زيادة عدد الأثرياء في الصين مع زيادة عدد من يحميهم

يعملون على خلاف نظرائهم في أميركا دون سلاح.. ومعظمهم من النساء

TT

لعل العلامة الأكثر وضوحا على انتشار الثروات الخاصة في الصين تحاول جاهدة أن لا تكون واضحة على الإطلاق، إنها زيادة عدد الحراس الشخصيين.

يعمل هؤلاء الحراس كسائقين أو مربيات، أو يندمجون في زمرة رجال الأعمال، حيث يبدو وكأنهم يعملون في وظيفة السكرتير أو حامل الحقيبة. وعلى خلاف نظرائهم في الولايات المتحدة، لا يعد الحراس الشخصيون في الصين بصفة عامة من طوال القامة ولا يبدو أن لهم مظهرا مهيبا، والكثير منهم من السيدات، على أساس أن الإناث بين الأفراد المرافقين للشخصيات المهمة أقل جذبا للانتباه.

وبخلاف نظرائهم في الولايات المتحدة أيضا، لا يحمل هؤلاء الحراس أي أسلحة، حيث إنه محظور على المواطنين في الصين حمل أي أسلحة نارية. وبدلا من ذلك يجيد الحراس الشخصيون في الصين فنون الدفاع عن النفس، وهم مدربون على نزع الأسلحة من أي مهاجم والسيطرة عليه بقليل من الحركات السريعة واللكمات والضربات القوية.

وقال مايكل تشه، رئيس شركة «في إس إس» المحدودة، للاستشارات الأمنية، في بكين، التي بدأت نشاطها عام 2002 وتعد نفسها أقدم شركة لتوفير خدمات الأمن الخاصة: «في الصين لا نحتاج إلى أفراد يعرفون البنادق. يستطيع الحراس الشخصيون استخدام ضربة أو ضربتين لردع أي مهاجم».

وعندما بدأ تشه، وهو مدرب للعبة الكونغ فو على المستوى المحلي وعميل أمن سابق لدى الحكومة، شركته قبل ثمانية أعوام، بهدف خدمة العملاء الأثرياء، تذكّر أنه لم يكن هناك عدد يذكر من المنافسين في هذا المجال. وبنهاية العام الماضي، وفقا لوزارة الأمن العام، نما نشاط الأمن الخاص ليصبح صناعة يبلغ حجم الاستثمارات بها 1.2 مليار دولار، وتعمل بها نحو 2767 شركة توظف أكثر من مليوني حارس أمن.

ويعد ازدهار صناعة الحماية الشخصية انعكاسا للنمو الكبير في الرخاء في البلاد، مما خلق طبقة جديدة من الأثرياء الصينيين، لكنه قاد أيضا إلى تفاقم الهوة الواسعة بالفعل بين الأغنياء والفقراء.

وفي الوقت الذي أصبح فيه الملايين من الصينيين أكثر ثراء، وفي الغالب ينغمسون في زخارف الأموال الجديدة، ارتفع أيضا الشعور بالاستياء من جانب الآخرين، مما يهدد الهدف المعلن للحزب الشيوعي الحاكم بالمحافظة على الاستقرار الاجتماعي. وكان هناك أخبار نشرتها الصحف حول اختطاف الأثرياء في الصين، وارتفاع معدل أعمال العنف العشوائية. وشهدت الصين العام الحالي موجة من الهجمات الشرسة على أطفال الروضة وأطفال المدارس الابتدائية، وقد أرجعها بعض علماء النفس إلى الاضطراب الاقتصادي.

وقال ني شو بين، الأستاذ بمعهد شنغهاي للتجارة الخارجية: «إن ازدهار صناعة الأمن يعكس قلق الأثرياء بشأن أمانهم وأمان أسرهم. ويشعر السكان بالغضب من الطريقة التي تحول بها بعض الأفراد إلى الثراء، وبدأ المجتمع بأكمله في كره الأثرياء. ويشعر الأثرياء بهذا السخط، مما يجعلهم يشعرون بعدم الأمان».

ويقوم الحراس الشخصيون الآن بفعل كل شيء، بداية من حماية المشاهير ورجال الأعمال الأثرياء، إلى المساعدة في توفير الأمن للأحداث الرئيسية مثل معرض شنغهاي العالمي.

ودفع هذا النمو السريع الحكومة إلى بدء محاولة السيطرة على هذه الصناعة. وحتى الآن تعمل شركات الأمن الخاصة في «منطقة رمادية» قانونية، مع عدم وجود إرشادات أو معايير أو لوائح، ومع وجود مستشارين في مجال الأمن مثل تشه يشعرون بالقلق من أن الكثير من هذه الشركات هي شركات تستهدف الربح العاجل، فإن ذلك من الممكن أن يسيء إلى سمعة الصناعة بأكملها.

وفي أبريل (نيسان) أعلن مجلس الدولة الصيني، أو مجلس الوزراء، أنه سيضع لوائح من شأنها السيطرة على صناعة الأمن التي لا تخضع لأي قواعد. وتساعد شركة تشه مكاتب الشرطة المحلية على صياغة اللوائح، ووضع معايير في الصناعة ووضع كتاب لتدريب حراس الأمن الشخصيين.

ولا تزال الصين دولة آمنة نسيبا، بيد أن معدل جرائم العنف في ارتفاع. واكتشف تقرير لأكاديمية العلوم الاجتماعية في الصين العام الحالي «زيادة كبيرة للغاية» في معدل جرائم العنف، بما في ذلك جرائم القتل والسرقة والاغتصاب على مدار العام الأسبق. وذكر التقرير أن الجريمة من المحتمل أن ترتفع مجددا لعام 2010، وذلك نظرا لإغلاق المصانع وارتفاع معدل البطالة.

وقرر الكثيرون من النخبة الثرية الجديدة المحافظة على عدم الظهور في المناسبات العامة، والبعض يتخلص من الإظهار المعتاد للترف. وبصورة متزايدة، يلجأون إلى شركات الأمن الخاصة لتوفير الحماية.

وقال باتريك بون، الذي عاد إلى شنغهاي قادما من سيتل وأنشأ قبل ثلاثة أعوام شركة «نيوكوغز»، وهي شركة ناجحة للتسويق على الإنترنت: «تحتاج إلى شخص تستطيع أن تثق به لحماية الأصول التي تمتلكها، ولحماية نفسك، ولحماية أسرتك». ووقع بون عقدا مع شركة تشه لتوفير خدمات الأمن على مدار الساعة لمنزله ومكتبه.

وقال بون: «تتسع فجوة الثراء في الصين أكثر فأكثر، ويصبح عدد قليل من الأفراد أكثر ثراء، وغالبية الشعب من الفقراء. إنها مرحلة مزعجة بالنسبة لأي دولة نامية».

وأضاف بون أنه يحاول الحد من نشاطه العلني، وقال إنه من المفيد أن يكون لدى الفرد حارس خاص يعمل كسائق أيضا. وقال: «لا أعتقد أنه خيار جيد بالنسبة لي أن يكون لدي مجموعة من حراس الأمن حولي. إذا فعلت ذلك فإن الجماهير ستبدأ في الاهتمام بك». وقال تشن يونغ تشينغ، 27 عاما، خبير سابق في فنون الدفاع عن النفس بالجيش، وبدأ شركة خدمات أمنية تدعى «تيانجياو» للحماية الخاصة عام 2008، إن الاتجاه في الصين هو أن يكون الحراس الشخصيون أصغر في الحجم. وقال: «إذا كنت كبيرا للغاية فستكون واضحا للغاية. يمكننا أن نتوه وسط الزحام، لا تستطيع إدراكنا».

وقال تشن إن نحو 40 في المائة من الحراس الشخصيين لديه من النساء. ويبلغ طول الحارسة الشخصية تشاي تشانغ، 25 عاما، 5 أقدام و4 بوصات، ووزنها 121 رطلا. لكنها مدربة على فنون الدفاع عن النفس وأسلوب القتال الحر، وتقول: «عندما نقوم بالممارسة أحارب اثنين من الشباب، ولا مشكلة لدي في ذلك».

ودرست تشانغ علوم الكومبيوتر في الكلية، وتوقع والداها أن تتبع تقليد الأسرة وتصبح مدرسة. وحاولت لفترة القيام بذلك لكنها كان تعتقد أن حياة الحراس الشخصيين ستكون أكثر إثارة، وتقوم الآن بمرافقة مشاهير الصين وهونغ كونغ في المدينة.

وفي الوقت الذي تنفتح الصين على العالم بصورة أكبر، تصبح أيضا مقصدا لمشاهير العالم، بما في ذلك نجوم الروك والراب ولاعبو كرة السلة والتنس والممثلون والمليارديرات الذين يسافرون إلى جميع أنحاء العالم، وجميعهم يطلب حماية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، وهو ما يمثل دفعة إضافيا لصناعة الأمن الخاص.

وبالنسبة إلى بعض هؤلاء الزائرين، يبدو الحراس الشخصيون المحليون صغارا في الحجم في بادئ الأمر، وفي بعض الأحيان يقود ذلك إلى صدام ثقافي. وتعاقدت تشن تشن، مديرة تطوير اللاعبين في بطولة الصين المفتوحة للتنس، مع شركة «في إس إس» منذ عام 2004 لتوفير حراس شخصيين للاعبين.

وبالنسبة إلى لاعبي التنس، يجب أن لا يقل طول الحراس الشخصيين عن 6 أقدام. وقالت تشن: «يجب أن يرتدوا سترة سوداء وسماعات في الأذن، لأن هذه هي النظرة الاحترافية للحراس الشخصيين». وأضافت أن الحراس الشخصيين الأصغر حجما «لا يعطونهم الشعور بالأمن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»