الشقيقان ميليباند يتنافسان على زعامة «العمال» في بريطانيا

زعيم المعارضة يواجه إرث «بلير وبراون» المثقل بالانقسامات

TT

في أعقاب الهزيمة التي مني بها حزب العمال في انتخابات مايو (أيار) الماضي، جاب خمسة مرشحين، لخلافة غوردون براون، زعيم الحزب السابق، بريطانيا، تحدثوا في أكثر من 60 تجمعا حزبيا سعيا لإقناع المجمع الانتخابي الضخم بقدرتهم على إعادة بعث الحزب بعد 13 سنة منهكة في السلطة.

وقبل إعلان النتائج (اليوم)، تشير الاستطلاعات بقوة إلى انحصار زعامة الحزب بين الشقيقين ديفيد وإد ميليباند، خريجي جامعة أكسفورد، اللذين عملا وزيرين سابقين في حكومة براون، وهما ابنا المفكر الماركسي رالف ميليباند، الذي وصل إلى بريطانيا في الأربعينات على متن آخر السفن التي غادرت بلجيكا قبل تقدم القوات النازية.

طريق حزب العمال في العودة إلى داونينغ ستريت ربما يكون شاقا، خاصة مع اقتراح التحالف الحاكم لحزب المحافظين والديمقراطيين الأحرار قانونا جديدا يحدد موعد الانتخابات المقبلة في مايو 2015.

وحتى السعي لزعامة حزب العمال صار أيضا نضالا شاقا نتيجة للامبالاة الجمهور، الذي يبدي اهتماما أكبر، حسب تصريحات ديبورا ماتينسون، إحدى معدات استطلاعات الرأي في حزب العمال في مقابلة تلفزيونية بداية الشهر الحالي، بالخطط الحكومية لخفض الإنفاق العام، ولا يعلمون سوى القليل عما يجري في حزب العمال.

وربما يرجع السبب في انصراف البريطانيين عما يجري داخل حزب العمال، في بعض منه، إلى نظامه الانتخابي المعقد، الذي يعطي أهمية متساوية لاختيار قائد جديد في مجموعات الحزب الثلاث؛ هم أعضاء البرلمانات البريطانية والأوروبية وأعضاء حزب العمال وأعضاء النقابات العمالية. وتشكل هذه المجموعات الثلاث الدائرة الانتخابية لما يقرب من ثلاثة ملايين عضو بالحزب.

ويعتقد أن يكون ديفيد ميليباند المتسابق الأوفر حظا بين أعضاء البرلمان، في حين يتوقع أن ينجح أخوه ذو التوجهات اليسارية في الفوز بأصوات النقابات العمالية. بيد أن ما أثار دهشة الجمهور البريطاني، هو مشهد منافسة الأخوين على مقعد رئيس الحزب. فبدا ديفيد ميليباند (45 عاما) مندهشا، على الرغم من نفيه ذلك علنا، وممتعضا إلى حد ما عندما أعلن أخوه إد (40 عاما) ترشيح نفسه للمنصب الذي كان يعتبر على نطاق واسع مستحقا لشقيقه الأكبر.

دخل ديفيد ميليباند السباق كمتصدر واضح منذ البداية، حيث عمل وزيرا للخارجية ثلاثة أعوام في حكومة براون، ويشتهر بعقلانيته الشديدة، التي تشوبها الحدة في بعض الأوقات، كما عمل رئيسا لوحدة السياسة في مجلس الوزراء إبان حكومة توني بلير، وكان عضوا في المطبخ السياسي الوزاري الذي قدم مشروع «حزب العمال الجديد»، الذي أعاد تشكيل الحزب من جذوره، في محاربة الصراع الطبقي، إلى حزب مؤيد للشركات والطبقة الوسطى، وهي التركيبة التي منحت بلير الفوز ثلاث مرات بمنصب رئيس الوزراء.

لكن الصيغة الجديدة خضعت لضغوط متزايدة على مدار السنوات اللاحقة، مع تزايد اعتقاد الكثير من أعضاء الحزب بأنه تعرض للاختطاف على يد بعض قادته الذين سعوا إلى خدمة مصالحهم الذاتية، مبتعدين تماما عن جذور الحزب الصناعية.

كان التعبير الأصدق عن هذه الضغوط تلك العداوة بين بلير وبراون المؤيد لوجهة «حزب العمال القديم»، الذي عمل جاهدا، بحسب ما ذكره بلير في سيرته الذاتية التي نشرت مؤخرا، لإزاحة بلير من منصبة كرئيس للوزراء.

كان إد ميليباند أحد أعضاء معسكر براون، إذ عمل معه كمستشار خاص في وزارة المالية. ونجح في الانتخابات البرلمانية في عام 2005، وتم ترشيحه لتولي منصب وزاري في حكومة براون عام 2007، بعد إقصاء بلير، إثر انقلاب عليه داخل الحزب قاده براون، حيث شغل منصب الوزير المسؤول عن مكتب مجلس الوزراء، ليحصل على صلاحيات واسعة في الوزارات الحكومية. وتولى فيما بعد وزارة الطاقة، وهو المنصب الذي أكسبه الدعم وسط جماعات البيئة البريطانية.

المسارات السياسية المختلفة للأخوين عكست الاختلافات الواسعة داخل الحزب. فقد اعتنق كلا الرجلين نهجا من السياسات البرلمانية التي تتناقض وقناعات والدهما، أما والدتهما ماريون كوزاك المهاجرة المولودة في بولندا في بداية الخمسينات فلا تزال نشطة في حزب العمال. وقد توفي والدهما رالف ميليباند عام 1994، ودفن إلى جانب كارل ماركس في مقبرة هاي غيت في لندن.

ويتابع كثيرون داخل حزب العمال عن كثب ما إذا كانت المنافسة ستؤدي إلى شقاق حاد بين الأخوين، لكن الأخوين يعلنان عن ترابطهما بعد كل خلاف علني حاد. حافظ ديفيد على موقفه الوسطي الذي أسهم في تصدره بفارق كبير عن شقيقه والمرشحين الثلاثة الآخرين من مؤيدي حزب العمال القديم، وهم الوزيران السابقان إد بولز وآندي بورنهام، والبرلمانية البارزة ديان آبوت، أول سيدة سوداء تسعى لتزعم حزب في بريطانيا. وقد أظهرت استطلاعات الرأي وجود فارق كبير بين الأخوين ميليباند والثلاثة الآخرين.

وبعد المؤتمر السنوي للحزب الذي يفتتح غدا في مانشستر (شمال)، سيتعين على زعيمه الجديد مواجهة الانقسام حول الاستراتيجية التي يتعين اعتمادها لاستعادة السلطة التي بات يشغلها تحالف الأحرار - الديمقراطيين والمحافظين. ومن أبرز نقاط الاختلاف، خطط الحكومة لخفض الإنفاق، أي ما يعني خسارة عشرات الآلاف من الوظائف في القطاع العام، وتعثر الاقتصاد في الإنفاق على الرفاهية، وكلاهما أمر تبغضه النقابات، التي تقدم أكثر من نصف تمويل حزب العمال، إضافة إلى قطاعات كبرى من ناخبي الحزب.

وقال توني ترافرز الخبير السياسي في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية: «في الحقيقة، يتعين على زعيم حزب العمال الحفاظ على التوازن الهش الذي يربط حزب العمال مع فرض قوة معارضة فعالة، وأن يسعى أيضا إلى إعادة كسب الناخبين التقليديين لحزب العمال والطبقة الوسطى. إنه تحد كبير». وأضاف: «يتعين عليهم في الواقع القيام بعمل أساسي على الأمد البعيد، والاستعداد لخمس سنوات من المعارضة». وتابع هذا الخبير السياسي أن «بريطانيا ديمقراطية مركزية»، و«حزب العمال لن يفوز إذا لم يتمركز بشكل واضح وسط المشهد السياسي».

ويشاطره هذا الرأي أيضا رئيس الوزراء الأسبق، توني بلير، الذي اعتبر في سيرته الذاتية الصادرة الشهر الحالي، أن هزيمة حزب العمال في مايو الماضي ناجمة عن «تخلي الحزب عن أن يكون حزب العمال الجديد» خلال فترة قيادة براون. وقد أسهم تيار كينيسين (الذي يشجع الطلب على حساب خفض العجز العام) بزعامة براون، على ما يبدو في فوز المحافظين في انتخابات مايو، كما قال بلير الذي حذر من خطر: «مزيد من الانحراف نحو اليسار». وقال توني بلير: «إذا فعلنا ذلك سنمنى بهزيمة أخرى في المرة المقبلة. إذا اكتفى حزب العمال بتوجيه النقد إلى المحافظين حول الاقتطاعات في الموازنة»، ووصف الليبراليين الديمقراطيين بأنهم متعاونون، فإنه سيجني منافع على الأمد القصير، لكنه سيخسر كل فرصة لأن يتم اختياره بديلا.

ويرى ديفيد ميليباند ضرورة تحلي حزب العمال بالواقعية بشأن الحاجة إلى خفض عجز ميزانية بريطانيا البالغ 240 مليار دولار سنويا، بينما كان إد والمرشحون الآخرون أكثر حدة في القول إن خطط الحكومة الجديدة تسعى إلى مهاجمة فقراء بريطانيا.