الحريري: اعتمدنا مسار العلاقات المتطورة مع سورية.. ولن نعود إلى الوراء

رفض «المساومات».. دافعا بمعادلة «المحكمة والاستقرار» مقابل «اللامحكمة أو الخراب»

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مترئسا إحدى جلسات مجلس الوزراء في بيروت أول من أمس (أ.ب)
TT

منذ حديثه الأخير لـ«الشرق الأوسط» مطلع الشهر الحالي، يجد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري نفسه تحت ضغط كبير لتقديم «تنازلات» تتعلق بالمحكمة الدولية التي تنظر في عملية اغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهو ما كان الحريري جازما في رفضه، كما في رفضه الدخول في مساومات حول «الثوابت» التي وضعها على طاولة اجتماعات كتلته المتتالية التي تعقد منذ عودته إلى بيروت مطلع الأسبوع بمعدل اجتماع واحد يوميا، بالإضافة إلى عشرات الاجتماعات التي يعقدها مع مستشاريه لتقويم الأوضاع وتقدير مكامن الخطر.

وإذ أفاد بيان عن الكتلة بأنها اطلعت من الرئيس الحريري على الاتصالات السياسية الجارية، وأجرت مراجعة في ضوئها للتطورات والمواقف الإعلامية الأخيرة، أكد المجتمعون دعمهم الكامل لما أعلنه الحريري أمس من أنه لا مساومة على المحكمة الدولية، معتبرين أن أجواء التصعيد لن تؤثر على مسار المحكمة، مؤكدين في الوقت نفسه تمسكهم بكل ما يحمي السلم الأهلي ويعزز عوامل الاستقرار في البلاد.

وقد صارح الحريري نواب كتلته كما أفاد بعضهم «الشرق الأوسط» بـ«اننا أمام وضع استثنائي، فنصف اللبنانيين يضعون حقائب سفرهم وراء الباب خشية اعتداء إسرائيلي، ونصفهم الآخر يجمع التموين خشية حرب أهلية»، مشيرا إلى أنه من المفترض أن يفهم الجميع أن «الأمن والسلم الأهلي خط أحمر، ولن نسمح بتفلت الأوضاع»، مشددا في المقابل على أنه في الوقت نفسه «لن تهتز ثوابتنا التي أكدنا عليها، وأبرزها المحكمة الدولية واستمرار مسار العلاقات الإيجابية مع سورية». وقال الحريري لنواب كتلته إن «كل من يريد التصعيد سنرد عليه، لكن ليس من خلال الذهاب إلى منطقه من خلال تصعيد مقابل، بل من أجل إعادة النقاش تحت سقف المؤسسات»، قائلا إن «مناخات التهدئة سنسير بها، والمسارات التي فتحناها مع سورية لن يعرقلها موقف أو خطاب»، في إشارة غير مباشرة إلى تصاعد الخطاب المناوئ للمحكمة من بعض القيادات اللبنانية، وبينهم من هم حلفاء مقربون لسورية كالنائب سليمان فرنجية.

ويؤكد الحريري بكل حزم ضرورة العمل على إنجاز المحكمة الدولية بوصفها نقطة إجماع لبنانية تم التوافق عليها من دون تحفظات ومن قبل جميع المشاركين في أعمال الحوار الوطني باختلاف نسخاته، سواء التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري، أو التي استكملها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة. داعيا إلى ترك الأسئلة الهامشية حولها على قاعدة «النية على من أدلى»، أي أن «على من يقول إنها إسرائيلية أن يثبت الشيء، لا أن يقدم مجموعة من الرسائل غير المقنعة عبر وسائل الإعلام، وإن كانت هذه الرسائل تخضع للتمحيص».

وتحدث الحريري عن «الجو التهويلي» القائم في البلاد، مشيرا إلى أن «مواكبته تتم عبر منع هذا الخطاب من التفجر والانفلات»، محذرا من أن هذا «المناخ يضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية»، مشددا على ضرورة أن يفهم الجميع أن «التهويل لن يفيد، وأن الحوار وحده هو السبيل الناجع لمعالجة التباينات والخلافات مهما عظم شأنها».

ونبه الحريري إلى أن لبنان يمر بمرحلة صعبة جدا على المستوى الداخلي، لكنه يمر بمرحلة أصعب بكثير على المستوى الخارجي أمام التهديدات الإسرائيلية وأجواء التشنج السائدة في المنطقة. ونقل النواب عن الحريري قوله إنه «لما اعتمدنا مسار العلاقات المتطورة مع سورية لن نعود إلى الوراء، مهما كان هناك من إشارات ورسائل، بل أن سنسعى إلى تطوير هذا المسار بقراءة إيجابية ونقدية، كما أخضعنا مواقفنا للنقد الذاتي». وإذ أشار إلى أنه «لا يوجد شيء اسمه تطابق كامل في السياسة»، قال «علينا أن نسعى إلى ضبط النقاش ووضعه في إطار المؤسسات»، مشددا على أن هذه التجربة «سنخوضها مع الحلفاء على قاعدة الإيجابية والانفتاح»، مشددا على أن «الشعب اللبناني يجب عليه ألا يخاف أو يتأزم، ولا أن يضع حقائبه وراء الباب أو يجمع التموين»، جازما «اننا لن نسمح بأي فتنة مهما عظمت التضحيات وغلت».

واستغرب عضو الكتلة النائب عقاب صقر كيف أن «أكثر من يتحدث عن الفتنة السنية - الشيعية، يحرث أرض الفتنة ويزرعها»، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مواجهة الفتنة «تكون بالوحدة وبالعمل انطلاقا من الثوابت التي اتفقنا عليها في الحوار الوطني وهي المحكمة الدولية»، مشددا على أنه «مهما قيل وحكي عن هذا الصعيد لا يمكن أن نتراجع عن ثوابتنا خطوة واحدة، ولا عن القناعات مهما ارتفعت الأصوات، وسنرد على هذه الأصوات لإسكاتها من دون أن نقوم بمثل ما قام أصحابها».

وأشار صقر إلى أن «شبكة الأمان السعودية - السورية هي لمنع أي تفجير داخلي، لكنها ليست لمعالجة كل تصريح وبيان وموقف»، مشيرا إلى «اننا نؤمن بأن هذه الشبكة هي لمصلحة لبنان أولا وأخيرا، وهذا جهد يرفع عن كاهل اللبنانيين الكثير من الأعباء، لكن هذا الجهد يواجه أحيانا بحملة تقويض منظمة»، مشيرا إلى أن هذه المظلة وضعت حدين بمثابة الخط الأحمر الممنوع تجاوزه، وهما السلم الأهلي والثوابت الوطنية.

وبدوره، كرر عضو الكتلة نفسها النائب عمار حوري أن «المحكمة ليست مجالا للمساومة والرد»، موضحا أن «ما ذهب إليه الحريري في حديثه إلى (الشرق الأوسط) كان واضحا، فهو ذهب بالملف المسمى بـ(شهود الزور) إلى أبعد مدى، وفوجئنا برد الفعل من الفريق الآخر الذي استمر في التوتير، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه». وأضاف «من مصلحة الكثير من القوى السياسية وحزب الله ذهاب المحكمة إلى خواتيمها، ومن يريد إلغاء المحكمة يريد إلغاءها بظروف ملتبسة، والحديث عن تهديدات أمنية ليس لدينا أي قرار توتيري من قبل فريقنا ولا نملك إلا منطق الدولة».

أما النائب في الكتلة نفسها هادي حبيش فقد أشار إلى أن «الحديث داخل الاجتماع كان حول الأجواء المتفق عليها، أي التمسك بالمحكمة الدولية، إذ لا مجال لأي مساومة عليها أو على القرار الاتهامي، وليس هناك من أحد يستطيع أن يدخل في مساومة مع الرئيس الحريري أو مع كتلة المستقبل أو 14 آذار حول المحكمة الدولية». وأوضح حبيش أن «الحديث داخل الاجتماع هو رد على النائب سليمان فرنجية وكل المعارضة التي تطرح وتعمل لإلغاء المحكمة الدولية»، معتبرا أن «هذا الموضوع غير مطروح في السياسة لا من قريب ولا من بعيد، ومن جهة ثانية فإن المحكمة أصبحت في عهدة الأمم المتحدة ولم تعد قرارا لبنانيا»، مؤكدًا في سياق آخر أن «أي كلام أو تهجم في حق تيار المستقبل لن نسكت عليه». وعما إذا كان الرئيس الحريري مستعدا لخوض أي حرب من أجل الدفاع عن المحكمة، أكد حبيش «عدم الاستعداد لأي حرب»، وقال «أي فتنة تحتاج إلى طرفين، وقوى 14 آذار بشقيها السني والمسيحي، لا تتكلم عن أي جوّ يؤدي إلى الفتنة، أما كلام قوى 8 آذار فهو تهديدي يؤدي إلى الفتنة».

وفي تطور آخر.. أعلن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في مقابلة صحافية نشرت أمس، أن المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري طلبت «الاستماع إلى أفراد قد يكونون قريبين من حزب الله بشكل أو بآخر».

وقال قاسم في حديث إلى مجلة «الأفكار» الأسبوعية إن «طلبا جديدا حصل بعد شهر رمضان المبارك» من المحكمة الخاصة بلبنان للاستماع إلى «أفراد قد يكونون قريبين من حزب الله بشكل أو بآخر». وأضاف «لكن كل شيء معلق بهذا الخصوص»، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.