المعتقلة الأميركية السابقة في إيران: المحققون اتبعوا معي سياسة الشرطي الطيب والشرير

سارة شورد: جعلوني أكتب قصة حياتي عدة مرات.. واستخدمت العربية للتحدث مع الحراس

المعتقلة الأميركية السابقة سارة شورد. وهي تروي تفاصيل احتجازها من قبل السلطات الإيرانية. في نيويورك أول من أمس (أ.ب)
TT

مرت أيامها الـ410 من الحجز الانفرادي داخل أحد السجون الإيرانية في ملل شديد، لكن سارة شورد اختارت التركيز على لحظات المتعة القليلة المتمثلة في عرض حبيبها عليها الزواج واحتفالها بعيد ميلادها بتناول كعكة شوكولاته.

كانت سارة وخطيبها شين بوير وصديقهما جوش فاتال قد ألقي القبض عليهم عام 2009 أثناء تسلقهم الجبال قرب الحدود الإيرانية - العراقية. وتحدثت شورد عن تجاربها خلال مقابلة أجرتها معها «أسوشييتد برس»، وذلك في واحدة من أولى المقابلات الإعلامية لها منذ إطلاق سراحها في 14 سبتمبر (أيلول) بعد تدخل مسؤولين عمانيين بدور وساطة. وقالت شورد إن أحد أسعد أيامها كان الاحتفال بعيد ميلادها الـ23 الشهر الماضي، حيث تمكن مرافقاها اللذان لا يزالان محتجزين في سجن «إيفين» الإيراني سيئ السمعة، بطريقة ما، من إقناع أحد الحراس بتقديم كعكة لشورد، بل وعثرا على سبيل للتمتع بنفحة من الحرية. وتحدثا إليها عن يوم خيالي كامل أطلقا عليه «نزهة الحرية» - منذ الاستيقاظ باكرا وتناول كعك محلى، ثم التوجه إلى بحيرة والتوجه بعد ذلك إلى شقة والدتها.

وقالت شورد «لقد جلبا جميع الصور التي كانت بحوزتنا لعائلاتنا ووضعاها في هذه الصناديق. وبذلك، كان الجميع حاضرين، وكانت حفلة مفاجئة. كان أمرا رائعا»، وأضافت بصوت متهدج «لقد غلبني البكاء».

ومع ذلك، سيطر الملل، وأيضا الرعب، على معظم أيام السجن. وأشارت سارة إلى أنها وبوير وفاتال تعاهدوا عندما كانوا معصوبي الأعين داخل عربة نقل السجناء في أعقاب إلقاء القبض عليهم بفترة وجيزة، أنه حال فصلهم عن بعضهم بعضا، سيشرعون في الإضراب عن الطعام حتى يعاد جمع شملهم.

وبالفعل، امتنعت سارة عن تناول الطعام لأربعة أيام في وقت كانت محتجزة فيه في زنزانة بمفردها، وبمرور الوقت ازدادت هزالا. في السجن، عكفت على مراجعة أحداث آخر يوم تمتعت خلاله بنسيم الحرية باستمرار، متسائلة عن التصرفات المختلفة التي كان بمقدورهم اتخاذها، مثلا، ماذا لو أنهم عندما سألوا أحد باعة الشاي بالقرب من شلال مائي عن السبيل لتسلق الجبال، اتخذوا طريقا مغايرا لما ذكره؟

في اليوم الرابع، تم جمع شمل متسلقي الجبال الثلاثة لخمس دقائق. حينئذ، بدأت سارة في تناول الطعام مجددا، لكن في هذا الوقت كانت أيام سجنهم لا تزال في بدايتها فحسب. ومع وجودها بمفردها في زنزانة السجن، بدأت سارة تستعيدا جداول الضرب الحسابية في ذهنها، ورأت في ذلك السبيل الوحيد كي تبعد عن ذهنها التفكير في والدتها، وما إذا كانت تدري أين هي، وحجم القلق الذي تشعر به، وما إذا كانت ستراها مجددا أم لا. وذكرت شورد أنها عندما كانت تفكر في والدتها، كانت تبدأ في الانهيار. وقالت «كان يتعين علي التأكد من أنني قوية عندما كنت أدخل إلى غرفة التحقيق لرغبتي في التأكد من أنهم لن يتلاعبوا بي بحيث يدفعونني لقول أي شيء لا أرغب في التفوه به». وراودتها تساؤلات حول ما إذا كانت ستتعرض للإيذاء، وما إذا كان باب الزنزانة سيفتح فجأة ويجري سحبها إلى الخارج.

بدلا من ذلك، قدمت إلى زنزانتها بضع مرات يوميا حارسة حاملة معها ملابس إضافية وعصابة على العينين، بحيث لا ترى وجوه مستجوبيها عند دخولها غرفة التحقيق. وذهلت سارة من سياسة «الشرطي الطيب والشرطي الشرير» التي اتبعوها في التعامل معها، مثلما يحدث في المسلسلات التلفزيونية الأميركية التي اعتادت مشاهدتها في الوطن. وأجبروها على كتابة جميع تفاصيل حياتها، بداية من طفولتها في لوس أنجليس إلى الفترة التي عاشتها مع بوير في سورية، وهو من أبناء مينيسوتا وعمل صحافيا حرا. أما فاتال فنشأ في بنسلفانيا وقدم إلى الشرق الأوسط لزيارتهما.

وأضافت أنها على مدار أكثر من شهرين، كتبت مئات الصفحات. وعندما كانت تنتهي من كتابة إجابة عن سؤال لأحد المحققين، كان يجيبها بأن «هذه ليست إجابة مرضية»، ويمزق ما كتبته. وعليه، كانت تشرع في الكتابة من جديد، ومرة أخرى تسمع صوت تمزيق الأوراق. وقالت «كنت أكتب الأشياء نفسها في كل مرة». وسألها المحققون عن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها واتصالاتها عبر موقع «سكايب»، بحثا عن أي مؤشرات توحي بأنها كانت تنوي الذهاب إلى إيران.

وقالت سارة شورد إنها شعرت بالشوق للجبال الخضراء في بلادها بعد عام قضته في سورية، وإنها سمعت هي وبوير من أصدقاء لهما عن الأراضي الخضراء المزدهرة بشمال العراق التي لم تمسها الحرب في معظمها. وعليه، قررا السفر، ومعهم فاتال، إلى شلالات أحمد أوه، حيث عثروا على مئات الأسر الكردية تتناول الطعام في مطاعم وتخيم بالمنطقة. ظهر أول مؤشر يوحي باقترابهم من الحدود الإيرانية بعد ثلاث ساعات من تسلقهم الجبال، عندما قابلوا مسؤولين إيرانيين على ممر يبدأ من الشلالات. بحلول ذلك الوقت، كان أوان التراجع قد فات. وحاولت سارة مقاومة احتجازها في البداية، حيث عمدت إلى الصراخ والصياح والتوسل باستمرار لمحتجزيها من أجل إجراء مكالمة هاتفية. وتم احتجازها في زنزانة مساحتها 10 أقدام في 5 أقدام (3 أمتار في 1.5 متر). في الليل، يختفي شعاع الشمس الباهت العابر إلى الزنزانة من خلال النافذة، لكن تبقى الأنوار مضيئة. أما بوير وفاتال فقد سجنا معا في زنزانة واحدة. في البداية، سمح للأميركيين الثلاثة برؤية بعضهم بعضا لمدة 30 دقيقة يوميا، ثم ساعة، ثم ساعتين.

وكان لدى الثلاثة تلفزيون محلي، يبث نشرة أخبار بالإنجليزية لمدة 15 دقيقة يوميا. وقد تسلموا حزمة من الخطابات من ذويهم مرة شهريا تقريبا. وتوافرت لديهم كتب بالإنجليزية. وكانت شورد تقرأ القرآن، واستغلت معرفتها البسيطة بالعربية في الحديث إلى بعض حراسها الناطقين بالفارسية حول الدين. وحرصت شورد طوال اليوم على مراجعة تفصيلات في ذاكرتها لقصها على رفيقيها. في البداية، قضى الثلاثة اليوم بأكمله في ما وصفوه بـ«العروض الثانية» - وهي مراجعة جميع الذكريات في أذهانهم بتفصيل دقيق. وعندما نفد مخزونهم من الذكريات شرعوا في تصور أحلام عن المستقبل وماذا كانوا سيفعلون لو كانوا أحرارا. وكانت بعض الخطط أكبر من غيرها.

مساء أحد الأيام، طلب بوير من فاتال البقاء داخل زنزانتهما خلال الفترة المخصصة للنشاط الخارجي، بحيث يتمكن هو وشورد من قضاء بعض الوقت معا بمفردهما. وجلس الاثنان على حصيرة مصنوعة من الصوف، بينما تزحف الصراصير حولهما، وامتلأ الجو بالغبار، وأمسك بيدي بعضهما بعضا، وطلب بوير منها الزواج، وتبادلا خاتمي الخطوبة اللذين صنعهما من خيوط رفيعة. وعلقت شورد على الموقف بقولها «ليست هذه الصورة الرومانسية التي يتخيلها أي شخص آخر، لكن الموقف كان رومانسيا بالنسبة لي». الآن، وبعد استعادتها حريتها، تستعد شورد للظهور ببرنامج أوبرا وينفري والقيام بجولة عبر الكثير من الاستوديوهات التلفزيونية، ولا يزال الخاتم المصنوع من الخيط حول إصبعها. واعترفت شورد بأن شعورا بالذنب يراودها في بعض الأحيان، لكنها تحاول تجاهله، خاصة أنها تعلمت في السجن كيفية تجاهل المشاعر السلبية. وكثيرا ما تفكر في رفيقيها وما أبدياه من رباطة جأش ودعم لها لدى علمهما بأنها سيطلق سراحها. ولا تزال تجهل هوية من دفع كفالتها التي بلغت 500.000 دولار، إلا أنها ذكرت أن مسؤولا عمانيا أخبرها بأن مواطنا إيرانيا حاول رهن منزله ليسدد كفالتها.

من ناحيته، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في وقت سابق إنه يأمل أن يتمكن بوير وفاتال من تقديم أدلة تثبت «حسن نواياهما لدى اجتيازهما الحدود»، بحيث يمكن إخلاء سبيلهما.

وكانت إيران قد وجهت اتهامات لهما بالتجسس، الأمر الذي قد يترتب عليه عقد محاكمة لهما ومحاكمة غيابية لشورد، رغم أنها قالت إنها لا تستبعد إمكانية عودتها للمثول أمام المحكمة. وأبدت سارة رغبتها في أن يرى العالم بوير وفاتال اللذين قضيا أياما طويلة في مساحة بالغة الضيق. وقالت إنهم حرصوا على ممارسة تدريبات ذهنية للحفاظ على رشدهم، ومرت عليها أيام أجبرت نفسها فيها على القفز أو العدو رغم انسياب الدموع على خديها.

أما رفيقاها فتميزا بدرجة أكبر من الابتكار، حيث عمدا إلى رفع سريريهما، وتخزين زجاجات المياه وصبها في أكياس ثم ملئها مجددا. وبدا أنهما عقدا العزم على التحلي بالقوة. واعترفت سارة بأن جزءا منها يتمنى لو أنها ظلت معهما، فهي بالخارج عاجزة عن حمايتهما، ولا تدري ما إذا كانت الكتب لا تزال متوافرة لهما وما إذا كان الحراس لا يزالون يعاملونهما برفق أم لا. وأكدت أن «الأمر الوحيد الذي يضفي معنى على حريتي أنني أقوم بهذا العمل، لأنني شعرت بداخلي بأنه ليس هناك ما يمكنني فعله في الخارج هنا، لولا أن هناك سبلا كثيرة متنوعة يمكنني إفادتهما عبرها.. ولولا ذلك، كنت سأفضل البقاء معهما».