القرضاوي يدعو انفصاليي الشيشان إلى مراجعات فقهية ونبذ العنف

قال إن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق

TT

دعا الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قيادات الانفصاليين في الشيشان، إلى إجراء مراجعات فقهية، تمهيدا لنبذ العنف من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، على غرار جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، المصريتين، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وكثير من قيادات جماعات العنف في العالم أجمع. وقال القرضاوي، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أمس: «زارني وفد من علماء الشيشان، وطلبوا إلي أن أتوجه بكلمة إلى أبناء الشيشان، الذين يتخذون العنف والتوسع في القتل وسفك الدماء سبيلا للوصول إلى أهدافهم، غير مبالين بما يوجبه فقه الموازنات وفقه الأولويات وفقه المآلات، من رعاية اعتبارات كثيرة قبل الإقدام على عملهم». وأوضح القرضاوي أن الإسلام حرم تغيير المنكر إذا أدى إلى منكر أكبر منه، ولم يشرع إزالة الضرر بضرر مثله، فضلا عن أن يكون بضرر أكبر منه, ومن ذلك أمر الضحايا المدنيين البرآء من المسلمين وغير المسلمين، الذين يسقطون جراء العمليات التي يقومون بها. وقال: «يجب على أهل العلم والفكر وأهل الرأي والحكمة أن يجادلوا جماعات العنف بالتي هي أحسن، كما أمر الله تعالى، وأن يناقشوهم, أو قل: يناقشون قادتهم وعقلاءهم بالحكمة والمنطق العلمي والشرعي الهادئ, ويقنعونهم بالحجة البالغة، كما فعل حبر الأمة، سيدنا عبد الله بن عباس مع الخوارج، فرجع الآلاف منهم عن رأيهم، اقتناعا بقوله وأدلته. ومن الواجب علينا اليوم أن نناقشهم في قضيتين, هما التكفير، والعنف».

وأوضح يجب أن نسأل أنفسنا: «ما جدوى هذا العنف لو افترضنا شرعيته؟ هل غير وضعا» فاسدا؟ أو أقام حكما عادلا؟ أو حقق هدفا من الأهداف الكبرى للأمة؟ وأشار إلى أن «جماعات العنف في العالم أجمع، وما في حكمها، بداية من جماعة التكفير والسلفية الجهادية, وانتهاء بتنظيم القاعدة, أعلنت الحرب على الحكومات القائمة، واختارت أسلوب الصدام المسلح, ولم تكتف بالبيان والبلاغ, أو التربية والتوجيه, أو أسلوب التغيير السلمي بالكفاح الشعبي في الجامعات والنقابات والمساجد، والكفاح السياسي بدخول حلبة الانتخابات, ودخول البرلمانات لمقاومة التشريعات المخالفة للإسلام أو لحريات الشعب ومصالحه». وتابع قوله: «لما كانت هذه الجماعات لا تملك القوة العسكرية المكافئة أو المقاربة لقوة الحكومات, فقد اتخذت أساليب في المصادمة تتفق مع إمكاناتها, مثل أسلوب الاغتيال, وأسلوب التخريب للمنشآت الحكومية, وهذان الأسلوبان تصحبهما في الغالب إصابة مدنيين برآء, ليس لهم في العير ولا في النفير، كما يقول المثل, ففيهم أطفال ونساء وشيوخ، وكثيرا ما ينجو المقصود بالاغتيال، في حين يُقتل عدد من المدنيين البرآء غير المقصودين, ومعلوم أن قتل من لا يقاتل في الحرب بين المسلمين والكفار لا يجوز, فكيف يُقتل المسلمون؟ وفي الحديث: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق)». وقال القرضاوي إن تدمير المنشآت الحكومية إنما هو في الحقيقة تدمير لممتلكات الشعب في النهاية, كما أن من أساليبهم ضرب السياح، وهم قوم (مستأمنون) بلغة الفقه الإسلامي، فقد أعطوا الأمان من قبل الدولة التي أمنتهم بإعطائهم سمة (تأشيرة) الدخول، فيجب أن يحترم أمانهم ولا تخفر ذمتهم, ولا يعتدى عليهم في نفس ولا مال, ولو كان الذي أعطاهم الأمان عبد من المسلمين، فقد جاء في الحديث: «المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم»، وقال عليه الصلاة والسلام: «ذمة المسلمين واحدة, فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

وأكد القرضاوي للدارسين والمراقبين لأعمال العنف والمقاومة المسلحة، أنها لا تحقق الهدف منها، فلم تسقط بسببها حكومة، بل لم تضعف بسببها حكومة, وكل ما يمكن أن تنجح فيه جماعة العنف في بعض الأحيان هو قتل رئيس دولة أو رئيس وزارة أو وزير, أو مدير أمن أو نحو ذلك, ولكن هذا لا يحل المشكلة، فكثيرا ما يأتي بدل الذاهب من هو أشد منه وأنكى وأقسى في التعامل مع الإسلاميين».

وبالنسبة لقضية التكفير، قال القرضاوي هي قضية خطرة لها جذورها في تاريخ الفكر الإسلامي منذ عهد الخوارج، ولعلها أول قضية فكرية شغلت المسلمين، وكانت لها آثارها العقلية والعملية (عسكرية وسياسية) لعدة أجيال، ثم لم يلبث الفكر الإسلامي أن فرغ منها، واستقر على ما عليه أهل السنة والجماعة. وأوضح أن ظاهرة الغلو في التكفير تحتاج إلى دراسة، بسبب قلة بضاعة هؤلاء الشبان الغيورين من فقه الإسلام وأصوله، وعدم تعمقهم في العلوم الإسلامية واللغوية. الأمر الذي جعلهم يأخذون ببعض النصوص دون بعض، أو يأخذون بالمتشابهات، وينسون المحكمات، أو يأخذون بالجزئيات ويغفلون القواعد الكلية، أو يفهمون بعض النصوص الجزئية فهما سطحيا سريعا، دون التفقه في المقاصد الكلية، إلى غير ذلك من الأمور اللازمة لمن يتصدر للفتوى في هذه الأمور الخطيرة، دون أهلية كافية. فالإخلاص وحده لا يكفي، ما لم يسنده فقه عميق لشريعة الله وأحكامه, وإلا وقع صاحبه فيما وقع فيه الخوارج من قبل».