جيش من الأرامل في العراق بانتظار التعويضات.. ومسؤول محلي يشكو: الخزينة خاوية

تعدد لجان تعويض المتضررين يجيز لأشخاص التجارة بالموت والخراب

TT

في قرية تقع عند أطراف بغداد ينشط أحد الأشخاص بالعمل على إعادة بناء الدور التي تعرضت للهدم أو الضرر بفعل العمليات العسكرية التي شهدتها تلك المناطق التي كانت وما زالت تسمى المناطق الساخنة خلال الأعوام الماضية، وحسب المعلومات التي جمعتها «الشرق الأوسط»، فإن هذا الشخص له علاقات وعمل مستمر مع مجالس البلدية ولجان التعويضات الأميركية والعراقية التي تتكفل بإعادة بناء تلك الدور، ولكن المفارقة أن هذا الشخص يحصل من كل متضرر على مبلغ 10 ملايين دينار عراقي (نحو 9 آلاف دولار) لاستكمال معاملته المفترض أن تستكمل مجانا. بل إن هذا الشخص تعهد أيضا ببناء دور لأشخاص لم تتضرر دورهم على حساب تلك اللجان. أحد المتضررين وصف نشاط هذا الشخص بأنه «تجارة الموت والخراب».

وخلفت العمليات الإرهابية والأحداث الدامية التي شهدها العراق خلال الأعوام السبعة الماضية ملايين المهجرين وعشرات الآلاف من الضحايا وجيشا من المعاقين والأرامل والأيتام، ناهيك عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات ما بين دور وسيارات ومحال تجارية وبساتين وأبنية مختلفة. لكن الجهات المعنية بالتعويض متعددة، وبحسب التخصصات، فهناك لجان تعويض في مجلس الوزراء وغالبا ما تتخصص هذه اللجان في العمليات الإرهابية الكبيرة التي تتعرض لها بعض المدن، فيما يحاول بعض المسؤولين من نواب رئيس الوزراء ونواب رئيس الجمهورية ورئيس الجمهورية أيضا المشاركة في التعويضات التي تستحقها بعض الفئات التي تعرضت للضرر جراء تلك العمليات، أما الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن التعويضات فهي وزارة الهجرة والمهجرين والمهاجرين التي تعنى بشرائح النازحين داخليا والمهجرين للخارج، وهي تقوم وبحسب ما يتوفر لديها من تخصيصات مالية بتعويض هذه الشرائح ماديا ومعنويا وأيضا تعويض ممتلكاتهم، وهناك وزارة حقوق الإنسان التي كلفت من قبل الحكومة بتعويض مناطق منكوبة في الموصل وبغداد وغيرها، وهناك جهة أخرى ممثلة في القوات الأميركية أعلنت استعدادها لتلقي طلبات التعويض من العراقيين عن كل عمل أدى إلى فقدان حياة أحدهم على يد وحداتها أو تضررت ممتلكاته، لكنها وبحسب مصدر مسؤول شاركت في التعويضات في بداية دخولها للعراق. أما الثقل الأكبر فقد وقع على الحكومات المحلية لكنها عاجزة تماما عن إيجاد حل مناسب لهذا الملف الذي وصفه عضو مجلس محافظة بغداد، محمد الربيعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بالملف «العملاق»، قائلا إنه «رغم وجود قانون تعويض المتضررين ووجود الطلبات المكتملة للأوجه القانونية فإن الميزانية خاوية».

وأضاف الربيعي «قمنا بتشكيل لجنة قامت بمخاطبة وزارة المالية لأجل تخصيص مبالغ تعويضات، كونها أصلا لجنة أوجدت لدفع أموال للمتضررين عن النفس والإعاقة والبيت والسيارة والمزرعة، وفعلا بدأ المواطنون بتقديم معاملات التعويض التي أجدها مطولة لكنها مهمة، حيث تبدأ من رفع دعوى في مركز الشرطة ثم تمر على المحكمة ودوائر الدفاع المدني والصحة لجلب وثائق تثبت حدوث الفعل المستحق للتعويض وتجلب مستندات كثيرة أخرى بما فيها شهادات الشهود ويضعها أمام المجلس البلدي في المنطقة التي وقع فيها الحادث ثم ترفع إلى مجلس المحافظة للجنة المختصة التي بقيت بانتظار الأموال». وبين الربيعي أنه «في الدورة السابقة لمجالس المحافظات عوض الناس عبر مخصصات تنمية الأقاليم الاستثمارية، فكانت هناك مبالغ ضخمة خصصت لمشاريع لم يتمكنوا من تنفيذها بسبب الوضع الأمني، ولكي لا تعود لخزينة الدولة تم صرفها على التعويضات، والسبب هو أن القانون صدر من دون وضع تخصيصات»، لكنه عاد وبين أن وزارة المالية «أعطتنا مؤخرا مبالغ تكفي لتعويض 2500 مواطن بين شهداء ومصابين حصرا وتبلغ قيمة التعويض 3 ملايين و750 ألف دينار (نحو 3000 دولار)».

وبالنسبة لتعويض الممتلكات بمختلف أنواعها، أكد الربيعي «أنها المشكلة التي لا نعرف كيفية إيجاد حل لها، ولم نعد قادرين على إقناع المتضررين على الصبر، وأنا كرئيس لجنة إدارية في مجلس محافظة بغداد أجد أن التقصير هو من قبلنا كإدارة محلية للعاصمة، وما أثر علينا هو حكومة تصريف الأعمال والتخصيصات المالية غير الكافية ومشكلات كثيرة أخرى». وبشأن تعويض المتضررين نفسيا، قال الربيعي «هناك طلبات تعويض نفسية وأيضا جرائم اغتصاب وغيرها، لكن السؤال هو: هل يمكن الانتباه لها الآن؟ إنه ملف عملاق ويحتاج لسنوات طويلة وأموال لا يمكن تخيلها».

بدوره بين مصدر في وزارة حقوق الإنسان، رفض الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن وزارته غير معنية بتعويض المتضررين من الأعمال الإرهابية وأي فئة أخرى «كونها وزارة تعنى بحالات محددة مهمتها فقط توثيق أو تحديد وجود حالة انتهاك تستحق التعويض ونحوّلها للجهة المعنية، لكن الوزارة دخلت في لجان تعويض بين الحين والآخر كما حدث مؤخرا في مناطق الموصل».

وبالنسبة لوزارة المهجرين، قال المتحدث باسمها، حيدر الموسوي، إنها معنية بفئة النازحين والمهاجرين ممن تعرضوا لضرر خلال فترة النزوح والأحداث الدامية التي جرت في العراق عام 2006 وما بعدها «وقمنا بتقديم دعم لترميم البيوت، وأيضا قدمنا مبالغ عن ضرر ممتلكات وحتى مواد بناء، كما أن الوزارة عضو في اللجنة العليا لتطبيق قانون التعويض مع مجالس المحافظات، لكن الأخيرة هي المعنية بالتنفيذ، أي المخولة بتقديم التعويضات المالية».