سلام فياض في حوار مع «الشرق الأوسط» : تقرير البنك الدولي اعتراف بأن عملنا صحيح منذ البداية

سلام فياض
TT

يجد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في تقرير البنك الدولي عن أن الجاهزية الفلسطينية باتت وشيكة، تشجيعا كبيرا لمواصلة العمل الدؤوب وصولا إلى الدولة الفلسطينية. وقال فياض في حوار هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» «إن في إقرار البنك الدولي تشجيعا لنا ويؤكد أننا نجحنا في التأثير على المؤسسات الدولية.. وهذا من شأنه أن يفيدنا في جهودنا لإنجاز حلم الدولة وتحقيق خطتنا التي دخلت عامها الثاني قبل أسابيع».

وعبر فياض، الذي كان يتحدث وهو في طريقه إلى نيويورك لحضور اجتماعات الدول المانحة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن سعادته «بما جاء في التقرير لأن فيه اعترافا ضمنيا بأن أداءنا جيد وصحيح».

ونفى فياض أن يكون قد ادعى يوما أن حكومته تقوم ببناء مؤسسات الدولة، بل إن هذه المؤسسات قائمة أصلا وما تفعله الحكومة هو تطوير عمل هذه المؤسسات استعدادا لإعلان الدولة. ويرفض فياض ما يتردد حول استخدامه للمساعدات الخارجية لشراء الولاءات. وقال «لا أجلب المساعدات الخارجية لشراء ولاءات الناس. فمن واجبنا كحكومة أن نوفر احتياجاتهم ودفع رواتبهم. وليس في ذلك منة عليهم». وفي ما يلي نص الحوار:

* أفضل ما نستهل به هذا الحوار هو تقرير البنك الدولي الذي يشيد بإنجازات حكومتكم ويقول إنها تسير في الاتجاه الصحيح على طريق إقامة الدولة الفلسطينية واعتبر أن الجاهزية الفلسطينية لإقامة تلك الدولة باتت قريبة.

- نحن الآن في منتصف الطريق للعامين اللذين حددناهما في أغسطس (آب) من العام الماضي، للجاهزية لإقامة الدولة.. وما جاء في تقرير البنك الدولي هو مشجع لنا وفيه حكم ضمني على الإنجازات التي حققناها خلال العام أو الـ 13 شهرا الماضية. أن يقول البنك الدولي ذلك وهو المؤسسة الدولية ذات الاختصاص في تقييم المؤسسات وأدائها في مجالات مختلفة، فهذا بالنسبة لنا وبكل تأكيد مشجع جدا.. هذا اعتراف بأن عملنا منذ البداية كان صحيحا. وأننا رغم كل الصعوبات والمعوقات الإسرائيلية نجحنا في أن نبدأ وأن نثبت في الوعي الدولي ممثلا في هذه المؤسسة ما كنا نسعى إليه.. قدرتنا على بناء المؤسسات على أساس ديمقراطي وشفاف. وبناء على هذا الحكم الدولي ستخرج الكثير من الأحكام المؤثرة على الساحة الدولية. يذكر أنه تماشيا مع مشروع العامين وفي منتصف الطريق أطلقنا مذكرة جديدة تحت عنوان «موعد مع الحرية»، وذلك لحشد المجتمع الدولي سياسيا وأخلاقيا لإنهاء هذا الاحتلال.. وأن هذا الاحتلال لا بد أن ينتهي. ومن خلال هذه الشهادة من البنك الدولي، فإن النجاح سيخلق الحالة التي نحن نريدها، بما يخدم النضال السياسي الذي تخوضه منظمة التحرير الفلسطينية لإنهاء الاحتلال. أعتقد أن الأمور بدأت تأخذ الشكل الذي نسعى إليه. باختصار لا يمكن إلا القول إنني سعيد ومبسوط بما جاء في هذا التقرير. فرغم كل التشكيك في البدايات جاء هذا التقرير ليضع الأمور في نصابها الصحيح.. صحيح أن البدايات لم تكن مفروشة بالورود، ولن تكون كذلك فيما تبقى من وقت.. لكننا مصممون على السير قدما.

* البعض يقول إن حديث الحكومة عن بناء المؤسسات استعدادا لإعلان إقامة الدولة فيه إجحاف لمنظمة التحرير الفلسطينية.. ويقول هؤلاء إن المؤسسات كانت قائمة أصلا.. وتتحدى هذه الأطراف أن تسمي الحكومة مؤسسة حكومية جديدة قامت بتأسيسها..

- إذا راجعت ما صدر عنا في هذا الموضوع مقروءا ومحكيا ومكتوبا، تجد أننا نتحدث عن استكمال البناء والإعداد لإقامة دولة فلسطين.. لم يحصل أن قلنا إننا نبدأ من الصفر.. هذا غير صحيح. لم يصدر عنا مثل هذا الكلام. التعبير الذي أستخدمه باستمرار وعن وعي لأن هذا هو الواقع. نحن قلنا إن هذا الأساس له أبعاد فنية ومؤسساتية واضحة.. وله علاقة بأهداف محددة بشأن كفاءة المؤسسات وبشأن ما هو مطلوب للوصول بأداء هذه المؤسسات تكوينا وأداء، إلى مرحلة تمكنها من تقديم الخدمات للمواطنين بفعالية ونزاهة بما يرقى إلى المستويات الدولية. وقلنا أيضا إنه لهذا كله، هناك في الواقع الفلسطيني بعد سياسي مهم وواضح. باختصار وحتى لا أطيل فإن ما تحدثنا عنه منذ البداية هو استكمال عملية بناء مؤسسات دولة فلسطين. السلطة الفلسطينية منذ إنشائها، كان متفقا على أن تكون مرحلة انتقالية حتى عام 1999، لقيام الدولة. وبالتالي كان من المفروض أن تكون نواة للدولة. نحن قلنا إنه في ظل الوضع السياسي القائم وفي ظل عملية سياسية لم تفلح في إنهاء الاحتلال على مدار 16 سنة، ماذا بإمكاننا أن نفعل لتمكين الناس من البقاء، هو إنجاز ما تبقى من مهمة إقامة الدولة. قلنا نحن وبكل إيجابية أن علينا كفلسطينيين تجاه أنفسنا أن نهيئ أنفسنا في أسرع وقت حتى تكون المؤسسات ناضجة لتمكينها من الأداء بما يرقى إلى مستوى المؤسسات الدولية.. وأنا أعتقد أن ذلك ممكن في غضون عامين. بدأ هناك تحرك وصار هناك حديث عن العنصر الزمني.. وصارت الناس تتساءل عما سيحدث في حال جاء الموعد ولم تعلن الدولة الفلسطينية المستقلة. كل هذا قائم على أساس الإعمار وليس التهديد.. على أساس البقاء في وجه الاحتلال وغطرسته، من خلال الإصرار على حقنا في البقاء والحياة على الأرض بلغة تجعل من قضيتنا قابلة للفهم. إذن، ما كنا نقوله هو أن الموضوع يتعلق باستكمال البناء لكن ليس بالشكل المفتوح.

* أنت تقول إن الحكومة لم تنشئ أي مؤسسات جديدة؟..

- لا أستطيع القول بالمطلق إن الحكومة لم تُقم أي مؤسسات.. لا بد أنها استحدثت مؤسسة من هنا أو هناك في الغالب.. الوزارات كانت قائمة.. ولا نستطيع الادعاء بأننا أنشأنا وزارات من الصفر، ليس هذا القصد إنما القصد هو كيف يمكن أن نجعل هذه الوزارة القائمة بوضعها الحالي، أن تكون بمستويات معقولة بالمقارنة بالمستويات الدولية. وأنهي القول بأن هذا المشروع هو مشروع سياسي بامتياز أدواته إدارية تكنوقراطية تقنية.. وهذا صحيح.. ولكن بعده السياسي واضح.. وتقرير البنك الدولي يؤكد صحة عملنا. وأعتقد أنه وخلال الأسابيع القليلة المقبلة ستبدأ القوى السياسية المؤثرة على الساحة الدولية في أن تقتنع بمشروعنا..

* لكن رغم كل ذلك وكل التقارير الدولية، ومنها تقرير البنك الدولي الذي يشير إلى إمكانية نجاح هذا المشروع في غضون الفترة المحددة، فإن هناك من يشكك في النوايا.

- يا سيدي أنا أفهم التشاؤم وأفهم الشك.. بل أفهم التشكيك في البداية.. وكله سببه واقع وعقود طويلة من الاحتلال تجعل الناس تشكك في كل شيء.. أنا أفهم ذلك، إلا أن هناك إمكانية.. والأمور تسير في هذا الاتجاه، دعنا نلتف حول الموضوع لنصبح مصدر قوة له. فلنتجاوز مرحلة التشكيك، ولنلتف حول مشروعنا كقارب نجاة يقودنا إلى نهاياته.

* لو طلب منك أن تعطي علامة من واحد إلى عشرة لإنجازات الحكومة فيما يتعلق بخطتها للجاهزية الفلسطينية لإقامة الدولة.. فبأي علامة تحظى الحكومة؟

- بصراحة.. لا أريد الدخول في مسألة تقييم الجهد بشكل كمي.. كما أنه ليس مطلوبا من أي طرف، حتى المؤسسات الدولية، أن تصدر تقييما كميا يكون له معنى محدد.. ما نبحث عنه نحن، وهو ما يقود في العادة عمل المؤسسات الدولية ذات الاختصاص عندما يتناولون قضايا من هذا النوع في معرض التقييم وإمكانية إصدار حكم، هو مزيج من عدة عوامل في مجملها تمكن أي طرف من إصدار حكم بمدى الجاهزية.. بمدى النضج. أعود إلى ما كنا نتحدث فيه وهو أن ما نهدف إليه هو أن نصل بالمؤسسة إلى درجة من النضج المؤسسي، الذي يمكن كل مؤسسة من القيام بالدور المنوط بها في مجال عملها واختصاصها.. كما يمكنها من التفاعل.. تنسيقا وتعاونا مع المؤسسات الأخرى.. الرسمية منها والأهلية.. وهناك الكثير من المؤشرات من واقع الممارسة الميدانية.. الوجود مع الناس بشكل مباشر والمشاركة في نشاطات ميدانية،، التي تنطوي على كثير من الدلالة في طياتها وثناياها، مما يدل على أن عملية النضج هذه تسير في الاتجاه الصحيح. ومن الدلائل على عمليات النضج الكم الهائل من الرسائل التي نتلقاها يوميا من المواطنين التي تحمل شكاوى من الناس لقضايا الحق فيها ضائع، مر عليها سنوات.. إن هذا إن دل على شيء إنما يدل على الثقة التي باتت لدى عامة الناس، في مدى قدرة السلطة ومؤسساتها على حل القضايا. هذه القضايا لها دلالات كبيرة بعيدا عن التقييمات الرقمية.

* لنعد صياغة السؤال.. هل أنت راض عن ما تحقق من هذه الخطة التي مضى على إطلاقها أكثر من عام، حتى الآن؟.

- أنا بطبيعتي.. في ظل ما نواجه من تحديات معروفة للجميع وخاصة فيما يتعلق بالاحتلال.. ويقيني أولا أن الطريق لن تكون مفروشة بالورود.. من هذا المنطلق أتصرف.. وأشعر دوما بأن هناك ما هو أكثر يمكن القيام به.. بمعنى أن المشروع الفلاني كان يمكن إنجازه بشكل أسرع.. والإجراء الفلاني كان بالإمكان الانتهاء منه في الشهر الماضي.. الخ.. مثل هذا الشعور ملازم لي دائما. لا أتصرف ولا أتعامل مع الظروف، خاصة في ظل الاحتلال والتحديات التي تواجهنا على كل المستويات، وكأننا ربحنا هذا السباق، والمطلوب فقط الوصول إلى خط النهاية. من هذا المنطلق لديّ دائما كما قلت شعور بأنه كان بالإمكان العمل أكثر. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى آخذين بعين الاعتبار التحديات التي سبق ذكرها، ودون الخوض في التقييم الكمي، فإن ما أنجز حتى الآن، يعطيني سببا لأن نكون متشجعين وملتفين حول المشروع للوصول إلى خط النهاية.

* قبل بضعة أيام شن نقيب الموظفين العموميين الفلسطينيين بسام زكارنه، وهو أيضا عضو مجلس ثوري في حركة فتح، هجوما عنيفا عليك شخصيا وعلى الحكومة واتهمها بقمع العمل النقابي والتغاضي عن حقوق العسكريين المتقاعدين، وتبذير الأموال العامة، من خلال إنفاقها على حراساتك التي تكلف أكثر من بعض المشاريع التي تفتتحها.. ما هو ردك على هذه الاتهامات؟.

- أنا لم أدخل في سجال مع أحد ولا أحب الدخول في سجال مع أحد الآن، وليس لدي النية لتغيير سياستي هذه اليوم.. لكنني هنا أدعو إلى التريث قبل إطلاق الأحكام. حقوق العسكريين المتقاعدين، مسألة من الأهمية الوفاء بها.. هذه الحقوق تعود إلى أمد بعيد.. نحن على الأقل بدأنا في تسديدها بأقل مما كنت أتأمل.. هذه حقوق قائمة وأؤكد لهم أنه سيتم الوفاء بكل حقوقهم.. نحن نمر بصعوبات مالية حاليا.. لكن رغم هذه الصعوبات التي واجهتنا ولا تزال تواجهنا فإنه لم يضع لأحد أي حق ولا حتى قرش.. الكل يجب أن يكون مطمئنا، أننا سنتعامل مع كل الاحتياجات.. للأسف هناك ضائقة مالية صعبة. ونحن ندرك أن لبعض الناس حقوقا علينا.. وهناك مشاريع نفذت ولا يزال علينا دفع المستحقات..

* هناك من يتهم الحكومة بالعودة إلى الأزمة المالية كلما جرى الحديث عن المفاوضات أو برزت إلى السطح أزمة فيها، تطلق الحكومة تصريحات تتحدث عن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة.. وهؤلاء يقولون.. وكأن الحكومة تريد أن تبين للعالم وكأن مشكلتنا هي فقط مالية.. وكأن القضية الفلسطينية اختزلت لتصبح قضية فلوس وشحادة كما يقولون، ما دقة هذا الاتهام؟

- هناك دوما طرف له رأي بالاتجاه الآخر في مواضيع تكون واضحة. وأن يكون هناك موقف للحكومة يكون موضع شك أو تشكيك فهذا ثمن لا بد أن تدفعه أي حكومة ثمنا للحكم.. وهذا أفهمه وأتفهمه وأقبله. وخلال حياتي السياسية لم أواجه بأي درجة من الانفعال أي طرح وفي أي اتجاه، مهما أغرق بالتشكيك بما فيها هذه القضية. أنا سمعت في هذه القضية العجب العجاب.. من جهة...

* هل سمعت بهذا الكلام من قبل؟

- نعم وفي كل الاتجاهات.. فعلى سبيل المثال، عندما ترجع إلى ما قيل في المال والمساعدات المالية والاعتماد عليها، إلى آخره، تجد من يقول إن هذا المشروع ليس إلا مشروع مساعدات خارجية.. كان دوما لديّ موقف يقول إن احتياجنا للمساعدات واقع وليس سياسة. السياسة تكبر في تحقيق (اعتماد) أكبر ومتزايد على الذات. نحن الآن نواجه أزمة تحدثنا عنها وصرحنا بها قبل الخوض في موضوع التفاوض أو عدم التفاوض.. لكن في ذلك الوقت هذا لم يثر اهتمام أحد. الآن يجري الحديث عنها لأن الأزمة فعلا تفاقمت. ونحن أشرنا باتجاه أننا نسير في طريق، تتزايد فيه الصعوبات المالية.. وجاءت هذه الإشارات في بيانات لمجلس الوزراء قبل الحديث عن الذهاب إلى المفاوضات من عدمه.. كنت أتمنى أن يكون صحيحا أن موضوع صعوبة أو الادعاء بصعوبة الوضع المالي، له علاقة بموقف السلطة بعدم الذهاب إلى المفاوضات .. لكن هذا غير صحيح.. فها نحن نتفاوض والأزمة المالية لا تزال قائمة. هذه الاتهامات غير صحيحة ولم تكن صحيحة في يوم ما. ولم يمر عليّ منذ دخول السلطة كوزير للمالية عام 2002 حتى الآن، أن جرت مساومتنا في موضوع المساعدات أو ربط المساعدات بموضوع تفاوضي. أي إنكم ستحصلون على كذا عندما تفعلون كذا. نعود إلى النقطة الأساسية وهي أنه عندما نقول إننا حصلنا على مساعدات خارجية مما جعل ممكنا كذا وكذا.. يقول البعض إن كل هذه المشاريع ليست أكثر من مشروع مساعدات.. فيه رهن للقرار السياسي الوطني، للمساعدات الخارجية. عندما نقول إن صعوبة الوضع المالي تدفعنا إلى حث الخطى باتجاه الخلاص من الاعتماد على المساعدات الخارجية.. وهذا مطلب وطني ينتصر إلى موقفنا الوطني.. يردون عليك.. شو شغلة الحكومة إذا لا تستطيع أن تجلب لنا المال.. باختصار فإن هؤلاء لا يستطيعون أن يكونوا على حق في المقولتين. أنا بأحكي بإيجابية ومن موقع المسؤولية ومسؤول عن كلامي.. لم نتعرض يوما إلى ضغط.. إننا إذا سرنا في هذا الاتجاه سنحصل على المساعدات وإلا فلن نحصل عليها. المفاوضات أطلقت في واشنطن.. ولا نزال نعيش الوضع المالي الصعب. ورسالتي إلى مؤتمر الدول المانحة، أننا بحاجة إلى مساعدات أقل من المساعدات التي كانت مقررة. لكن ومع ذلك أقول إنه بالإضافة إلى السعي للحصول على المساعدات، وهذا جزء من واجبنا، علينا أن نحث الخطى باتجاه طريق الخلاص من الاعتماد على المساعدات الخارجية. والدولة الفلسطينية التي ستقوم يجب أن تكون قادرة على التعامل مع احتياجاتها من إيراداتها. وهذا ليس كلام خطابات.. وسجل ما أقول. إنه في عام 2008 تلقينا مساعدات بلغت مليارا و800 مليون دولار لدعم الموازنة.. حاجتنا للمساعدات المالية لدعم الموازنة انخفضت في السنة الحالية 2010، إلى مليار ومائتي مليون دولار. يعني ذلك توفيرا قدره 600 مليون دولار. وبناء على الخطة فإننا نأمل بتخفيضها لمليار دولار فقط. وأقول إنه بالإضافة إلى هذا التخفيض المبرمج كجزء من سياستنا، فعلينا نحن الفلسطينيين أن نحث الخطى ونسرع وتيرة الخروج والخلاص من الحاجة للمساعدات الخارجية والاعتماد عليها، بما ينتصر لكرامتنا الوطنية، مع تقديري الكامل للمانحين الذين وقفوا إلى جانبنا على مدار سنوات، مذ نشأت السلطة وحتى يومنا هذا.

* بالمناسبة هل أوفت الدول المانحة بقرار تزويد السلطة بنحو 7 مليارات دولار في مؤتمر باريس الذي جاء بعد مؤتمر أنابوليس أواخر عام 2007؟

- نعم إلى حد كبير.

* والدول العربية؟؟

- الرجاء عدم إدخالي في ذلك لأنه موضوع حساس.. ولكن بالنسبة للسؤال الأساسي، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة.. 2008 و2009 و2010، وصلنا على التوالي الآتي.. مليار و800 مليون دولار، ومليار و345 مليون دولار، وفي هذا العام، وصلنا ما يزيد حتى الآن على 600 مليون دولار... لهذا أقول إلى درجة كبيرة نعم. لكن ما حصل معنا في 2010 هو أن الجزء المخصص لدعم الموازنة من إجمالي المساعدات الذي وردنا حتى تاريخ الآن والسنة بعد لم تنته، أقل من المبلغ الذي نحتاج له في العام الحالي. وهذا يترتب عليه صعوبات مالية.. وهذا ما نردده.. ونتحدث عنه منذ أواخر فصل الربيع الماضي. إيراداتنا تنمو أكثر من المتوقع ونفقاتنا أقل من السقف.. ولكن رغم ذلك فإن لدينا صعوبات مالية، سببها أن الجزء المخصص من المساعدات لدعم الموازنة في هذا العام، أقل مما نحن بحاجة إليه. لكن بالمجمل العام مؤتمر باريس كان ناجحا.

* ما هو مقدار الميزانية التي تحتاجها السلطة؟

- في 2008 احتجنا إلى مليار و800 مليون دولار من المساعدات وفي هذه السنة نحتاج إلى مليار و200 مليون.. ونتوقع أن تنخفض الحاجة إلى مليار دولار فقط لعام 2011. ولكن في ضوء تجربتنا لعام 2010 تقديري أن علينا أن نبذل جهدا أكبر لتسريع وتيرة الوصول إلى درجة الاكتفاء الذاتي. على أن نكون قادرين على الإيفاء باحتياجاتنا على الأقل من النفقات الجارية من إيراداتنا، ونسعى إلى تحقيق ذلك من خلال زيادة الإيرادات.

* وبهذه المناسبة شعبيتك تزداد في الشارع الفلسطيني، الذي يرى في سلام فياض، صاحب النعمة.. الرجل الذي يدفع لهم رواتبهم آخر الشهر.

- نحن ليس لدينا كيس مليء بالفلوس ونوزع المساعدات.. إطلاقا. والعكس صحيح.. ما نقوم به نحن لا نمن به على أحد.

* المقصود بالكلام.. أنه إذا ما غاب فياض عن موقعه غابت الرواتب آخر الشهر.. يعني المساعدات الخارجية مربوطة بوجود فياض في الحكومة؟

- الذي يسير في السياسة التي أدافع عنها بقوة، ألا وهي سياسة تحقيق الاعتماد على الذات وصولا إلى الاعتماد على مواردنا، ليس شخصا يقال عنه إنه يعمل من أجل أن يبقى له هو دور.. وهو دور الجالب للمساعدات. أنا أول من يدعو إلى إنهاء الحاجة للمساعدات الخارجية. وليحكم على أدائنا بما حصل؛ التخفيض من مليار و800 مليون إلى مليار و200 مليون دولار في غضون ثلاثة أعوام فقط. من يتصرف بهذه الطريقة لا يتصرف على أساس الولاءات.. أنا لا أجلب المال مقابل شراء الولاءات. المساعدات التي نسعى للحصول عليها هي جزء من واجبنا لتوفير المطلوب من أجل الوفاء بالالتزامات المطلوبة منك كسلطة.. ولا نقوم بذلك انطلاقا من المنة على أحد.. هذه حقوق. ما ندفع للناس ليس إلا رواتبهم وهذا حق من حقوقهم وليس منة من أحد.

* وهذا ينقلنا إلى موضوع خصم 170 شيقلا من مرتبات أهالي غزة لتسديد فواتير الكهرباء.. وهناك شكاوى من البعض..

- الموضوع له علاقة بتمكين شركة كهرباء غزة للحصول على ما يكفي من الموارد لدفع فواتير الموارد لتشغيل محطة توليد كهرباء غزة. هذه الشركة كانت تقول إن ما تحصل عليه من الناس مقابل الكهرباء لا يتجاوز 10- 15% وهذا غير منطقي.. ونحن وبسبب الصعوبات المالية لا نستطيع دفع ثمن الوقود من الخزينة. فصار تفاهم على أن يجري تحصيل أكبر.. فقدرنا معدل فاتورة الكهرباء بالشهر بالاتفاق مع الشركة، وقدرنا أن يخصم من راتب كل موظف معني 170 شيقلا، على افتراض أن الموظف مشترك بالكهرباء وعلى افتراض أيضا أنه لم يسدد الفواتير. وقلنا في الوقت نفسه إن من كان ليس مشتركا أو قام بتسديد فاتورته سنعيد له المال الذي خصم عليه. أو تستخدم كدفع مقدمة على استهلاكه المستقبلي.

* يعني أنتم تتعهدون بإعادتها لصاحبها.. فالبعض يقول إنه لا يعيش في غزة أصلا، وآخر يقول إنه يسدد فواتير، وثالث يقول إنه يعيش في خيمة منذ تدمير منزله خلال الحرب الإسرائيلية على غزة..

- هذا غير صحيح.. نحن نخصم على الناس الذي لديهم دخل ثابت. المشكلة التي واجهتنا أنه لم يكن في الخزينة ما ندفعه لتسديد فاتورة الكهرباء.. ولم يكن أمامنا إلا توفير هذا المبلغ حتى لا نحرم الناس من الكهرباء وما يترتب على ذلك من مآس.. ووجدنا في هذا الحل، وهو أن نخصم من الرواتب المبلغ المذكور، على أن يعاد المبلغ لمن سدد أو من ليس مشتركا. كان الوضع استثنائيا.. فإما أن تطفئ الكهرباء عن الناس أو تتخذ الإجراء.. فمن عليه لا بد أن يدفع والباقي يعود إليه المبلغ المخصوم.

* وهل حلت أزمة كهرباء غزة؟

- بإذن الله ستحل.. ولا بد أن تحل وليست هناك طريقة أخرى. ليس بمقدورنا أن ندفع نحو 140 مليون دولار سنويا من خزينة الدولة ثمنا للوقود فقط. الناس القادرة على الدفع لا بد أن تدفع.. أما الناس غير القادرين فنحن نسد عنهم. وبهذه المناسبة أستطيع أن أقول إن السلطة تدفع شهريا 10 ملايين دولار ثمنا للكهرباء المورد إلى غزة من شركة الكهرباء الإسرائيلية. ما جرى كان جزءا من ثقافة عدم الدفع أو تسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف التي كانت سائدة في الضفة الغربية وحاربناها بنجاح، ويجب أن ننجح فيها في قطاع غزة لأننا في وطن واحد.

* أنت مسافر إلى نيويورك بمعزل عن الوفد الفلسطيني برئاسة أبو مازن...

- وأنا وفد مَن.. أنا جزء من الوفد الفلسطيني.

* لكنك مسافر لوحدك وليس على متن نفس الطائرة مع أبو مازن.

- نحن ذاهبون إلى نيويورك بمهتمين.. وفد فلسطيني واحد لكن بمهمتين مختلفتين. أنا ذاهب بشكل رئيسي لحضور مؤتمر المانحين.. أما الأخ أبو مازن فسيشارك في اجتماعات الجمعية العامة والنشاطات السياسية وبكل ما يتصل بهذا الموضوع. لكن على هامش مؤتمر المانحين هناك لقاءات ونشاطات متعددة بما يخدم أجندة السلطة لاستكمال البناء والإعداد لقيام دولة فلسطين.