حل وسط فلبيني بين الوفود العربية وإسرائيل في وكالة الطاقة الذرية

المندوب الأردني لـ«الشرق الأوسط»: لا نطلب الصدام من أجل الصدام

TT

تشهد اجتماعات المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في دورته الـ54 المنعقدة بمقر الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا، محاولات شد وجذب دبلوماسية قوية، وذلك بسبب إصرار المجموعة العربية على الإبقاء على مشروع قرارها الذي قدمته رسميا وينص على إلزام مدير الوكالة بتقديم تقرير مفصل عن القدرات النووية الإسرائيلية للدورة القادمة لمجلس الأمناء والمؤتمر العام، مع إضافة بند ضمن بنود مجلس الأمناء بذات العنوان.

مشروع القرار العربي هذا يواجه معارضة غربية تقودها الولايات المتحدة بدعوى أنه ينتقي إسرائيل مما يقلل من فرص إمكانات تحقيق سلام في منطقة الشرق الأوسط، ومما يعيق من اشتراك إسرائيل في المؤتمر الذي تم الإجماع على عقده في عام 2012 للبحث في أن تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي.

في سياق موازٍ تدور مشاورات قوية تسعى بدورها لإقناع المجموعتين العربية والغربية بقبول اقتراح فلبيني ينص على أن يؤجل العرب مشروع قرارهم حتى العام القادم، على أن يقدم مدير عام الوكالة تقريرا لمجلس الأمناء والمؤتمر العام.

من جانبه بادر المندوب الأردني لدى وكالة الطاقة الذرية، السفير أكرم القيسي، بالتأكيد في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن المجموعة العربية اتفقت على قبول المقترح الفلبيني الذي يدعو إلى تعليق مشروع القرار العربي لهذا العام على أن يظل بندا حيّا على جدول أعمال المؤتمر العام للوكالة للأعوام القادمة، وذلك بشرط أن يحظى هذا الاقتراح بإجماع الدول العربية والدول الغربية، مع التأكيد على الموافقة على ما ورد في القرار رقم 17 الذي تبناه المؤتمر العام في دورته السابقة، بشرط ثانٍ، أن لا تطرأ أي تعديلات على القرار وأن يتم التوافق عليه بالإجماع قبل أن يطرح كبند على جدول أعمال المؤتمر العام في دورته المنعقدة حاليا.

ويمضي السفير القيسي شارحا أنه وفي حالة موافقة الجميع فلا بد أن يتم تبنيه خلال الدورة الحالية للأسباب الآتية:

1- إبداء مرونة من الجانب العربي والاستماع لآراء بناءة لتجنب الصدام.

2- التأكيد على أن العرب مستعدون لتقبل آراء موضوعية وبناءة لتجنب الصدام مع المجموعات الأخرى داخل المؤتمر العام، وإعطاء فرصة للحوار وإنجاح مساعي المجتمع الدولي والتحضير لمؤتمر 2012.

وردا على استفسار من «الشرق الأوسط» عما يمنع المجموعة العربية من الصدام من أجل قضية مصيرية، قال السفير الأردني: «لا نطلب الصدام من أجل الصدام، وإذا اضطررنا إلى الصدام والمواجهة فنحن لها، لكن إذا ظهرت بوادر تؤكد على الحق العربي الذي أجيز العام الماضي بنسبة تصويت ضئيلة مقابل اتفاق على إجماع بنسبة كبيرة فلماذا لا نقبل بهذا الإجماع ونعتبره إنجازا في حد ذاته؟».

وأكد السفير الأردني أن قبول المقترح الفلبيني وافق عليه، ليس الأردن وحده، بل مصر والجزائر والمغرب، بل هو قرار عربي صادر من الجامعة العربية، وقد تم إخطار رئيس المجموعة العربية بالوكالة، سفير السودان، بإخطار سفيرة الفلبين بهذه المعلومة.

في سياق آخر أشار المندوب الفلسطيني لدى الوكالة، السفير زهير الوزير، إلى أنهم كمجموعة عربية يصرون على مشروع قرارهم، وأنهم لن يسحبوه، متمنيا أن يحظى مشروع القرار العربي بتأييد كل المجموعات، ومُقرا في ذات الوقت بوجود صعوبات وأن الأمر ليس بالهين ويحتاج إلى مزيد من الجهد والتواصل مع سفراء الدول كافة لتحصيل أكبر عدد من الأصوات، موضحا أن المجموعة العربية ظلت وعلى مدى عام كامل تعمل من أجل هذا القرار الذي يتمنى أن يتكلل بالنجاح.

وردا على سؤال من «الشرق الأوسط» كيف يتوقع أن ينجح القرار وهناك دول من داخل المجموعة لها رؤية مختلفة، قال: نتمسك بمشروعنا العربي مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مشروعا تقدمه الفلبين لا بد أن تقبله الدول الغربية (الأوروبيون والأميركان)، وهذا ما لا أتصوره. وبالنسبة إلي كسفير فلسطين لا أعتقد أن هناك فرصا لنجاح المشروع الفلبيني، ومن هنا أرى أن نتمسك بمشروعنا».

ويمضي السفير قائلا إنهم كمجموعة عربية متماسكون وليس بينهم اختلافات، «وقد نُحسد على ذلك»، وردا على السؤال عن الأسباب التي تجعله يعتقد باستحالة أن يحظى المشروع الفلبيني بالقبول الغربي، يقول السفير الفلسطيني: «لكونه يشير إلى إسرائيل، والغربيون يرفضون مجرد الإشارة إلى إسرائيل، وعلى مدى 20 عاما تأجل المشروع العربي بدعوى وجود عملية سلام. والسؤال المطروح: أين هي عملية السلام هذه؟ وإلى أين وصلت؟ لكل هذا أرى ضرورة أن نتقدم بالمشروع العربي، وآمل أن ننجح».

من جانبها امتنعت المندوبة الفلبينية لدى الوكالة، السفيرة لوردس إيباراغويرا، عن الإجابة على أي أسئلة من طرف «الشرق الأوسط»، مفضلة التمسك بـ«لا تعليق»، وبعد تكرار المحاولة دار معها حوار قصير أكدت من خلاله أن الموقف لا يزال «مائعا».

وردا على سؤال إن كان مشروعهم هو محاولة أميركية تتوارى خلف الفلبين، كانت إجابتها في بادئ الأمر بأنها لا تدري، ثم استدركت مؤكدة أنه محاولة فلبينية لا يزال التشاور جاريا حولها. مبدية عدم يقينها إن كان مشروع قرارهم سيوضع على طاولة المؤتمر العام، مكتفية بالتأكيد أن الجميع يتشاورون.

من جانب آخر رفضت السفيرة الفلبينية الرد على سؤال عن أي الأطراف أكثر معارضة للمقترح الفلبيني، مفضلة القول في دبلوماسية هادئة إن الجميع يتعاونون لكون الأمر بالغ الأهمية ويحظى باهتمام الجميع.

من جانبه أقر المندوب الأميركي لدى الوكالة، السفير غلين ديفيز (الذي تعتبره كل الدوائر «المايسترو» الذي ينظم ويقود المعارضة ضد المشروع العربي، إذ ظل ومنذ اللحظة الأولى يدعو السفراء العرب لعدم تقديمه)، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس، بأن الأمر ليس واضحا. مؤكدا أن المجموعة العربية قدمت مشروع قرارها، ولو لم تسحبه رسميا فليس بإمكانها قبول المشروع الفلبيني. مبينا أن المشروعين متعارضان ومختلفان، فبينما يطلب مشروع القرار العربي أن يرفع المدير العام تقريرا عن القدرات النووية الإسرائيلية وإضافة بند بهذا المعني لأجندة اجتماعات مجلس المحافظين في دورته القادمة، فإن المشروع الفلبيني يدعو للتأجيل.

وردا على سؤال عما سيجعل العرب يسحبون مشروعهم دون تأكيدات غربية أن يعود مرة أخرى، قال: «يسحبونه مع (الفهم) أن يكون بالأجندة العام القادم، وأن يحكموا العام القادم بعد أن يقيموا مدى النجاح الذي تحقق لإنجاح مؤتمر 2012 الذي تم الاتفاق على عقده بالقاهرة لبحث إمكانات أن تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي».

ويسترسل السفير ديفيز موضحا أن عملية السلام قد بدأت، ومن الضروري أن تتجنب فيينا إرسال رسالة سلبية. مؤكدا أن اعتماد مشروع القرار العربي سيسمم الأجواء المتاحة لتحقيق السلام، مضيفا أن على المجتمعين بفيينا أن يساعدوا في تحقيق عملية السلام وأن لا يعيقوها. مبينا أنه ولهذه الأسباب طلب من المجموعة العربية أن يعطوا السلام والدبلوماسية فرصا...

وقال إنه عندما يطلب أن يمنح العرب فرصة للسلام يقصد محادثات السلام، وبالدبلوماسية يقصد مؤتمر 2012.

في سياق آخر ينفي السفير ديفيز أن تكون فيينا، أي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هي المحفل المناسب لبحث القدرات النووية الإسرائيلية، كما أن التوقيت ليس مناسبا.

وردا على إشارة من «الشرق الأوسط» إن كان مغتبطا بأنه قد أدى مهمته بإفشال مشروع القرار العربي، أكد ضاحكا أنهم جميعا يتعاملون كأصدقاء، وأن كل ما دار من نقاش دار في روح تعاون، نافيا أن يكون هناك فائز وخاسر، إذ إن المهم في رأيه هو أن يسعى الجميع للمضي قدما لتحقيق السلام، ولهذا فإنهم يسعون للإبقاء على روح الإجماع الذي تحقق خلال المؤتمر الذي انعقد في مايو (أيار) الماضي بنيويورك، «مؤتمر مراجعة اتفاقية حظر الانتشار النووي»، مستنكرا أن يخرب المجتمعون بفيينا ذاك الإجماع.

بالمقابل أكد المندوب الأميركي لدى الوكالة على الحقيقة الجديدة بأن إسرائيل وفي كل الأحوال، «سواء نجح مشروع القرار العربي أو فشل»، أضحت تحت ضغط دولي يطالبها بالتوقيع. مضيفا: «نعم... لكن الأهم أن نترك مساحة للأطراف كافة لإنجاح عملية السلام، لا سيما أن الدبلوماسية تتطلب أن لا نشعلها حربا بيننا في فيينا».

من جانب آخر امتنع السفير ديفيز أن يعلق على الحرب الكلامية والاتهامات التي ابتدرتها إسرائيل ضد مصر. وكان رئيس الوفد الإسرائيلي في بيانه الذي ألقاه أمام المؤتمرين أول من أمس قد اتهم مصر بازدواجية المعايير وأنها لا تلتزم بالاتفاقات التي تطالب الآخرين باحترامها، وأن اهتمامات مصر تحولت من تحقيق منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي إلى التركيز على شن حملة سياسية ضد إسرائيل، مما يعرقل من إمكانية تحقيق ذاك الهدف.

وفي رد مصري قوي نفت مصر أمس أن تكون هي القوة التي عزلت إسرائيل، موضحة أن السياسات الإسرائيلية هي التي أدت إلى عزل إسرائيل، لا سيما حقيقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط التي اختارت وتصر على أن لا توقع على اتفاقية حظر الانتشار النووي. ونفى البيان المصري الذي حرصت مصر على أن تتلوه بالإنجليزية حتى يستوعبه أكبر عدد من المؤتمرين مباشرة دون حاجة إلى ترجمة، تهمة ازدواجية المعايير التي ألصقتها بها إسرائيل، وذلك بدعوى أن مصر تطالب بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية في حين تتقاعس عن ذلك في مناطق أخرى كأفريقيا، مشيرة إلى أن الاتفاقية الخاصة بالنووي في أفريقيا رعتها مصر مستضيفة عام 1996 التوقيع على اتفاقية «pelindaba» بالقاهرة، واصفة الهجوم الإسرائيلي بمجمله بالهراء كما تعني الكلمة العبرية «شوتزباه» (chutzpah).