بكين تهدد بتصعيد النزاع وطوكيو تدعو للحوار

الصين تطالب بإطلاق قبطان سفينتها «فورا» وتلوح بـ«تدابير جديدة»

TT

هدد رئيس الوزراء الصيني برد أشد على اليابان ما لم تفرج طوكيو عن قبطان سفينة صيد صينية اتهمته اليابان بتعمد الاصطدام بسفينة تابعة لخفر السواحل الياباني بالقرب من جزر متنازع عليها. وفي أول تصريحات لمسؤول صيني كبير بشأن الأمر قال رئيس الوزراء وين جياباو أمس: «لم يعبأ الجانب الياباني باحتجاجات الصين الجادة المتعددة، ولذا ليس أمام الصين سوى اتخاذ إجراءات مضادة ضرورية». وطلب وين جياباو من اليابان الإفراج «فورا ومن دون شروط» عن قبطان السفينة، وقال إنه «في حال لم يتم ذلك ستتخذ الصين تدابير أخرى». وتابع جياباو في التصريحات التي نقلها موقع وزارة الخارجية الصينية على الإنترنت أن الحادث «أثار غضب الشعب الصيني بأكمله في الداخل والخارج».

وبدأت الأزمة الدبلوماسية مع احتجاز اليابان سفينة صيد صينية في 7 من الشهر الحالي. وعلقت بكين الاتصالات رفيعة المستوى مع اليابان بسبب القضية كما أجلت محادثات حول زيادة عدد الرحلات الجوية بين الصين واليابان.

ولدى مطالبته بالرد على تصريحات وين قال يوشيتو سنجوكو كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني: «سيكون من الجيد إجراء محادثات رفيعة المستوى في أقرب وقت ممكن بشأن قضايا من بينها قضايا استراتيجية وواسعة النطاق».

وأعلنت الصين بالفعل أن وين لن يلتقي رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان في نيويورك أثناء قمة للأمم المتحدة. وقال كان في مقابلة مع صحيفة «الفاينانشيال تايمز»: «أعتقد أنه إذا تم التعامل مع هذا الأمر بهدوء فمن الممكن تماما أن تكون هذه المشكلة مؤقتة».

وغادرت مجموعة صغيرة من النشطاء هونغ كونغ، أمس، وأبحرت صوب جزر غير مأهولة تقع في قلب نزاع على السيادة بين الصين واليابان، وذلك بهدف تأكيد مزاعم الصين بالسيادة على الجزر. وركب النشطاء زورق صيد من جزيرة تشيونغ تشاو في طريقهم للجزر الواقعة في بحر الصين الشرقي التي تعرف في الصين باسم دياويو وفي اليابان باسم سنكاكو. ونقلت وكالة «رويترز» عن الناشط لو تشاو قوله قبل الإبحار: «نحن متجهون إلى هناك فقط للصيد ولإثبات أن للصينيين حقا في الصيد في هذه المياه». ولا تزال علاقات التجارة بين الصين واليابان قوية لكن وسائل إعلام رسمية أشارت إلى تراجع عدد السائحين الصينيين في اليابان. والصين هي أكبر شريك تجاري لليابان منذ عام 2009 ووصل حجم التجارة الثنائية إلى 12.6 تريليون ين (147 مليار دولار) في فترة ما بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) الماضيين أي بزيادة بمقدار الثلث. وهناك خلاف بين الصين واليابان أيضا بسبب تنقيب الصين عن الغاز الطبيعي في بحر الصين الشرقي. وللصين نزاعات أيضا حول السيادة في بحر الصين الجنوبي مع دول في جنوب شرق آسيا. وما زال أمام الادعاء الياباني حتى 29 سبتمبر (أيلول) الحالي لاتخاذ قرار بشأن توجيه اتهامات للقبطان الصيني.

ويرى محللون أن الصين الواثقة من نفوذها المتزايد في العالم والقلقة من قوة الانتشار الأميركي، باتت تدافع بمزيد من الحدة عن طموحاتها، كما تدل على ذلك الأزمة الحالية مع اليابان. ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة تحتج بكين رسميا تقريبا يوميا على تصرف طوكيو «غير القانوني». وأوضح إدوارد فريدمن المتخصص في الشؤون الصينية في جامعة ويسكونسن (الولايات المتحدة) أن إدارة الرئيس هو جينتاو «أجرت تحولا أساسيا في توجهات السياسة الخارجية، للدفاع عن الصين كما تعتقد». وإذا كان التنديد بتجاوزات دول أجنبية داخل أراض تعتبرها بكين صينية ليس جديدا في أدبيات القادة الشيوعيين في بكين، فإن طريقة الرد على تلك «الإهانات» وبعضها قديم جدا، هي التي تطورت.

واعتبر إدوارد فريدمن أن سنة 2008 كانت حاسمة حيث شهدت نجاح بكين في تنظيم الألعاب الأولمبية ثم قدرتها على التعامل مع الأزمة المالية العالمية مما عزز سمعة البلاد.

من جهة أخرى يعرب البلد الشاسع الشديد التعلق بقوميته عن طموحات عسكرية متزايدة الوضوح. ويتوقع مثلا أن تكون بكين المنزعجة من تفوق الولايات المتحدة في المجال البحري في المحيط الهادي، على وشك صنع صاروخ طويل المدى قادر على الوصول إلى حاملات طائراتها.

وأوضح إدوارد فريدمن أنه «سواء كانت مشكلة العلاقات العسكرية مع سيول وواشنطن أو مطالب اليابان في بحر الصين الشرقية أو فيتنام في بحر الصين الجنوبية وجزر سبارتليز (التي تتنازع عليها هانوي وبكين) فإن الصين ليست مستعدة للبقاء مكتوفة الأيدي أمام مظالم الماضي».

ويرى البنتاغون أن الصين تتعزز عسكريا لا سيما تحسبا لنزاع مع تايوان (التي تعتبرها إقليما منشقا) وحتى أنها تزيد في تقدمها. وفي دلالة على اشتداد موقف الصين من هذه القضية الحساسة، علقت بكين نهاية يناير الماضي مبادلاتها العسكرية مع الولايات المتحدة احتجاجا على بيع الأسلحة الأميركية مجددا إلى تايوان. ويرى وينران جيانغ من جامعة ألبرتا في كندا أن الصين متيقنة أن الولايات المتحدة تسعى إلى «احتواء» إرادتها في التوسع الجيوستراتيجي لا سيما بفضل قواعدها العسكرية وأساطيلها وحلفائها في المحيط الهادي. وصرح وينران جيانغ لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» قائلا: «بالإمكان أن نرى في طريقة التصرف الصينية ضربا من عقلية المحاصرين الذين يظنون أن الأمور ماضية نحو تضييق الخناق عليهم».