المستشار الأعلى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: لم يفت الأوان لتحقيق أهداف الألفية إذا توفرت الجدية

قال لـ«الشرق الأوسط» إن الدول العربية تواجه تحديات في تحقيق الأهداف لكن الأمر ليس مستحيلا

خالد عبد الشافي («الشرق الأوسط»)
TT

تشدد الأمم المتحدة على أنه من الممكن تحقيق «الأهداف الإنمائية للألفية» خلال الأعوام الخمسة المتبقية، ردا على المشككين الذين يقولون بأنه قد فات الأوان لتحقيقها مع مرور 10 أعوام على المصادقة عليها. وأكد المستشار الأعلى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي خالد عبد الشافي أنه «يمكننا تحقيق أهداف الألفية بحلول 2015.. إذا كانت هناك الجدية الكافية وتطبيق الاستراتيجيات».

ويعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إحدى أهم وكالات الأمم المتحدة المسؤولة عن تحقيق أهداف الألفية التي صادق عليها قادة العالم في الأمم المتحدة عام 2000. وقال عبد الشافي في حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش مؤتمر متابعة «الأهداف الإنمائية للألفية» في نيويورك إن الدول العربية تواجه تحديات عدة في تحقيق الأهداف بحلول عام 2015، لكن «الأمر ليس مستحيلا»، مشددا على أهمية نقل الخبرة والتعلم من التجارب الناجحة. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما أهمية القمة المنعقدة حاليا في نيويورك عن الأهداف الإنمائية وماذا يمكن أن تحققه على واقع الأرض؟

- هذه القمة الثالثة، القمة الأولى عام 2000 تبنت إعلان الألفية وأهدافها، وبعد مرور 5 سنوات تم عقد القمة الثانية في نيويورك في 2005 التي كانت مراجعة لما تم تحقيقه ووضع خطة للتأكد من أن العالم سيحصل إلى تحقيق أهداف الألفية عام 2015 وهذه القمة الثالثة في نفس السياق، للتأكد مما تم تحقيقه حتى الآن، وما هي التحديات الموجودة، وكيف يمكن تخطي العقبات ومواجهة التحديات من أجل الوصول إلى أهداف الألفية. وفي هذا السياق تعقد القمة، وهي مهمة جدا لأنه لم يتبق سوى خمس سنوات، ففي عام 2000 عندما تحدثوا عن 2015 كان لدي وقت، ولكن الآن الوقت أصبح ضيقا والتحديات كبيرة. وتحديدا على ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالعالم خلال السنتين الماضيتين وما زالت. وهنا تكمن أهمية القمة، عامل الوقت والأزمة الاقتصادية والنتائج حتى الآن خليط من بعض النتائج الإيجابية والسلبية. بعض الدول قطعت شوطا جيدا وبعض الدول متعثرة جدا، فالصورة مختلطة.

* ما عدا الاجتماعات والخطابات الرسمية بتعهدات لمواصلة المسيرة وتسليط الضوء على هذه القضية، ماذا يمكن تحقيقه من القمة، هل هناك جدية في تحقيقها؟

- حسب اعتقادي فهناك جدية في تحقيق أهداف الألفية، على الأقل جدية عند الكثير من الدول، هناك جدية من المنظمات الدولية، لكن بالطبع إذا أردنا تحقيق هذه الأهداف، الجدية لا تكفي، يجب أن تكون هناك خطة عمل مع وضع جدول زمني معين. القضية تبدأ في الدولة نفسها، لأن الأهداف تم تبنيها من كل زعماء العالم، بالتالي هي ليست برنامجا عالميا، هي أيضا برنامج وطني، فيجب أن يكون هناك إجماع وطني وجدية من قبل الحكومات نفسها بالدرجة الأولى، جدية من قبل الحكومات لتبني استراتيجية واضحة، ومن هنا تبدأ القضية. بالطبع، موضوع الدعم الخارجي لهذا التوجه الوطني مهم، خصوصا لدى الدول الفقيرة التي ليس لديها موارد كافية، ولكن حتى تصل هذه الدول إلى الدعم الخارجي يجب أن تبدي جدية بالنسبة لتوجهاتها لتحقيق أهداف الألفية بناء على استراتيجية وطنية يكون عليها إجماع من الحكومة والمنظمات الأهلية والقطاع الخاص. ويجب أن تكون هناك سياسات معينة تساعد على تحقيق الأهداف مثل سياسات عملية الاستثمار في مجال التعليم والصحة، يجب أن تكون هناك سياسات وعمل في مجال تمكين المرأة والاستفادة من هذه الطاقة الهائلة غير المستفاد منها، خصوصا أن أحد أهداف الألفية متعلق بالمرأة وتعليم المرأة. يجب أن تكون هناك استراتيجية في عملية النمو الاقتصادي مثل ما هي الاستثمارات التي يمكن أن توفر أكبر عدد من فرص العمل، كلها أمور تتعلق بالسياسات الداخلية، وبالطبع عندما يلمس المجتمع الدولي جدية من الدول المعنية في العمل على تحقيق الألفية تكون المساعدة أسهل.

* بعد 10 سنوات، هل ترون استراتيجيات واضحة وثابتة للدول العربية لتحقيق أهداف الألفية؟

- كل الدول لديها استراتيجيات للألفية، وهي أحد الالتزامات التي التزمت بها الدول في القمة الأولى، ولكن ليست كل الدول تتعامل بنفس الجدية مع هذه الاستراتيجية، وليست كل الدول تضع أولوية لتحقيق هذه الأهداف - النتائج مختلطة. بالطبع، الدول الغنية المنتجة للنفط وضعها أفضل بكثير، ولكن من الممكن أن الذي يلعب الدور الأساسي هو غناها، وهي في طريقها لتحقيق معظم أهداف الألفية، ربما موضوع البيئة وانبعاث الكربون يبقى معقدا حتى في هذه الدول. وفي الدول المتوسطة النمو، مثل المغرب العربي، النتائج تختلف من دولة إلى دولة، هناك دولة قطعت شوطا جيدا مثل المغرب الذي يقف على مسار ممتاز لتحقيق أهداف الألفية. وهناك لدينا الدول الفقيرة أو قليلة التطور والدول التي تعيش الأزمات مثل الصومال والسودان وفلسطين، الوضع صعب جدا فيها وتحقيق الأهداف سيكون صعبا ولكنه غير مستحيل، نحن نعتقد أن تحقيق الأهداف في متناول اليد إذا توفرت الشروط التي تحدثت عنها سابقا. لكن بالنسبة لبعض الدول هناك عوامل أصعب، فمثلا في فلسطين هناك الاحتلال، العوامل التي تؤثر هي عوامل خارجية ليس باستطاعة السلطة أن تؤثر فيها، وبالتالي هذه العوامل الخارجية قد تؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف.

* الأوضاع السياسية بالطبع تؤثر على التنمية، والكثير من القادة العرب يقولون إن التنمية مهمة، ولكن من دون استقرار سياسي لا يمكنهم تحقيق التنمية، بينما آخرون يقولون يجب العمل على التنمية الداخلية ومن بعدها يمكن تحقيق الاستقرار، فأي منهما يمكن تحقيقه أولا؟

- أعتقد أن الأمرين ممكنان بالتوازي، وبالتأكيد العامل السياسي يلعب دورا. ففي فلسطين، الاحتلال يلعب دورا كبيرا، وقد يلعب دورا للدول المجاورة لإسرائيل بسبب ضرورة الإنفاق العسكري إلى آخره. ولكن في الدول العربية يجب فصل القضيتين عن بعض، لأن عملية الوصول إلى أهداف الألفية والتنمية ليس من المفروض ربطه بقضية فلسطين، لأن هذه قضية تتعلق بشعوب هذه الدول، وبشكل عام هي أهداف الألفية وتمت صياغتها من أجل رفاهية وسعادة الشعوب هذه. وبالتالي، في اعتقادي يجب أن تعمل كل الحكومات من أجل تحقيق ذلك، بغض النظر عن الظروف السياسية المحيطة التي تعلب دورا وليس دورا حاسما. إذا كان هناك جدية وإصرار على تحقيق أهداف الألفية فذلك يعزز من موضوع الصمود ومواجهة إسرائيل. ولنأخذ مثلا إسرائيل، إسرائيل دولة متقدمة وستحقق أهداف الألفية بسهولة، فلماذا لا نأخذ مثلا من الطرف الثاني، فهي تحقق أهدافها فلماذا لا تحققها الدول العربية أيضا؟

* ربما من أهم العوامل التي تؤثر على تحقيق أهداف الألفية هي قضية التعليم، وأحد الأهداف هو تحقيق التعليم لكل الأطفال في المستوى الابتدائي. هناك دول مثل الأردن تقترب من تحقيق هذا الهدف، بينما دول أخرى مثل العراق واليمن تعاني من هذه القضية. فما هو تقيمك لجهود الدول العربية في مجال التعليم؟

- نحن نعتقد أن هذا الهدف بالتحديد قابل للتحقيق، خاصة إذا تم فعلا وضع استراتيجية واضحة من أجل تحقيقه، وتم الاستثمار في هذا المجال الحيوي. صحيح هناك دول في تراجع أو لم تتقدم كثيرا في تحقيق هذا الهدف إلا أنه ما زال هناك إمكانية لتحقيقه إذا توفرت الجدية.

* أي من الأهداف الإنمائية الثمانية تعتقد من الصعب تحقيقه في العالم العربي قبل عام 2015؟

- نحن ما زلنا نقول إن كل الأهداف قابلة للتحقيق، لكن بالتأكيد موضوع البيئة هدف ليس من السهل تحقيقه في المنطقة، وذلك بسبب المشكلات البيئية وشحة المياه في الدول العربية وانبعاث ثاني أكسيد الكربون، مما يجعل هذا الهدف صعبا بعض الشيء، ولكن ليس مستحيلا.

* هناك أصوات تشكك في إمكانية تحقيق الأهداف، وتطالب بالنظر إلى المرحلة المقبلة ما بعد 2015. هل بدأتم دراسة الخطط المستقبلية؟

- نحن مركزون تماما على عام 2015، لا يجب أن نضع أهداف ما بعد 2015 لأنه ما زال هناك 5 سنوات تحتاج إلى عمل كبير على المستوى الوطني والدولي. وعلى ضوء الدراسة التي أجريناها حول 50 دولة حول العالم، وجدنا أن هناك تجارب جيدة وناجحة وأخرى غير ناجحة. ووضحنا 8 مجالات يمكننا العمل من خلالها لتحقيق الأهداف.

* عملية المراجعة كانت مهمة لتحديد التجارب الناجحة ومحاولة تطبيق نماذجها في دول أخرى. كيف يمكن تطبيق ذلك في وقت تعاني كل دولة من تحديات خاصة بظروفها؟

- النجاحات التي تم تحديدها في الدراسة كثيرة. فمثلا غانا التي لديها مثال جيد جدا في الاستثمار في الزراعة والتنمية الريفية، رفعت حجم إنتاجها الغذائي بنسبة 40 في المائة في الفترة السابقة، مما أدى إلى خفض معدلات الجوع بنسبة 10 في المائة في سنتين. هناك أيضا تجارب ناجحة في مجال الطاقة وتخفيض نسبة الكربون في دول مثل السنغال. هناك الكثير من الأمثلة الجيدة عبر برامج طبعا يمكن تطبيقها في دول أخرى.

* خلال الفترة المقبلة، ما هي أولويات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟

- سنواصل العمل مع الدول العربية وحثها على تحقيق أهداف الألفية ومساعدتها في موضوع نقل الخبرة في الدول الناجحة إلى هذه الدول. كما أننا نحث المجتمع الدولي على تقديم المزيد من الموارد للتعاطي مع هذا الموضوع. وجزء من عملنا هو مساعدة الدول على وضع الاستراتيجية والتأكد من وجود إجماع دولي على هذه الأهداف. والعمل جار منذ سنوات ولكن سيتم تركيز العمل خلال السنوات الخمس المقبلة.

* وبعد أن يغادر القادة من نيويورك وتزال الأضواء عن قضية أهداف الألفية الأسبوع المقبل، هل يمكن الاقتناع بتحقيق أهداف الألفية مثل خفض نسبة الفقر المدقع إلى 50 في المائة وتحقيق المساواة؟

- إذا كانت العملية تؤخذ من قبل الدول كترف وعملية تنظير، بالطبع لن تكون هناك أهداف ألفية. ولكن نحن نعتقد أن الأهداف هي أهداف سامية لأنها تتعلق بحياة الناس ورفاهيتهم وصحتهم وتعليمهم، ولذا يجب أن تكون الأهداف برنامج حياة للحكومات والدول هذه. إذا كانت هناك جدية في جعل هذه الأهداف برنامجا جديا يمكن أن يكون هناك نجاح.

* هل تشعر أن هناك وعيا كافيا بين الشعوب العربية حول الأهداف؟

- أعتقد أن هناك ثغرة بالنسبة للوعي بين الشعوب، لم يتم القيام بعمل كاف في معظم الدول العربية في التوعية. وهذا موضوع مهم جدا ومهم أكثر للمواطن من الحكومة. يجب أن تكون هناك عملية توعية أكثر، وحشد الرأي العام حول أهداف التنمية، وهذا عمل يمكن أن تقوم به منظمات المجتمع الدولي حتى تكون هناك عملية ضغط من الشعوب تجاه مطالبة الحكومة بتوفيرها. الأهداف ليست حقوقا، رغم أن البعض فكر في جعلها حقوقا للتأكد من الحصول عليها. ولكن هذه أهداف متفق عليها، وكل الزعماء موافقون عليها، وبالتالي حشد التأييد لها على المستوى الوطني مهم جدا.