مفاعيل القمة الثلاثية والتفاهم العربي الواسع ينزعان فتيل التوتر في لبنان

صقر : اتصال الأسد بالحريري رسالة للمشككين باستراتيجية العلاقات اللبنانية السورية

TT

التحركات العربية التي نشطت على خط الرياض دمشق وبعض العواصم العربية والعالمية أنتجت، بحسب ما أكدت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، حلا أدى إلى نزع فتيل التوتر اللبناني - اللبناني الذي بلغ أوجه في الأيام الخمسة الماضية، وهذا الحل تبلور أولا في زيارة وفد حزب الله لسفارة المملكة العربية السعودية في بيروت، ولقائه السفير علي عواض عسيري، وثانيا في الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد ليل أول من أمس برئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وثالثا تأكيد الأطراف اللبنانية والعربية أن مفاعيل القمة الثلاثية التي انعقدت في بعبدا ما زالت قائمة، وهي تشكل من ضمن التفاهم العربي الواسع مظلة كبرى لحماية لبنان واستقراره.

وفي هذا الإطار أكد عضو تكتل «لبنان أولا» النائب عقاب صقر، لـ«الشرق الأوسط» أن اتصال الرئيس السوري بشار الأسد برئيس الحكومة سعد الحريري «يعبر عن مدى معرفة الرئيس الأسد بالدور الذي يلعبه الرئيس الحريري في لبنان والمنطقة، انطلاقا من أن تهدئة الأوضاع في لبنان تمنع امتداد الفتنة على مستوى العالم العربي»، وأشار إلى أن «الرئيس الأسد وفي ظل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي ترجمت بالقمة الثلاثية التي انعقدت في بعبدا، يعرف أننا أمام تسوية عربية كبيرة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال المس بها»، كاشفا أن «اتصال الرئيس الأسد جاء ليؤكد حرص سورية على هذا المناخ التهدوي العربي في لبنان، وتقديره للخطوة الكبيرة والمهمة التي قام بها الرئيس الحريري من خلال مضمون حديثه لـ(الشرق الأوسط)، وللتأكيد أن العلاقات السوية التي انطلقت بين لبنان وسورية تتحرك على قاعدة حماية الواقع اللبناني، ودعم استقرار لبنان بعيدا عن الغوص في التفاصيل». وقال صقر: «أعتقد أن هذا الاتصال كان رسالة لكل من يشكك باستراتيجية العلاقات اللبنانية السورية، ولقطع الشك باليقين بأننا دخلنا مرحلة جديدة تختلف عن الماضي، وأن التهدئة العربية التي هي مصلحة لبنانية أولى أصبحت عصية على الاهتزاز». وردا على سؤال عن مغزى زيارة وفد حزب الله إلى سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان، أوضح صقر أن «هذه الزيارة هي خطوة مهمة رغم أنها متأخرة، إذ كان يفترض أن تكون حصلت منذ زمن، لأن المملكة كانت وما زالت تفتح أبوابها لأي تواصل لبناني»، وأمل أن «تكون الزيارة فاتحة تواصل وليس مجرد خطوة انتهت، لأن استمرار التواصل فيه مصلحة لبنانية وضرورة استراتيجية لحزب الله».

وعما إذا كان صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية في الأشهر القليلة المقبلة قد يطيح بالتهدئة التي أرسيت من جديد، وما إذا كانت سورية أيضا ستقبل نتائجه، قال صقر: «المحكمة أصبحت واقعا دوليا مختلفا، وإلى الآن من الواضح أن الجانب السوري يتفهم أن المحكمة باتت عالمية ويسلم بهذا الأمر، وهذا ما تجلى في كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأن سورية ستحاكم أيا من مواطنيها إذا ما ثبت أن له علاقة بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، ولفت إلى أن «حزب الله ما زال يتعاطى مع المحكمة على أنها إسرائيلية وأميركية وأنه يمكن تغييرها في لبنان، وهذا الأمر هو موضع التباس عند حزب الله لأنه لا يمكن لأي طرف لبناني أن يتحكم بها أو يؤثر عليها»، وأضاف: «ربما أدرك حزب الله اليوم أن الكمين الذي وقع به وجعله يصطدم بالمحكمة وبالواقع اللبناني نصبه له أحد المقربين منه، وهو اللواء جميل السيد الذي تبين، وبحسب أقوال السيد نفسه، أنه هو من سرب المعلومات إلى صحيفة (ديرشبيغل) وجعل الحزب يتورط في مواجهة مع المحكمة ومع الداخل اللبناني».

إلى ذلك، رأى عضو كتلة المستقبل، النائب أحمد فتفت، أن «التهدئة مرتبطة بقرار سياسي يتخذه الطرف الآخر لأن ما أشعل الأمور على الصعيد السياسي هو المواقف المتطرفة تجاه مؤسسات الدولة وتجاه المحكمة ذات الطابع الدولي»، لافتا إلى أن «الأمر يتعلق بالتحليل السياسي للجانب الآخر، وسبب التهدئة معروف، وهو المظلة العربية والقمة الثلاثية التي ما زالت مفاعيلها سائدة في البلد». وعن المحكمة الدولية وما إذا كان تيار المستقبل سيتراجع عنها، قال فتفت: «الشهداء هم شهداء لبنان ومن كل الطوائف، وقد استشهدوا ليصونوا الحياة الديمقراطية»، موضحا أن «ذلك ليس قضية انتقام، بل قضية الحفاظ على الحياة الديمقراطية والحريات ومستقبل لبنان».

بدوره أشار مستشار الرئيس الحريري النائب السابق غطاس خوري إلى أن «الرئيس بشار الأسد والرئيس الحريري بحثا (في الاتصال الهاتفي) الشأن الإقليمي والعلاقات الثنائية، ومتابعة تحسين هذه العلاقات، أما في الوضع الإقليمي فهناك مصلحة للبنان وسورية أن يتم التقدم في مفاوضات السلام»، مؤكدا أن «القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت أسست للاستقرار في البلد، أو إذا أردنا القول، لإعادة التأكيد على الاستقرار في البلد». واعتبر أخيرا أن مقولة «التهدئة أو المحكمة هي ابتزاز»، وسأل: «لماذا وضع اللبنانيين أمام هذا الخيار؟».

وأكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية، الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، السعي «لكي يبقى الوضع هادئا في لبنان، وأن يساهم كل الأفرقاء في هذا الاتجاه»، مشددا على أن «عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وما حصل قد حصل، ولذلك يجب أن نترك للمؤسسات الرسمية لبنانية كانت أو دولية أن تأخذ مجراها الطبيعي». وقال: «إذا كان القرار الظني هو بيت القصيد فهو ليس آخر الدنيا، لأنه سيفتح المجال واسعا لكل وسائل الدفاع وإبراز الحجج لدحض ما ورد فيه إذا كان منافيا لمصلحة البعض»، مشيرا إلى أن «آلية الدفاع معززة أكثر من آلية الادعاء، والمجالات واسعة جدا لبيان الحقيقة المجردة بعيدا عن التسييس، كذلك الأمر بالنسبة لما يسمى شهود الزور».

ولفت منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد إلى أن «هناك حرصا من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري على طي صفحة الماضي مع سورية، وهو حرص مشترك مع كل فرقاء (14 آذار)»، مشددا على أن «الأمانة العامة لـ(14 آذار) تشارك الرئيس الحريري من أجل فتح صفحة جديدة، لأنه آن الأوان لبداية إرساء علاقات طبيعية مع سورية». ورأى أن «لبنان في مرحلة انتقالية سيكثر فيها الكلام والحديث عن المحكمة الدولية وشهود الزور»، معتبرا أنه «لا حسم لبنانيا قبل الحسم الإقليمي».

من جهة ثانية دعا عضو كتلة حزب الله، النائب نوار الساحلي، رئيس الحكومة سعد الحريري إلى «ترجمة ما قاله لصحيفة (الشرق الأوسط) إلى أفعال، وأن يستتبع أقواله بخطوة عملية»، وقال: «أنا أرى أن هناك شيئا غير صحيح عندما يتكلم رأس الهرم بشيء وعناصره في التيار أو في الحكومة يتكلمون بشيء آخر، فليأتوا بشهود الزور وعندها نرى أنهم بدأوا يضعون القطار على الخط الصحيح». ورأى الساحلي أن «ما يحاول أن يقوم به الفريق الآخر هو الفصل بين سورية وحزب الله، وهذا نوع من (التشاطر)، ومع افتخارنا بعلاقتنا مع سورية لكن نحن لا نمثل سورية»، موضحا أن «اتصال الرئيس السوري بشار الأسد بالرئيس سعد الحريري لم نعرف ما فحواه، وبالتالي لا نستطيع التعليق عليه، أما زيارة وفد من حزب الله للسفارة السعودية فهي تمت وفق موعد قد حُدد من قبل، وهي زيارة طبيعية وأعطيت أكبر من حجمها»، مؤكدا أن «مفاعيل القمة الثلاثية لم تنتهِ، ولكن نحن بانتظار نتائجها».