخبين ومخاوفهم. ولتحقيق هذه الغاية، قال إنه يفضل التقسيم الشمولي، الذي يهدف إلى دعم بناء منزل في الأحياء الفقيرة، وتوفير سكن بأسعار أقل من أسعار السوق لعائلات الطبقة الوسطى. وفي هذا السياق، قال غراي «نحن لن نعيد عقارب الساعة إلى الخلف. يمكنني أن أؤكد لكم ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»