مخاوف فرنسية من عمليات إرهابية وشيكة في الداخل والخارج.. واستنفار الأجهزة الأمنية

معلومة استخبارية جزائرية المصدر عن انتحارية تسعى لارتكاب عمل إرهابي في فرنسا

جنود فرنسيون يجوبون في محيط برج إيفل في باريس أمس وذلك بعد رفع درجة التحذير من عمليات اهابية (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تحارب الإرهاب على جبهتين، في الخارج والداخل، هكذا يمكن تلخيص الوضع الفرنسي في الأيام الأخيرة بعد خطف خمسة مواطنين من منطقة أتليت، شمال النيجر، كانوا يعملون لصالح شركة «أريفا» لاستخراج اليورانيوم، وبعد التهديدات التي يتعرض لها الداخل الفرنسي نفسه والتحذير من حصول عمل إرهابي «وشيك».

وفي الساعات الأخيرة قرع وزير الداخلية بريس هورتفو ناقوس الخطر مجددا، وأعلن هورتفو أمس أن «التهديد (الإرهابي) جدي، ولذا فإن يقظتنا تضاعفت». وبينما زادت الأجهزة الأمنية الفرنسية استعدادها ورفعت حالة التأهب المعمول بها في إطار خطة مكافحة الإرهاب إلى أعلى مستوياتها، فقد عمدت النيابة العامة في باريس إلى فتح تحقيق قضائي «تمهيدي» غرضه التحقق من معلومة استخبارية وصلت إلى الأجهزة الفرنسية، وقوامها أن إرهابية تابعة لـ«القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي تتأهب لارتكاب عمل انتحاري على الأراضي الفرنسية. وذهبت معلومات أمنية إلى أبعد من ذلك عندما أكدت أن العملية الإرهابية سترتكب في وسائل النقل المشترك والأرجح مترو الأنفاق، على غرار ما حصل في باريس قبل 15 عاما.

وسربت المصادر الأمنية خبرا مفاده أن المعلومة المثيرة للقلق نقلها جهاز أمني جزائري إلى الجانب الفرنسي. ووصفت هذه المصادر الجزائر بأنها «بلد صديق ونحن نعمل معه (أمنيا) بشكل منتظم». وسبق لوزير الداخلية الذي احتل في الشهرين الأخيرين واجهة المشهد السياسي الفرنسي بسبب إمساكه بالملفات الأمنية، ومنها طرد الغجر ونزع الجنسية الفرنسية عن المعتدين على حياة رجال الأمن وممثلي السلطة من الفرنسيين المجنسين، أن حذر يوم الـ16 من سبتمبر الحالي من تزايد المخاطر الإرهابية. وقال برنار سكوارسيني، مدير جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي، إن كل «المؤشرات حمراء اللون»، ما يعني جدية التهديدات الإرهابية.

وكانت قوات الأمن أخلت الأسبوع الماضي بعد إنذار تبين أنه كاذب برج إيفل، وهو المكان الأكثر ارتيادا في فرنسا من قبل السياح، كما أخلت محطة مترو سان ميشال التي عرفت في التسعينات اعتداء إرهابيا أوقع قتلى وجرحى وحملت مسؤوليته للأصوليين الجزائريين الذين يشكلون حاليا إحدى أذرع «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي. غير أن أوساط وزارة الداخلية قالت لاحقا إن التهديدات غير محصورة في وسائل النقل العامة وليست محددة بدقة.

وكان التأهب لمواجهة أي عمل إرهابي ازداد منذ يوم الخميس الماضي بعد حادثة برج إيفل، وخصوصا بعد وصول المعلومة الجزائرية عن انتحارية متنقلة في باريس وخطف الفرنسيين الخمسة في النيجر ونقلهم على ما تؤكد المعلومات المتوافرة إلى شمال مالي، أي إلى المنطقة التي هاجمت فيها قوات كوماندوز فرنسية - موريتانية موقعا لـ«القاعدة» في 22 يوليو (تموز) الماضي وقتلت سبعة من عناصرها. وترى المصادر المتابعة للملفات الإرهابية أن العوامل «الموضوعية» التي تدفع باتجاه الخشية من عمل إرهابي ضد فرنسا في الداخل كثيرة، ومنها سن تشريع يمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، والدور الذي تلعبه فرنسا في أفغانستان في إطار الحلف الأطلسي، وعودة عناصر جهادية فرنسية من العراق وأفغانستان وباكستان، وتهديدات «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي التي وجهت إلى الرئيس ساركوزي من قبل «القاعدة» التي توعدت بالانتقام من فرنسا.

وفي إطار التدابير الاحترازية علم أن الأجهزة الأمنية شددت الحراسة على دليل بوبكر، مدير مسجد باريس الكبير والرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي عبر عن «دهشته» لهذه التدابير. كما عززت الحراسة على الأماكن الحساسة وعلى المقرات الدينية اليهودية.

وفاجأت هذه التدابير الفرنسيين بحيث دفعت الهاجس الأمني إلى مقدمة الاهتمامات وبرز تشنج في الأجواء بسبب المخاوف من حصول عملية إرهابية تقول المصادر المسؤولة عن الأمن إنها «لا تعرف متى ستقع وأين، بل إنها تعرف أنها ستقع».

وأثار التركيز الأمني شبهات بعض السياسيين الذين أبدوا تخوفا من أن تكون السلطة بصدد استغلال هذا الموضوع لصرف الأنظار عن المشكلات التي تعرفها فرنسا بسبب سياسة ترحيل الغجر والانتقادات التي تتعرض لها داخليا وأوروبيا ودوليا وإمكانية جرها أمام المحاكم الأوروبية وتدهور صورتها عالميا، فضلا عن التعتيم على الفضائح المالية - السياسية المرتبطة بثرية فرنسا الأولى ليليان بتنكور وعلاقتها بوزير العمل الحالي والمالية السابق أريك فيرت، الذي كان مسؤولا عن مالية حملة الرئيس ساركوزي الانتخابية في ربيع عام 2007 وأمين مالية الحزب الحاكم.

وفي السياق الخارجي لم تؤكد وزارة الخارجية المعلومات الوثيقة التي تحدثت عن تعزيز فرنسا لحضورها العسكري في النيجر وإرسال وحدة عسكرية مجهزة بوسائل جوية للاستطلاع والمراقبة. ومعلوم أن فرنسا تساعد موريتانيا عسكريا واستخباراتيا وتسعى لتقوية التعاون الإقليمي بين دول الساحل، حيث تنشط «القاعدة» ومنظمات إرهابية وغير إرهابية مرتبطة بها بشكل ما، وهو ما أبزرته العملية العسكرية المشتركة، الفرنسية - الموريتانية، شمال مالي. وحتى أمس لم تكن فرنسا قد تلقت أي تبنٍّ لعملية خطف مواطنيها ولا مطالب من الجهة الخاطفة.