كتاب جديد لصحافي فضيحة ووترغيت: مناورة سرية أميركية لهجوم نووي إرهابي

أوباما: لا أفكر في أفغانستان كلاسيكيا كانتصار أو هزيمة

TT

بحث الرئيس الأميركي باراك أوباما، على عجل، عن سبيل للخروج من الحرب داخل أفغانستان خلال العام الماضي، وضغط أكثر من مرة على مستشاريه العسكريين البارزين لصياغة خطة للخروج، وهو ما لم يحصل عليه أبدا، بحسب ما تفيد به ملاحظات دُوِّنت خلال اجتماعات سرية ووثائق ذكرت في كتاب جديد للصحافي بوب وودورد. وأضاف الصحافي في كتابه الجديد «حروب أوباما»، المقرر نشره يوم الاثنين، أنه بسبب شعور أوباما بالإحباط من قادته العسكريين بعد عرضهم المستمر لخيارات تشترط زيادة عدد القوات بدرجة كبيرة، قام في النهاية بصياغة استراتيجيته الخاصة، وأملى «وثيقة» سرية جاءت في ست صفحات تهدف إلى الحد من الدور الأميركي. وطبقا لرصد وودورد، الذي تناول اجتماعات ومذكرات تتعلق بعملية مراجعة الاستراتيجية داخل أفغانستان عام 2009، فقد تجنب الرئيس الحديث عن تحقيق انتصار خلال حديثه عن أهدافه. ونقل وودورد أن أوباما قال لمساعديه داخل البيت الأبيض، في معرض توضيح الأسباب وراء زيادة 30.000 جندي في إطار عملية لزيادة عدد القوات على المدى القصير: «نحتاج إلى أن تكون هذه خطة لرفع أيدينا عن هذا والخروج من أفغانستان». وأضاف: «يجب أن يركز كل ما نقوم به على الوصول إلى مرحلة يمكن أن نقلل فيها عدد الجنود، فهذا يصب في صالح أمننا القومي، ولا مجال للتردد».

واعترض أوباما على طلب الجيش إرسال 40.000 جندي إضافيين، في إطار مهمة أوسع ليس لها نهاية متوقعة. وقال أوباما لوزير الدفاع روبرت غيتس ووزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون خلال اجتماع في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2009: «لا أخطط لعشرة أعوام، ولا أخطط لبناء دولة على المدى الطويل، ولن أنفق تريليون دولار». ويتحدث كتاب وودورد عن أوباما والبيت الأبيض، بينما تنهال عليهما تحذيرات من هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية والصعوبات التي ظهرت خلال محاولة منع هذه الهجمات. وخلال مقابلة مع وودورد في يوليو (تموز)، قال الرئيس: «يمكن أن نمتص أي هجوم إرهابي. سنفعل أي شيء يحول دون وقوع هجوم، ولكن حتى هجوم مثل هجوم 11 من سبتمبر (أيلول)، أو حتى أكبر هجوم.. يمكننا امتصاص ذلك، وأن نكون أقوى». ولكن، يركز معظم الكتاب على مراجعة الاستراتيجية ومتابعة الخلافات والشكوك التي استهلكت فريق الأمن القومي التابع لأوباما، حيث كان محاصرا في خلاف عاطفي قوي بشأن الاتجاه والأهداف والجدول الزمني وعدد الجنود وفرص النجاح في حرب من المؤكد تقريبا أنها ستكون ضمن الأحداث الحاسمة في هذه الرئاسة.

ويُعرض أوباما في مواجهة مع قادته العسكريين النظاميين، ولا سيما الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأميركية وقائد القوات الأميركية والناتو داخل أفغانستان - خلال مراجعة الاستراتيجية عام 2009. ويكشف وودورد عن الخلافات بينهم من خلال تقارير مفصلة شملت 24 اجتماعا سريا حول الاستراتيجية وقرابة 40 حوارا سريا جرى بين أوباما ومسؤولين في المجلس الوزاري ومساعدين بارزين ومسؤولين استخباراتيين.

وغالبا ما تكتسب التوترات مسحة شخصية. وأشار مستشار الأمن القومي جيمس جونز في السر إلى مساعدي أوباما السياسيين بأنهم «بق مياه» و«المكتب السياسي» و«المافيا» و«شلة الحملة». وقال بترايوس، الذي شعر بأنه همِّش من قبل الإدارة الجديدة، لمساعده إنه يعتبر المستشار الأول للرئيس ديفيد أكسلرود بأنه «مسؤول عن الدعاية».

وخلال رحلة جوية في مايو (أيار)، وبعد احتساء كأس نبيذ، قال بترايوس لأفراد طاقمه إن الإدارة «مع الرجل الخطأ». ومال غيتس إلى ترك اجتماع داخل المكتب البيضاوي بعد أن شعر بالضيق بسبب تعليقات نائب مستشار الأمن القومي توماس دونيلون عن قائد لم يذكر اسمه داخل الكتاب.

وشعر بعض مَن شاركوا في الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2008 بشكوك، فعندما عرض أوباما فكرة اختيار كلينتون لمنصب كبير، تساءل أكسلرود: «كيف يمكن أن تثق بهيلاري؟» ويأتي كتاب «حروب أوباما» ليكون الكتاب السادس عشر لوودورد (67 عاما)، وهو رئيس محرر مشارك بصحيفة «واشنطن بوست». ويشار إلى أن تقارير وودورد مع كارل برنستين في معرض تغطية فضيحة «ووترغيت» في مطلع السبعينات أثمرت أفضل كتاب لهما من ناحية المبيعات، وهو كتاب «جميع رجال الرئيس».

ومن بين الأشياء التي يكشف عنها الكتاب:

- قال أوباما لوودورد في مقابلة أجريت خلال يوليو (تموز) إنه لا يفكر في الحرب الأفغانية بالصورة «الكلاسيكية» المرتبطة بتحقيق انتصار أو الهزيمة. وأضاف: «أفكر في الأمر من ناحية: هل تُنفذ استراتيجية بنجاح لجعل الدولة أقوى وليست أضعف؟».

- أن وكالة الاستخبارات المركزية قامت بتشكيل جيش شبه عسكري من 3000 أفغاني، يعرف باسم «فرق مكافحة الإرهاب»، وتشرف عليها الوكالة وتدفع لهم رواتب. ويصف وودورد هذه المجموعات بأنها وحدات نخبوية عالية التدريب تقوم بتنفيذ عمليات سرية حساسة داخل باكستان في إطار حملة ضد معاقل حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة هناك.

- مدد أوباما وأبقى على 14 أمرا استخباراتيا أصدرها سلفه جورج دبليو بوش. وتوفر هذه الأوامر الأساس القانوني للعمليات السرية لوكالة الاستخبارات المركزية بمختلف أنحاء العالم.

- وبفضل قدرات جديدة طورتها هيئة الأمن القومي، زادت سرعة تحويل الاتصالات المعترضة إلى معلومات مفيدة لصالح محللين استخباراتيين وعملاء سريين. وقال مدير الاستخبارات الوطنية مايك مكونيل لأوباما خلال تقرير عقب انتخابه رئيسا بيومين: «إنهم يتحدثون، ونحن نسمع. ويتكلمون ونحن نراقب. أعطنا الفرصة، وسنتصرف بصورة عملية».

- وأظهرت مناورة سرية في مايو (أيار) أن الحكومة كانت غير مجهزة للتعامل مع هجوم إرهابي نووي داخل الولايات المتحدة. وتضمنت المناورة تفجير قنبلة نووية خام صغيرة في أنديانابوليس والتهديد في الوقت نفسه بتفجير ثان داخل لوس أنجليس. ووصف أوباما في مقابلة مع وودورد تنفيذ هجوم نووي بأنه «شيء محتمل يغير اللعب». وأضاف: «عندما أطالع قائمة الأشياء التي يجب علي القلق بشأنها طوال الوقت، أجد ذلك في المقدمة، فهذا شيء لا يمكن أن يخطئ فيه أحد».

- وتصف تقارير استخباراتية أميركية الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بأنه شخص كئيب بدرجة كبيرة. خاض أوباما الانتخابات بوعد إخراج القوات الأميركية من العراق والتركيز على أفغانستان وباكستان، اللتين وصفهما بأنهما التهديد الأكبر للأمن الأميركي. وخلال تقرير مكونيل عالي السرية لأوباما، قال رئيس الاستخبارات للرئيس المنتخب إن باكستان عبارة عن شريك غير أمين وغير مستعد أو غير قادر على وقف عناصر بالاستخبارات الباكستانية تقدم مساعدات سرية وأسلحة ومالا لحركة طالبان.

وبحلول نهاية مراجعة الاستراتيجية لعام 2009، كتب وودورد إن أوباما خلص إلى أنه من غير الممكن نجاح أي مهمة داخل أفغانستان من دون الهجوم على ملاذات حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة التي تعمل من دون رادع داخل المناطق القبلية النائية في باكستان. ونُقل في الكتاب أن أوباما قال خلال اجتماع بالمكتب البيضاوي في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009: «نريد أن نوضح إلى الناس أن السرطان داخل باكستان». وأضاف الرئيس أن خلق مستوى أعلى من الأمن داخل أفغانستان أمر حتمي «حتى لا ينتشر السرطان» هناك. ولا يهتم الكتاب بالحرب داخل العراق، في ما عدا الإشارة إليها خلال دراسة وصياغة استراتيجية جديدة إزاء أفغانستان. ويبدو أن عنوان الكتاب «حروب أوباما» يشير إلى الصراع داخل أفغانستان والخلافات بين فريق الأمن القومي التابع للرئيس. ولا يأخذ أوباما ومستشاروه في الاعتبار حربا أقدم من الحرب داخل أفغانستان. وعندما اندفع نائب الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض في أحد أيام الأحد للمطالبة للمرة الأخيرة بمهمة محددة الهدف بدقة، حذر نائب الرئيس أوباما من أن الزيادة بدرجة كبيرة تعني «أننا محاصرون في فيتنام».

واستمر أوباما يطالب بـ«خطة خروج» للموافقة على أي زيادة في عدد الجنود، ويعرض الكتاب زيادة إحباطه بدرجة كبيرة، بسبب رفض الجيش تقديم خطة من هذا النوع. وفي أحد الاجتماعات حول الاستراتيجية، لوح الرئيس بمذكرة من مكتب الميزانية والإدارة، الذي وضع تكلفة قيمتها 889 مليار دولار خلال 10 أعوام لنهج الجيش ذي النهاية المفتوحة.

وفي النهاية، قام أوباما بصياغة استراتيجية خاصة به لـ30.000 جندي، وهو ما يعتبره بعض المساعدين تسوية بين طلب قيادة الجيش 40.000 جندياوجهود بايدن الحثيثة من أجل قصر عملية الزيادة على 20.000 جندي في إطار «خيار هجين» صاغه مع الجنرال جيمس كارتريت، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة.

وفي مشهد درامي داخل البيت الأبيض يوم الأحد 29 نوفمبر 2009، استدعى أوباما فريق الأمن القومي لتحديد إطار لقراره ووزع وثيقته التي جاءت في ست صفحات. وأورد وودورد أنه جاب في أرجاء الغرفة يسأل واحدا تلو الآخر عما إذا كان يرى ثمة اعتراضات.

واتخذت الوثيقة – التي أعيد طبعها داخل الكتاب – خطوة غير مألوفة، حيث نصت على ما كان يفترض ألا يقوم به الجيش، بالإضافة إلى أهداف الاستراتيجية. ووفقا لوودورد، فقد تطرق الرئيس إلى التفاصيل ليتأكد من أن الجيش لن يحاول توسيع المهمة.

ويكتب وودورد أنه بعد أن أطلع أوباما الجيش على قراره، حاول البنتاغون إعادة مناقشة القرار وأمطر البيت الأبيض بأسئلة كثيرة. ورد أوباما بغضب: «ما الذي يدفعنا إلى الاستمرار في هذه الاجتماعات؟».

ومع الجنرال ستانلي ماكريستال، القائد الأميركي الأعلى داخل أفغانستان في ذلك الوقت، بقوا يضغطون من أجل زيادة عدد القوات بمقدار 40.000 جندي في إطار استراتيجية واسعة لمكافحة التمرد على غرار ما قام به بترايوس من أجل العراق.

ونُقل أن الرئيس قال لمولن وبترايوس وغيتس: «في 2010، لن يكون ثمة نقاش عن القيام بالمزيد. لن أريد سماع (الوضع على ما يرام سيادة الرئيس، ولكن من الأفضل لو قمنا بالمزيد) ولن يكون ثمة نقاش عن تغيير (المهمة)... ما لم نتحدث عن طريقة الانسحاب بسرعة أكبر من المتوقع في 2011».

وتعامل بترايوس مع قرار أوباما على أنه رفض شخصي، بحسب ما كتب وودورد. وبقي بترايوس يعتقد أن استراتيجية من أجل «حماية الشعب الأفغاني» ستمثل الخطة الأفضل. وعندما اختار الرئيس بترايوس العام الحالي ليحل محل ماكريستال كقائد للقوات الأميركية وقوات الناتو داخل أفغانستان، وجد بترايوس نفسه مسؤولا عن إنجاح استراتيجية أوباما المحدودة.

ونقل وودورد عن بترايوس قوله: «عليك أن تعترف أيضا بأني لا أعتقد أنك ستفوز في هذه الحرب. أعتقد أنك ستبقى تقاتل. وفي الواقع، يشبه الحال الوضع داخل العراق... نعم ثمة تقدم كبير داخل العراق. ولكن لا تزال ثمة هجمات مريعة داخل العراق، ويجب أن تبقى يقظا. عليك البقاء بعد ذلك. هذا نوع من المعارك نحن متورطون فيه لبقية حياتنا، وربما خلال حياة أولادنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»