مقتل مقدسي برصاص مستوطن في القدس يفجر مواجهات هي الأعنف منذ الانتفاضة

ظاهرة الملثمين تعود إلى المدينة المقدسة.. والمشيعون يهتفون «خيبر خيبر يا يهود»

TT

تحولت بلدة سلوان في القدس المحتلة أمس إلى ساحة حرب بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، في مشهد أعاد إلى الأذهان صور الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية الثمانينات. ففي كل متر مربع في البلدة كان الفلسطينيون يشتبكون مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، بعدما قتل مستوطن مسلح بالرصاص فلسطينيا من البلدة.

واتسعت رقعة المواجهات بعد تشييع شاب فلسطيني قتل على يد مستوطن في سلوان، لتمتد إلى مناطق أخرى في القدس، وأحرق الشبان الغاضبون سيارات إسرائيلية قرب مقبرة باب الرحمة حيث انتهت الجنازة، وطعنوا يهوديا في الخمسينات من العمر قرب مستشفى المطلع وأصابوه بجروح متوسطة، وقلبوا سيارة إسرائيلية تعرضت للحجارة في جبل الزيتون.

واشتبك المتظاهرون بالحجارة والزجاجات مع الشرطة الإسرائيلية في البلدة القديمة وحي وادي الجوز وفي ساحات المسجد الأقصى التي اقتحمتها الشرطة بعد أن هاجم الفلسطينيون «حائط المبكى» بالحجارة. واستخدمت الشرطة الإسرائيلية الرصاص والغاز المسيل للدموع في الرد على المتظاهرين الفلسطينيين، وتحدثت مصادر فلسطينية عن إصابات في صفوف الشبان الفلسطينيين.

وقال جواد صيام، مدير مركز معلومات وادي حلوة عضو لجنة الدفاع عن سلوان، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المواجهات اندلعت بعدما أقدم مستوطن على مطاردة الشهيد سامر سرحان، 28 عاما، لمسافة 200 متر وأفرغ (مشط رصاص) كاملا في جسده وأصاب اثنين من رفاقه». وأردف «لقد أعدمه إعداما». ووصفت الصحافية ميسة أبو غزاله لـ«الشرق الأوسط» المواجهات بأنها أشبه بانتفاضة ثالثة. وقالت إن الشبان الغاضبين هاجموا لعدة ساعات بؤرا استيطانية في سلوان وأحرقوا سيارة للشرطة وحطموا سيارات للمستوطنين وحافلتين تابعتين لشركة «إيجد» الإسرائيلية، وأصابوا شرطيا وسائقا.

وشوهد ملثمون فلسطينيون يشنون هذه الهجمات بالحجارة والزجاجات الحارقة، وهي ظاهرة اختفت منذ انتهاء الانتفاضة الأولى، وكان يلجأ إليها الفلسطينيون لإخفاء هوياتهم عن الجيش الإسرائيلي، لكنها عادت بالأمس. واستمرت المواجهات مع المستوطنين والجيش حتى أثناء تشييع جنازة سرحان. وكانت سلوان قد هبت عن بكرة أبيها في جنازة ضخمة لتشيع سرحان إلى مثواه الأخير في مقبرة في باب الأسباط. وهتف آلاف المشيعون: «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود»، و«على الأقصى رايحين شهداء بالملايين».

وقال صيام وهو يسير في جنازة سرحان: «الوضع متوتر جدا، الناس يغلون غضبا». وأضاف على وقع هذه الهتافات: «المواجهات لم تتوقف دقيقة حتى أثناء الجنازة.. هاجم الشبان بؤرا استيطانية وأطلق المستوطنون النار على المشيعين، أستبعد هدوءا بعد انتهاء الجنازة».

واتهمت الشرطة الإسرائيلية، التي أغلقت سلوان بالكامل، سرحان ورفاقه بنصب كمين لسيارة مستوطن يقوم بأعمال الحراسة، وقالت لوبا سمري الناطقة باسم الشرطة الإسرائيلية للصحافيين في القدس: «إن سيارة لأحد حراس المستوطنين اصطدمت بحاجز من الحجارة قبل تعرضها لهجوم من شبان عرب، فاضطر الحارس إلى إطلاق النار ما تسبب في قتل سرحان». واتهمت سمري سرحان بنشاطات معادية لإسرائيل.

واعتقلت الشرطة الإسرائيلية المستوطن الذي قال في التحقيق إنه اضطر إلى إشهار سلاحه وإطلاق النار بعد أن سد الفلسطينيون بحاويات القمامة الطريق أمام سيارة الأمن التي كان يستقلها داخل الحي.

وادعت الشرطة أنها عثرت مع سرحان بعد مقتله على سكينين وأداة حادة. ونفى صيام صحة الاتهامات، وقال «هذا كذب تعودنا عليه، لقد طاردوه وأعدموه».

وحاولت وزارة الإسكان الإسرائيلية الدفاع عن المستوطن، وقالت إنه حارس يعمل لديها وإنه أطلق النار دفاعا عن النفس بعد أن تعرض بالفعل لمحاولة الفتك به.

وفورا دعت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية إلى إنهاء مهمات الحراسة للمستوطنين في شرق القدس، واتهمتهم بتشكيل «ميليشيا خاصة ومسلحة تمارس الإرهاب وتمس بنسيج الحياة والأمن في المنطقة بدعم حكومي».

وتعتبر سلوان المنطقة الأكثر توترا في القدس، إذ يسيطر المستوطنون على عدد من المنازل ويسعون للسيطرة على المزيد، كما يطالبون بهدم منازل عربية صدر بحقها قرارات في هذا الشأن، من أجل إقامة مستوطنة وحديقة توراتية. وفي شمال غربي رام الله هاجم مستوطنون «إسكان الكرامة» العمالي في قرية المزرعة الغربية، واعتلوا أسطح المنازل وهددوا الأهالي، ما أدى إلى شل الحركة في المنطقة وامتناع الطلاب عن الذهاب إلى مدارسهم. وحاصر مستوطنون المدرسة الإبراهيمية في الخليل، وحاولوا اختطاف أطفال منها، بدعوى اعتداء أحدهم على أبناء المستوطنين قرب الحرم الإبراهيمي الشريف، قبل أن يفعل ذلك الجيش الإسرائيلي ويعتقل 3 طلاب. واتهمت منظمة التحرير الفلسطينية الجيش الإسرائيلي بدعم التصعيد الاستيطاني، وقالت إن ذلك يأتي «كجزء من مخطط إسرائيلي لإفشال عملية المفاوضات، وجر الجانب الفلسطيني للرد بالأسلوب نفسه، وهذا ما نرفضه».

وحذر أحمد قريع (أبو علاء)، رئيس دائرة شؤون القدس في المنظمة، من «استخدام ورقة المستوطنين المتطرفين والعصابات المأجورة للتعرض لحياة المقدسيين الآمنين وإشاعة الإرهاب في القدس المحتلة من أجل النيل من الوجود الفلسطيني». واتهم أبو علاء إسرائيل بشن إرهاب منظم «لحمل الجانب الفلسطيني إلى التنحي عن مطالبته بوقف الاستيطان والتغاضي عن جرائم المستوطنين بحق أبناء شعبنا في القدس ونابلس والخليل، والادعاء أمام المجتمع الدولي أن لا سيطرة لهذه الحكومة على المستوطنين وبالتالي لا يمكنها الاستجابة للضغط الدولي بدعوتها وقف الاستيطان». واعتبرت حركة فتح ما جرى دليلا واضحا على سعي إسرائيل «لتفجير المنطقة ونسف كل جهود السلام الدولية المبذولة».

أما حركة حماس، فوصفت ما جرى في سلوان بأنه «يعكس النوايا الخبيثة لحكومة الاحتلال في استغلال استمرار المفاوضات بينها وبين السلطة في الضفة كغطاء فعلي لارتكاب الجرائم ومزيد من العنف بحق الشعب الفلسطيني».

وطالبت الحركة السلطة «بإنهاء كل أشكال التفاوض مع العدو ورفع يدها وعصاها الغليظة عن المقاومة الفلسطينية حتى تدافع عن الشعب الفلسطيني»، كما دعت إلى «هبة جماهيرية عربية وإسلامية نصرة لأهلنا في القدس وللشعب الفلسطيني واستمرار فضح جرائم الاحتلال».