أوباما: نسعى إلى عضو جديد في الأمم المتحدة.. دولة فلسطين المستقلة

دعا موقعي مبادرة السلام العربية إلى خطوات ملموسة للتطبيع.. وأكد أن باب الدبلوماسية مفتوح أمام إيران

الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء خطابه أمام الامم المتحدة أمس (أ ب)
TT

جدد الرئيس الأميركي باراك أوباما تعهده بالسعي وراء اتفاق نهائي للسلام في الشرق الأوسط، أمس، مخصصا الجزء الأكبر من خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعوة المجتمع الدولي لدعم المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي تصريح من شأنه محاولة إقناع الفلسطينيين بالبقاء في المفاوضات رغم المصاعب الحالية وعدم التزام إسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني، قال أوباما إنه «عندما نعود هنا العام المقبل، يمكن أن يكون لنا اتفاق يؤدي إلى عضو جديد في الأمم المتحدة - دولة فلسطينية ذات سيادة تعيش بسلام مع إسرائيل».

ووصف أوباما جهود إطلاق المفاوضات المباشرة بأنها «طريق ملتو سرناه خلال الأشهر الـ12 الماضية، مع القليل من الارتفاعات والكثير من الوديان». وأقر أوباما بوجود الكثير من المتشائمين حول هذه العملية، قائلا: «المشككون يقولون إن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يثقون ببعض ومنقسمون داخليا»، مما يعني صعوبة تحقيق السلام. وأضاف: «إنني أسمع أصوات المشككين ولكن أطلب منكم أن تفكروا في البديل، إذا لم نتوصل إلى اتفاق فالفلسطينيون لن يعرفوا فخرا وكرامة تأتي مع دولة لهم، والإسرائيليون لن يعرفوا الأمان والطمأنينة التي تأتي مع دول جوار ذات سيادة ومستقرة ملتزمة بالتعايش». وأضاف أن عدم التوصل إلى حل سيعني «إراقة المزيد من الدم، هذه الأرض المقدسة ستبقى رمزا لخلافاتنا بدلا من إنسانيتنا المشتركة». ولكن أوباما أعلن «إنني أرفض أن أقبل هذا المستقبل».

وفي رسالة شديدة اللهجة، قال إن على الجميع أن يتحمل مسؤولية اختيار مسار السلام، مضيفا: «هذه المسؤولية تبدأ مع الأطراف الذين عليهم أن يجيبوا لنداء التاريخ». وبينما أشاد أوباما بـ«شجاعة القائدين»، أي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإنه قال إن المهام أمامهما صعبة و«مليئة بالاختبارات». وأولى هذه الاختبارات قضية النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، حيث أكد أوباما مطالبة واشنطن بمواصلة تجميد النشاط الاستيطاني، ولكنه في الوقت نفسه قال: «نحن أيضا نؤمن بأنه يجب مواصلة المحادثات حتى النهاية». وتضغط الإدارة الأميركية على الرئيس الفلسطيني بعدم التخلي عن المحادثات في حال واصلت إسرائيل رفضها بتمديد تجميد الاستيطان. وقال أوباما: «حان الوقت أن يساعد كل طرف الآخر لتخطي هذه العرقلة، والآن هو الوقت لبناء الثقة وتزويد الوقت لإحداث تقدم ملموس».

وشدد أوباما على أن «السلام يجب أن يحققه الإسرائيليون والفلسطينيون ولكن كل منا لديه مسؤولية أيضا». واعتبر أن على «أصدقاء إسرائيل أن يفهموا أن أمنا حقيقيا لدولة يهودية يتطلب فلسطين مستقلة»، وأن «أصدقاء الفلسطينيين عليهم فهم أن حقوق الشعب الفلسطيني ستكسب فقط من خلال الوسائل السلمية، بما في ذلك مصالحة حقيقية مع إسرائيل آمنة».

وفي عودة إلى مطلب سابق، طالب أوباما الدول العربية مجددا بالتواصل مع إسرائيل. وقال: «الذين وقعوا على مبادرة السلام العربية يجب أن ينتهزوا هذه الفرصة لجعلها حقيقة من خلال اتخاذ خطوات ملموسة تجاه التطبيع الذي توعد إسرائيل به». وكان من اللافت أن أوباما استخدم كلمة «التطبيع»، بينما في السابق كان يطالب بـ«تواصل» أو «اتخاذ خطوات باتجاه إسرائيل». وفي الوقت نفسه، اعتبر أوباما أن على من «يعد نفسه صديقا لفلسطين أن يدعم تعهدات الصداقة بالأفعال»، من بينها «دعم السلطة الفلسطينية سياسيا واقتصاديا» لبناء المؤسسات الفلسطينية. واعتبر أن من يريد «فلسطين مستقلة يجب أن يتوقف عن السعي لهدم إسرائيل»، معتبرا أن «وجود إسرائيل يجب ألا يكون موضوع نقاش». ودافع أوباما عن إسرائيل التي قال إنها «دولة ذات سيادة والوطن التاريخي لليهود»، في استجابة لطلب إسرائيلي بدعم واشنطن لاعتبار إسرائيل «دولة يهودية».

وفي انتقاد للجماعات المسلحة الفلسطينية، قال أوباما إن «جهود تهديد أو قتل الإسرائيليين لن تساعد الشعب الفلسطيني، وذبح الإسرائيليين الأبرياء ليس مقاومة بل ظلم». وبينما لم يذكر أوباما حماس أو جماعات مسلحة تحديدا، فإنه قال: «شجاعة رجل مثل الرئيس عباس، الذي يدافع عن شعبه أمام العالم في ظروف صعبة جدا، أكبر بكثير من الذين يطلقون الصواريخ على النساء والأطفال».

وأشاد الرئيس الأميركي بمدينة نيويورك، قائلا إن قادة العالم مجتمعون «داخل مدينة استقبلت الناس حول العالم وأظهرت أن الناس من كل عرق وإيمان ومكان منذ قرون ويمكنهم السعي للفرص وبناء الجالية والعيش بنعمة الحرية الإنسانية». ولكنه أشار إلى الأزمتين الكبيرتين التي عانت منهما الولايات المتحدة حيث انبثقتا من نيويورك، قائلا: «إحياء هذه المدينة الرائعة تحكي قصة عقد صعب، قبل 9 سنوات، دمار مركز التجارة العالمي في تهديد لم يحترم أيا من حدود الكرامة أو الأخلاق، وقبل عامين، دمرت أزمة اقتصادية في وول ستريت العائلات الأميركية». وأشار أوباما إلى الأزمة الاقتصادية مرات عدة في خطابه، قائلا: «ليس لدي أمر أهم أركز عليه كرئيس من إنقاذ اقتصادنا من كارثة محتملة»، لكنه أضاف أنه «لا يمكننا فعل ذلك بمفردنا».

وكانت هناك 3 محاور لخطاب أوباما، وهي: أولا رصد ما حققه منذ دخوله البيت الأبيض قبل 20 شهرا، وسعي الولايات المتحدة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رؤيته لما يجب أن يكون العالم عليه في هذا القرن. وفي كل قضية، شدد أوباما على أنه لا يمكنه العمل بمفرده، بل إنه يجب بناء التعاون الدولي.

وتحدث أوباما عما حققه لـ«أمننا المشترك» منذ توليه الرئاسة، ركز فيها على مواجهة تنظيم القاعدة من جهة، وإنهاء الحرب في العراق من جهة أخرى. وقال: «الولايات المتحدة تخوض حربا أكثر فعالية ضد (القاعدة) بينما تنهي الحرب في العراق». وفيما يخص سياسته في العراق، قال أوباما: «منذ تولي منصب رئاسة الولايات المتحدة سحبت نحو 100 ألف جندي من العراق وفعلنا ذلك بطريقة مسؤولة، بينما العراقيون تولوا مسؤولية أمن بلادهم»، مضيفا: «نركز الآن على بناء شراكة مستدامة مع الشعب العراقي، بينما نلتزم بتعهدنا لإزالة باقي قواتنا بحلول نهاية العام المقبل». وتابع أوباما أنه يتطلع إلى مستقبل «لا يحكم العراق طاغية أو دولة أجنبية»، من دون الإشارة إلى عدم تشكيل حكومة عراقية بعد قرابة 8 أشهر من إجراء الانتخابات به. وربط أوباما بين الانسحاب من العراق «وإعادة التركيز على هزيمة (القاعدة) ومنع شركائها من الحصول على مأوى». وكرر أوباما موقف بلاده بالعمل على «بدء تسليم المسؤولية (الأمنية) للأفغان في يوليو (تموز) المقبل». وأكد أنه «من جنوب آسيا إلى القرن الأفريقي، نحن نتحرك باتجاه هادف، وهو يقوي شركاءنا ويبطل الشبكات الإرهابية من دون استخدام جيوش أميركية كبيرة».

وربط أوباما بين هزيمة المتطرفين ومنعهم من الحصول على «أكثر أسلحة العالم خطورة»، وهي الأسلحة النووية. وعدد أوباما الجهود التي بذلها خلال أكثر من عام للحد من انتشار الأسلحة النووية بما في ذلك توقيع معاهدة «ستارت» الجديدة مع روسيا. ولكن كان تركيزه الأكبر في الحديث عن الأسلحة النووية على إيران، قائلا: «ضمن جهود منع انتشار الأسلحة النووية عرضت للجمهورية الإسلامية الإيرانية يدا ممدودة العام الماضي وشددت على أن لديها حقوقا ومسؤوليات كعضو في المجتمع الدولي، وقلت أيضا في هذه القاعة إنه يجب محاسبة إيران إذا فشلت في الالتزام بتلك المسؤوليات، وهذا ما فعلناه». وأكد أوباما أن «الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يسعيان إلى حل خلافاتنا مع إيران، والباب يبقى مفتوحا للدبلوماسية في حال قبلت إيران أن تعبره». وأضاف أن «على الحكومة الإيرانية أن تظهر التزاما واضحا وصادقا، وأن تؤكد للعالم نيتها السلمية في برنامجها النووي».

ويذكر أن وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي، كان جالسا في القاعة خلال خطاب أوباما، بينما نفت وزارة الخارجية تقارير إخبارية إسرائيلية أفادت بأن هناك لقاءات سرية بين الإيرانيين والأميركيين.

ويذكر أن مقعد الوفد الإسرائيلي بقي شاغرا خلال فترة إلقاء أوباما خطابه. ولكن أكدت مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط» أن الإسرائيليين أوضحوا مسبقا أنهم لن يشاركوا في أعمال جلسة أمس، بسبب احتفال اليهود بعيد «سكوت» (اشكاك). وغاب الوفد الإسرائيلي عن أعمال اليوم الأول من الجمعية الدولية أمس لهذا السبب.

لقطات

* تأخر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الوصول إلى قاعة الجمعية العامة لإلقاء خطابه، مما جعل سويسرا تتطوع وتملأ مكانه. وغصت قاعة الجمعية العامة ضحكا عندما تم الإعلان عن أن سويسرا تلقي الكلمة الثانية في الجمعية العامة «ليس سعيا لأن تكون قوة عالمية، بل تطوعا لملء مكان الرئيس الأميركي الذي لم يصل بعد».

* كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي ملأت مقاعدها في الجمعية العامة نساء فقط: وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، ومساعدتا أوباما؛ فالري جاريت وسامانتا باور، ومساعدة وزيرة الخارجية للشؤون المتعددة الأطراف استر بريمر.

* النقاش العام للأمم المتحدة بدأ في الساعة التاسعة صباحا بتوقيت نيويورك، ولكن ظلت الوفود تدخل قاعة الجمعية العامة لأكثر من 45 دقيقة، استعدادا لوصول الرئيس الأميركي.

* تم تحديد 15 دقيقة لكل قائد يلقي خطابه أمام الجمعية العامة.

* كانت للبرازيل الكلمة الأولى بناء على اتفاق بين الأعضاء وألقاها وزير الخارجية البرازيلي، مع انشغال الرئيس البرازيل لولا دا سيلفا بالانتخابات الرئاسية في بلاده.

* غاب الوفد الإسرائيلي عن جميع جلسات الأمم المتحدة لأن يوم أمس كان عيدا يهوديا مسمى «سكوت» بمعنى «أكشاك».