ألمانيا تعيش مناخا سياسيا مناسبا لصعود اليمين المتطرف

جدل حول كتاب واسع الرواج يتهم المهاجرين المسلمين «بتسطيح المجتمع»

نساء تركيات في حي تقطنه غالبية مهاجرة في برلين (نيويورك تايمز)
TT

مع تنامي شعور معاد للهجرة في أوروبا، أفرز عن موجة شعبية يمينية امتدت من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى الحدود الاسكندنافية الباردة، يتصاعد القلق لدى البعض من أن ترسخ تلك الحركة جذورها هنا في ألمانيا أيضا، حيث المعقل الخصب للشكوك المالية وتنامي الشعور المعادي للمسلمين واتساع هوة الفراغ السياسي الذي خلفه سوء حظ الحزب الديمقراطي المسيحي القوي سابقا.

وفي الوقت الذي اختار فيه السويديون حزبا معاديا للهجرة للوصول إلى البرلمان للمرة الأولى في حياتهم السياسية، وانشغال الفرنسيين بترحيل الغجر، يواصل الألمان الجدل حول أكثر الكتب رواجا، الذي يلقي باللائمة على المهاجرين المسلمين في «تسطيح المجتمع»، ويسمعون أن حليفا محافظا بارزا للمستشارة أنجيلا ميركل، يقول إن بولندا هي التي أشعلت الحرب العالمية الثانية.

ويقول جيرو نيوغيبايور، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الحرة في برلين «الغموض الذي يلف المجتمع الألماني يشكل قاعدة قوية لأولئك الذين يخبرون الألمان بأن مشكلاتهم يمكن حلها بطرق أكثر سهولة، عبر حلول لا يجرؤ الآخرون على القيام بها، مثل طرد الأجانب».

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، منعت القوانين الألمانية والنخبة السياسية والأعراف الاجتماعية الأحزاب اليمينية من الفوز بما يكفي للفوز بمقاعد في البرلمان. وكانت هذه هي آخر مرة يتمكن فيها حزب يميني متطرف من الاقتراب من نسبة الـ5 في المائة المؤهلة لدخول البرلمان في السبعينات. بيد أن رياح السخط التي هبت من اتجاهات مختلفة أعادت صياغة المشهد السياسي الألماني، حيث عززت خطة إنقاذ اليونان التي قادتها ألمانيا من الامتعاض الشعبي تجاه أوروبا، واعتبر الألمان إنقاذ اليونان ثمنا لتبذير وعدم مسؤولية آخرين. في الوقت ذاته يشعر الألمان، لا سيما الأجيال الشابة التي تشعر بأنها أقل تقيدا بالتاريخ وأكثر ارتياحا، بقوميتهم أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.

وسط هذا المناخ ظهر كتاب المصرفي تيلو سارازين «ألمانيا تنتحر»، الذي يقول فيه إن الإعانات الاجتماعية السخية التي تقدمها الدولة جذبت عددا كبيرا من المهاجرين المسلمين الذين رفضوا الاندماج في المجتمع. ولم يتطرق الكتاب إلى أي من العقبات التي تحول دون اندماجهم مثل التمييز في الوظائف أو التعليم، لكنه بدلا من ذلك نعت المهاجرين المسلمين بأنهم طبقة أدنى وراثيا.

يمثل الكتاب وشعبيته (باع بالفعل 600.000 نسخة في أقل من شهر) القضية الوحيدة التي يبدو أنها توحد الشعب الأوروبي ألا وهي العداء للأجانب خاصة المسلمين. وتشير نتائج أحدث استطلاعات الرأي إلى إمكانية حصول الأحزاب ذات التوجهات اليمينية على 20 في المائة من أصوات الناخبين، مما يمكنها من الوصول إلى البرلمان، بحسب تقارير وكالة الأنباء الألمانية.

ويقول مايكل نيومان، رئيس تحرير مجلة «سيسيرو» السياسية في برلين، عن التطورات السياسية الإقليمية «من الصعب جدا ربط كل هذا بقضية واحدة، هي كراهية الأجانب. هذا ليس صحيحا، لكنه قد يتحول إلى شيء كهذا، فقد بدأ البحث عن كبش فداء».

ويرى خبراء السياسة أنه إلى جانب المشاعر المعادية للهجرة، يبدو اليمين معتمدا على الشعور الذي يسود المحافظين بأن الحزب الديمقراطي المسيحي وأنجيلا ميركل تخلوا عنهم.

فقد استقال بعض مسؤولي الحزب البارزين مؤخرا وسط شكاوى بتخلي الحزب عن مبادئه، وطالب الأعضاء هذا الشهر بتوجيه الدفة نحو اليمين، وهو ما رفضته ميركل، ودفع أحد الأعضاء السابقين في الحزب إلى إنشاء حزب جديد، «الحرية»، يتبنى أجندة معادية للاتحاد الأوروبي والهجرة. ودفع ذلك مسؤولي الحزب إلى الاعتراف بالحاجة إلى حوار سياسي لتجنب تأجيج غضب اليمين.

ومن بين أبرز الشخصيات التي استقالت من الحزب إريكا شتاينباخ، النائبة البارزة التي وجهت اتهامات إلى بولندا، والتي تقود المجموعة التي تمثل العرقية الألمانية التي طردت من مناطق في أوروبا الشرقية بعد الحرب، وقد استقالت من اللجنة التنفيذية في الحزب الديمقراطي المسيحي بعد عقد من الانضواء تحت لوائه، مصرحة لصحيفة «دي فيلت»: «أنا أمثل الاتجاه اليميني في الحزب، لكني أشعر بأنني وحيدة تماما».

كان الحزب الديمقراطي المسيحي الذي هيمن على الحياة السياسية لعقود، قد نجح في احتواء المحافظين، وحتى اليمينيين المعتدلين، على الرغم من وصفهم أنفسهم بحراس القيم المسيحية. لكن الحزب ما لبث أن اتهم من قبل بعض أعضائه بأنه لا يختلف عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي الليبرالي في تنفيذ إصلاحات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تحظر النقاش بشأن الكثير من القضايا - كالقومية والدين والأقليات، والهجرة على نحو خاص.

وقد تعرضت المستشارة ميركل إلى انتقادات واسعة نتيجة لإدانتها سارازين - حتى قبل أن تقرأ الكتاب. وقد اضطر سارازين تحت الضغط إلى الاستقالة من مجلس إدارة البنك المركزي، وبدأ حزبه، «الديمقراطي الاشتراكي»، في تحريك دعوى جنائية لطرده.

ويرى بعض المراقبين أن الطريقة التي تتعامل بها النخبة السياسية مع هؤلاء المحافظين المتطرفين تعزز من موقفهم. ويقول وولفغانغ شميت، المستشار الأسبق لجيرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق «تحظى شتاينباخ وسارازين بإعجاب متزايد لأنهما حطما تقليد التعامل الماضي. وعلى الرغم من عدم موافقة الجميع لآرائهما إلا أنهم لا يوافقون على الطريقة التي يتم إسكاتهم بها».

من ناحية أخرى، يواجه الحزب الديمقراطي المسيحي صعوبة في تحقيق توازن محاولا الاعتراف بالإحباط الشعبي من دون إضفاء الشرعية على وجهات النظر العنصرية والخوف من الأجانب. بيد أن تجاهل هذه القضايا سيفتح الباب لا محالة أمام الأحزاب اليمينية. ويقول وولفغانغ بوشباخ، عضو الحزب ونائب رئيس كتلته البرلمانية «هذا يعني أن الأحزاب الشعبية اليمينية تشغل الفراغ الذي سيحدث نتيجة لشعور البعض بأن السياسيين غير مدركين لأوضاعهم المعيشية».

حاليا، لا يتوقع أحد صعود حزب يميني ناجح، نتيجة لغياب أحد المكونات المهمة، وهي شخصية كاريزمية تقود الجماهير. وبوجود مثل هذا القائد وبعض الدعم المادي يمكن أن تطفو تلك الأحزاب على السطح.

لكن في ألمانيا، حيث لا يزال الماضي مطلا برأسه، من يجرؤ على ذلك؟. يقول هانز - أوتو براوتيغام، السفير الألماني السابق والسياسي المستقل «لا يزال من المبكر القول بإمكانية بروز هذه الأحزاب. ربما يحدث ذلك، لكني قلق. هناك إشارات وعلامات لكنها لا تزال غير واضحة، وما زلت آمل في إمكان التغلب على هذه المشكلات».

* خدمة «نيويورك تايمز»