باريس قلقة من التوتر ولكن غير متخوفة من انفلات الوضع الأمني في لبنان

مصادر فرنسية رسمية: ليس لحزب الله مصلحة في 7 مايو جديد

TT

تتابع باريس عن كثب تطورات الوضع اللبناني الداخلي وارتباطاته الإقليمية من زاوية معاودة المفاوضات المباشرة الفلسطينية - الإسرائيلية ومن باب رغبتها في لعب دور ما في الحركة الدبلوماسية الراهنة الأمر الذي عكسته زيارة المبعوث الرئاسي السفير جان كلود كوسران الأخيرة إلى إسرائيل وسورية وجولة المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل إلى دمشق وبيروت بعد جولة المفاوضات الثانية والثالثة في شرم الشيخ ثم في القدس المحتلة.

وتنظر باريس بقلق إلى تدهور المناخ السياسي في لبنان على خلفية الصراع على مصير المحكمة الدولية. غير أن مصادر فرنسية رسمية رفيعة المستوى قالت لـ«الشرق الأوسط» إن فرنسا تعتبر أن «المظلة العربية السعودية - السورية ما زالت قائمة» مضيفة أنه على الرغم من «حساسية» الموقف فإنها «لا تتوقع» انفلات الوضع وتدهور الحالة الأمنية. وبكلام أوضح، فإنها لا تعتبر أن لبنان مقبل على «7 مايو (أيار) جديد» أو أن لحزب الله «الرغبة والمصلحة سياسيا» في إعادة الكرة.

وتحولت باريس في الأيام الأخيرة إلى «محطة» للباحثين عن «مدخل» للتأثير على قرار المحكمة الدولية. وفهم من حديث المصادر الفرنسية أن ثمة «أكثر من جهة» اتصلت بباريس تدعوها للتدخل بشكل أو بآخر لدى مدعي عام المحكمة الدولية ورئيس لجنة التحقيق الكندي دانيال بلمار لدعوته إما إلى تأخير قراره الظني بشأن المسؤولين عن التخطيط لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في فبراير (شباط) عام 2005 أو حتى لتناسيه أو تعديله. وآخر من جاء إلى باريس كان النائب اللبناني وليد جنبلاط الذي «لم يطلب» من باريس التأثير على بلمار بل «عرض وجهة نظره» عن النتائج المرجحة لصدور قرار ظني يتهم عناصر من حزب الله باغتيال الحريري. ونبه جنبلاط، وفق المصادر المشار إليها، في لقائه مع وزير الخارجية برنار كوشنير من «تفجر» الوضع الأمني والسياسي لقرار كهذا.

وأبلغت فرنسا من فاتحها بهذا الموضوع أن «من يسعى للتأثير مباشرة على بلمار واهم» وأن الذين يعتبرون أن لباريس القدرة في التأثير على القرار الظني «لم يستوعب» حقيقة المحكمة الخاصة بلبنان ولا أصول عملها. وبأي حال، تؤكد فرنسا أنها ما زالت «تدعم» المحكمة سياسيا ودبلوماسيا وماليا لقناعتها بأن «التجربة اللبنانية ستؤثر على مسار العدالة الدولية في المستقبل».

ولا تجد باريس بين يديها الكثير من الأوراق للتأثير على الوضع اللبناني. فهي من جهة لا تريد أن تتهم بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية وهي من جهة أخرى «تتألم» للدرب الذي تسلكه التطورات السياسية اللبنانية. وتقوم باريس، من جهتها، بكثير من الاتصالات مع الأطراف اللبنانية ومع الأطراف الإقليمية كالسعودية وسورية. ولدمشق «موقع» خاص إذ أخذت تربطها بباريس علاقات متجددة قوية. وتعول باريس على «دور» سوري للجم الأحداث في لبنان. وغدا، يصل إلى باريس نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري مدعوا من نظيرته كريسين لاغارد. وأعد للدردري برنامج حافل حيث سيلتقي لاغارد ومسؤولين في الخارجية وأرباب عمل ومسؤولين اقتصاديين وماليين فرنسيين وآخرين.

وجرت في الأيام الأخيرة اجتماعات «تقويمية» للوضع في لبنان على مستوى المستشارين في الإليزيه ورئاسة الحكومة والخارجية وبالتواصل مع السفراء في العواصم المعنية لتصور كل السيناريوهات علما أن باريس معنية أكثر من غيرها ليس فقط بسبب الدور الذي لعبته أيام الرئيس شيراك في الدفع لإيجاد المحكمة الخاصة بل أيضا بسبب مشاركة فرنسا الكبيرة في قوة الأمم المتحدة «اليونيفيل» في جنوب لبنان وانعكاس ما يجري في الداخل على تحركاتها ومهماتها وأمن وحداتها.

وبعد الأخبار التي تحدثت مؤخرا عن تأكيد سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة جيرار أرو أن القرار الظني لمدعي عام المحكمة سيصدر قبل عيد الميلاد وسيستهدف 8 من أعضاء حزب الله، قالت مصادر فرنسية إن أرو نفى نفيا قاطعا ما نسب إليه من كلام وأن بلمار «لم ينقل له معلومات كهذه».

وتقيم باريس حاليا جولة كوسران. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن مسعى باريس «لم يلاق رفضا» لا من قبل إسرائيل ولا من قبل سورية وأن مهمته ما زالت في مرحلة «استكشافية» سيستكملها بزيارة تركيا.

ووجهت المصادر الفرنسية «رسالة» إلى دمشق من خلال تأكيدها أنها «لا ترغب في أن تحل محل تركيا بل العمل إلى جانبها» من أجل إقناع الطرفين بالعودة إلى المفاوضات. وتعتقد باريس أن بإمكانها أن تلعب دورا ما على هذا الصعيد. والمهم أيضا أن هذه الرغبة لا تلقى «معارضة» أميركية.

أما بشأن الملف الفلسطيني، فقد علم في باريس من مصادر مطلعة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيصل إلى العاصمة الفرنسية الأحد المقبل وهو في طريق عودته من الأمم المتحدة في نيويورك لإجراء محادثات مع الرئيس ساركوزي ورئيس الحكومة فرنسوا فيون يوم الاثنين.

وحتى اليوم، لم «تهضم» باريس استبعادها واستبعاد الاتحاد الأوروبي عن أي دور في استئناف المفاوضات المباشرة الفلسطينية - الإسرائيلية بوساطة أميركية. وتأخذ باريس على السلطة الفلسطينية «عدم تمسكها» بالدور الفرنسي - الأوروبي. وبسبب هذا الوضع، فقد جمدت باريس مساعيها للدعوة إلى مؤتمر باريس 2 للمانحين للدولة الفلسطينية بانتظار «العثور على صيغة» وفق ما قاله مصدر رئاسي لـ«الشرق الأوسط» تربط بين الجهد المالي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي وبين رغبته في «دور سياسي».

ويأتي أبو مازن إلى باريس يوم انتهاء فترة تجميد إسرائيل للاستيطان «الجزئي» في الضفة الغربية. وتطالب باريس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتمديد فترة التجميد. واستخدم الرئيس الفرنسي خلال استقباله الرئيس مبارك حجة قوية إذ اعتبر أنه «سيكون من غير المفهوم» أن تقبل إسرائيل بتجميد المستوطنات بغياب المفاوضات المباشرة وأن تعاود الاستيطان فيما هذه المفاوضات قائمة.

ومن ناحية أخرى، سيناقش ساركوزي مع أبو مازن رغبته في تنظيم لقاء قمة للسلام في الشرق الأوسط على هامش قمة الاتحاد من أجل المتوسط المنتظرة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. لكن الاتصالات الفرنسية ما زالت في بداياتها ونتائجها، بأي حال، مرهونة بما ستسفر عنه المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين.