محنة مهاجري قطف ثمار التوت في السويد

تبدأ بوعود مبالغ فيها من وسطاء يتربحون على أظهرهم وتنتهي بالمحصول الضئيل

TT

هذه أرض أشجار الصنوبر الطويلة والبحيرات الواسعة. كما أنها تشتهر بالتوت البري مثل العنبية والكشمش والتوت والفراولة، وغير ذلك. المشكلة أن السويديين لا يريدون جمع هذه الثمار، فيما عدا عدد قليل للغاية يجمعونها لتناولها كنوع من الحلوى.

ولذا، بدأت شركات كبرى في السويد، وهي من بين أكبر معالجي التوت في العالم، منذ عشرات الأعوام في جلب عمال للقيام بهذا العمل المتعب الذي يتضمن مسح غابات ينتشر فيها الحصى وتسلق الجبال بهدف العثور على التوت لقطف ثماره. وبدا أن عملية جلب مهاجرين - صينيين وتايوانيين وفيتناميين وبنغلاديشيين - خلال موسم التوت في الصيف تؤثي ثمارها، حتى أعوام قريبة. وعندما أدت موجة برد خلال ربيع العام الحالي إلى تلف محصول التوت، كان هذا ثاني موسم على التوالي يعاني من ضعف المحصول، وأثّر ذلك على هذا القطاع وعلى العمال المشتغلين في جمع ثمار التوت.

وبعد كارثة العام الماضي، التي أرسلت الكثير ممن يعملون في مجال قطف الثمار، إلى بلادهم وعليهم ديون بدلا من أن يربحوا أموالا، طلبت السلطات السويدية من شركات التوت ضمان حد أدنى للأجور قُدّر بـ 2320 دولارا خلال الموسم. وللتحايل على القانون، قامت شركات الفاكهة في السويد باستعمال جامعي الثمار الآسيويين من خلال شركات في بلادهم. ولا يحكم هذه الشركات غير السويدية القانون السويدي، ورفضت أن تدفع للعمال الحد الأدنى من الأجور بعدما قل المحصول.

وبالنسبة إلى السويد، التي تفتخر بتشريعات لصالح العمال، أصبح جامعو التوت مصدر حرج، لا سيما 190 من جامعي الثمار البنغلاديشيين الذين وصلوا إلى مدينة براك المتواضعة في وقت سابق من العام الحالي.

وقامت شركة تدعى «بنغلاديش ورك فورس» بتوظيفهم داخل بلدهم بوعد الحصول على ثروة صغيرة - وتتفاوت المبالغ بحسب مَن يقدم هذا التعهد - إذا ذهبوا إلى السويد لجمع ثمار التوت خلال فصل الصيف. وأعطى الكثير من البنغلاديشيين ما يصل إلى 150 ألف تاكا (نحو 2100 دولار) إلى وسطاء داخل الشركة - علما بأن الوظائف التي تدر رواتب جيدة داخل بنغلاديش مثل العمل في قطاع الملابس يحصل من خلالها العامل على 42 دولارا في الشهر - بحسب ما قاله محمود الرحمن (31 عاما)، وهو طالب يدرس التكنولوجيا الحيوية في جامعة «أوبسالا» وكان شقيقه وقريب له بين عمال وصلوا في فصل الربيع الماضي.

ويقول محمود إنه قيل للعمال إنه يمكنهم الحصول على نحو 10 آلاف دولار خلال شهرين، وإن الكسالى منهم سيحصلون على أكثر من 5000 دولار. وقيل لهم إنه من أجل الحصول على المبلغ بالكامل، سيكون عليهم جمع 60 كيلوغراما من التوت يوميا. وعلى ضوء المحصول الضعيف، كان معظمهم يجمع 5 كيلوغرامات، فيما كان البعض يجمع رطلا واحدا أو نحو ذلك، وكان ذلك يعني أنهم لن يحصلوا على أي أجر، أو سيحصلون على أجر هزيل. واقترض البعض أموالا، فيما باع آخرون ممتلكات لهم، قبل القدوم إلى السويد، بحسب ما قال محمود.

ترك إقبال اختار (43) زوجة وثلاثة أطفال، وقيل له إنه ربما يعمل طباخا بدلا من أن يجمع التوت، وسيجهز الوجبات لنحو 35 رجلا. وكان سيحصل على متوسط ما يحصل عليه جامعو التوت، وفي الواقع كان ذلك يعني لا شيء. ويقول: «بصورة إجمالية، كان ذلك سلبيا جدا». ولشغل أيامهم، بحث الرجال عن وظائف غريبة داخل المدينة، فعملوا في مجال الدهان وتهذيب الأشجار وداخل المزارع، على الرغم من أنه لا تتاح فرص كثيرة في هذه المجالات. ومع انقضاء فصل الصيف، عاد معظم العمال إلى بلادهم، بعد أن ساعدتهم مجموعات كنسية محلية والصليب الأحمر السويدي. ولكن الكثيرين بقوا ليعيشوا داخل أربعة منازل لا يوجد بها أثاث، وينامون فيها على الأرض.

ومن جانبه، ترك عريف الرحمن (32 عاما) زوجة وابنا في بنغلاديش بحثا عن المال. وفي أحد الأيام القريبة، جلس يشرب الكوكاكولا مع ثلاثة أصدقاء خلف محطة القطار داخل المدينة. وقال: «لا توت، ولا أموال». تعد «نورديك فود غروب» من بين أكبر معالجي التوت في اسكندنافيا. ويقول بيرتيل أوفيست، وهو مسؤول تنفيذي هناك، إن اشتراط دفع الشركات حدا أدنى من الأجور إلى جامعي التوت دفعها إلى الاعتماد على وسطاء في آسيا. ويضيف: «يُدعى الناس للقدوم إلى هنا على أساس كاذب، فهم يحسبون أنهم ذاهبون إلى قطف توت مزروع، ولم يعتد الناس على هذا العمل». وأضاف أنه في الأعوام الجيدة كان من الممكن أن يعود جامعو التوت إلى بلادهم ومعهم ثروات صغيرة. وأشار إلى أنه في «بعض الأعوام يكون المحصول سيئا، وقد كان هذا العام سيئا».

ويتفق سكان محليون على أن هذا العام كان سيئا، لكنهم يقولون إن العمال لم يتم التنبيه عليهم بالصورة المناسبة. ويقول لارس ريبرث، راعي كنسية المدينة التي جمّعت ما يساوي 9000 دولار لمساعدة الرجال: «قيل لهم إنه مثل ذهب داخل غابة، وإنهم سيجنون الأموال سريعا». وأضاف: «في الواقع، هذا نوع من الاستعباد»، مشيرا إلى أنه من غير المقبول وضع المخاطر على عاتق جامعي الثمار.

وقال محمود، الطالب في أوبسالا: «جنى البعض الكثير من المال، ولكنهم ليسوا العمال». وأشار عمدة المدينة سفين أك دركستن (57 عاما) إلى أن الشركات المحلية التي تحصل على أموال من العمال مقابل السكن والطعام والمواصلات تزدهر، ولكن «جامعي التوت هم الخاسرون طوال الوقت». وقال: «يجب على الحكومة تطبيق لوائح جديدة، فنحن لا نريد أن يتكرر هذا الوضع العام المقبل».

جاءت ثونغكام بيرسون (57 عاما) إلى السويد من تايلاند قبل 30 عاما، مع زوجها السويدي. وعلى الرغم من أنها تدير حاليا مطعما تايلانديا في المدينة، فقد عملت خلال خمسة مواسم على جمع ثمار التوت عندما كانت في سن أصغر. وتقول: «هذه عملية متعبة، حيث تنمو ثمار التوت على الجبال، ولذا يكون عليك أن تتسلقها». وتضيف: «يملك السويديون المال، ولذا يجمع التايلانديون والصينيون والفيتناميون ثمار التوت، فيما يذهب السويديون للتنزه في الغابات».

* خدمة «نيويورك تايمز»