السعودية تطالب بتقييد استعمال حق النقض للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن

أكدت استعدادها للإسهام بخبرتها في برنامج تأهيل الموقوفين بتهمة الإرهاب

TT

طالبت السعودية بتقييد استعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن بحيث تتعهد الدول دائمة العضوية بعدم استخدامه فيما يتعلق بالإجراءات التي يقصد بها تنفيذ القرارات التي سبق لمجلس الأمن إقرارها.

وأكدت السعودية أن تعزيز وتفعيل التعاون بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من جهة والمنظمات الدولية والوكالات الإقليمية من جهة أخرى لمواجهة ظاهرة الإرهاب سيسهم في التصدي للإرهابيين ومخططاتهم التي تتعارض مع جميع تعاليم الديانات السماوية التي تدعو إلى التسامح والسلم والاحترام وتحرم قتل الأبرياء، وعبرت عن اعتزازها بأنها كانت من الدول الموقعة على ميثاق سان فرانسيسكو الذي بموجبه تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة وأكدت ضرورة وضع مبادئ الأمم المتحدة وما تضمنه ميثاقها موضع التنفيذ العملي والفعلي بعيدا عن ازدواجية المعايير وانتقائية التطبيق على أن يشمل تحديث وتطوير الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها، إعطاء الجمعية العامة دورا أساسيا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أسوة بمجلس الأمن.

جاء ذلك في كلمة المملكة العربية السعودية أمام الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حاليا في نيويورك، التي ألقاها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس الوفد السعودي في هذه الدورة.

وأكد الأمير سعود الفيصل أن بلاده تؤمن بأهمية الالتزام الجماعي الكامل بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة والأهداف النبيلة التي من أجلها وضع ميثاقها، من تنظيم للعلاقات بين الدول، وتحقيق للأمن والسلم الدوليين، واحترام لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية، ونبذ للعنف والتطرف بجميع أشكالهما وصورهما، مبينا أن هذه المقاصد تتفق كل الاتفاق مع الشريعة الإسلامية السمحة، حيث إن رسالة الإسلام الخالدة توحد ولا تفرق، تعدل ولا تظلم، تساوي ولا تميز، وتحث على التعاون بين جميع سكان المعمورة لما يحقق خيرهم وسعادتهم ويحفظ حقوقهم وكرامتهم.

وقال إنه من هذا المنطلق فإن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز «تؤكد على ضرورة وضع مبادئ الأمم المتحدة وما تضمنه ميثاقها موضع التنفيذ العملي والفعلي بعيدا عن ازدواجية المعايير وانتقائية التطبيق. كما تدرك حكومة بلادي أهمية تحديث وتطوير الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لتمكينها من الاضطلاع بالدور المناط بها. إن الإصلاح المنشود يتم بإعطاء الجمعية العامة دورا أساسيا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أسوة بدور مجلس الأمن، إن المملكة لتؤكد على ضرورة اقتران ذلك بتوافر الجدية والمصداقية عبر احترام مبادئ الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي ومقتضيات العدالة الدولية. ومن الإصلاحات المهمة في هذا المجال أن يتم تقييد استعمال حق النقض بحيث تتعهد الدول دائمة العضوية بعدم استخدامه فيما يتعلق بالإجراءات التي يقصد بها تنفيذ القرارات التي سبق لمجلس الأمن إقرارها. ومن المهم كذلك تعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ودعم التنسيق بين صناديق الأمم المتحدة وبرامجها وأنشطتها».

وأضاف: «لقد آلمنا أشد الألم ما أصاب إخوتنا في باكستان من فيضانات كارثية شردت مئات الألوف وهدمت بيوتهم وجرفت مزارعهم وغمرت قراهم. والمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين لن تدخر جهدا لمساعدة المنكوبين وإغاثة الملهوفين والتخفيف من معاناة المحتاجين، والاستمرار في إرسال المساعدات المادية والعينية والمستشفيات الميدانية وطواقم الإنقاذ والإسعاف بكل الوسائل الجوية والبرية، وذلك في إطار التزام المملكة بدورها الإنساني في مساعدة الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية، بل وحتى التي من صنع البشر، الناجمة عن الحروب والنزاعات المسلحة، وسجل المملكة يقف شاهدا على مساهماتها في مجالات الإغاثة والطوارئ، وانتهز هذه الفرصة لمناشدة الأسرة الدولية للمبادرة بكل ما يلزم لتتضافر جهود المجتمع الدولي بأسره في مد يد العون والغوث بشكل عاجل وفاعل لجميع المتضررين من الكوارث والحروب بما يؤكد وحدة البشرية وتعاونها وتكاتفها في مواجهة المصائب والنكبات».

وأشار وزير الخارجية السعودي في كلمة بلاده إلى أن مشكلة الشرق الأوسط تظل إحدى أكبر المشكلات التي تقف عائقا أمام الأمن والسلم الدوليين، كما أن الاستعمار الإسرائيلي يكاد يكون الوحيد القائم في العالم بعد انتهاء عهود الاستعمار وانحسار سياسة التفرقة العنصرية، وقال: «لقد أيد العرب بكافة دولهم، وعبر جامعة الدول العربية، جميع المبادرات والجهود الرامية لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، وذلك منذ مؤتمر مدريد وحتى يومنا الحاضر، وأعلنوا مرارا وتكرارا عن التزامهم بالسلام خيارا استراتيجيا، بل وتقدموا منذ ما يزيد على العشر سنين بخطة سلام شاملة تستند حرفيا وكليا على مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتكفل حق جميع الدول بالعيش في أمن وسلام، وتؤسس لعلاقات طبيعية بين جميع الدول العربية، بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة، وإسرائيل». واستطرد: «وقد شاركت بلادي بدور فاعل ومؤثر في دعم مسيرة السلام طيلة هذه المدة، وشاركت في جميع مؤتمرات السلام الدولية، وقدمت مبادرة السلام العربية التي لم يقتصر تبنيها على الدول العربية بل وشمل الدول الإسلامية وأيدتها تقريبا جميع دول العالم. ومن هذا المنطلق يأمل العرب أن تحقق المباحثات المباشرة أهدافها على ضوء دعوة الرباعية الدولية التي أكدت مجددا على مرجعيات عملية السلام المجمع عليها دوليا».

وشدد الأمير سعود الفيصل على أن «ساعة الحقيقة قد أزفت، ومفترق الطرق يلوح أمامنا جميعا، وهو ما عبر عنه بكل وضوح وجلاء الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوله (إن نافذة حل الدولتين قد تغلق عما قريب. ولذلك فإن عواقب الفشل لا يمكن تخيلها) ونأمل جميعا أن تغتنم حكومة إسرائيل هذه الفرصة الثمينة التي توفرها المفاوضات المباشرة والتي قد لا تتكرر في المستقبل القريب، وذلك بأن تستجيب ولو متأخرة لليد العربية الممتدة للسلام، وأن تؤكد أنها شريك حقيقي قادر على صنع السلام عبر الانخراط بجدية في الإجماع الدولي القائم على ضرورة تحقيق حل الدولتين بما ينهي هذا النزاع الدامي الذي استمر يهدد الأمن والسلم الدوليين منذ ستة عقود. وهذا لا يتطلب من إسرائيل سوى أن تعيد الحقوق المغتصبة لأصحابها، وأن تلتزم مثل بقية دول العالم بمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك وقف كافة الأنشطة الاستيطانية التي تسعى لتغيير الوقائع على الأرض مما من شأنه تقويض عملية السلام وإفراغ المفاوضات من مضمونها».

وأكد رئيس الوفد السعودي أن حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون ونشر ثقافة السلام ومبادرات الحوار فيما بين الثقافات والشعوب «تعد عناصر أساسية في أي استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وفي أي جهد مثمر لمنع اندلاع الحروب والصراعات التي كثيرا ما تغذت من دماء بني الإنسان وسببت له المآسي والكوارث»، وقال: «غني عن القول إن احترام قرارات الشرعية الدولية ومبادئها هو السبيل الوحيد لحل النزاعات الدولية المزمنة والقضاء على بؤر التوتر، مما يحرم الإرهابيين من استغلال مشاعر اليأس والإحباط الموجودة بسبب التعرض للظلم والعدوان والاحتلال».

«ولهذه الأهداف النبيلة بادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بإطلاق دعوته الصادقة والشاملة لتبني نهج الحوار بين جميع أتباع الأديان والثقافات التي تتكون منها الأسرة الدولية، (وهي المبادرة التي حظيت بمباركة جمعيتنا الموقرة في اجتماعها رفيع المستوى لنشر ثقافة الحوار والسلام في الدورة الثالثة والستين). وتجري الآن جهود حثيثة لتأسيس مركز عالمي للحوار يضم ممثلين عن جميع الأديان الأساسية، ويعمل بكل استقلالية بمعزل عن أي تدخلات سياسية».

وبين أن تعزيز وتفعيل التعاون بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من جهة والمنظمات الدولية والوكالات الإقليمية من جهة أخرى لمواجهة ظاهرة الإرهاب «ستسهم في التصدي للإرهابيين ومخططاتهم التي لا يمكن تبريرها أو ربطها بعرق أو دين أو ثقافة، بل إنها تتعارض مع جميع تعاليم الديانات السماوية التي تدعو إلى التسامح والسلم والاحترام وتحرم قتل الأبرياء».

موضحا أن المملكة العربية السعودية قدمت العديد من الإسهامات في مجال مكافحة الإرهاب لتعزيز الجهود الرامية لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة «حيث عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في مدينة الرياض في فبراير (شباط) 2005 حضره خبراء ومختصون من أكثر من 60 دولة ومنظمة دولية وإقليمية. وقد أكد (إعلان الرياض) الصادر عن المؤتمر على وحدة الإدارة الدولية في مواجهة الإرهاب والتطرف، وتبني دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة وهي الدعوة التي أيدتها العديد من الإعلانات الدولية مثل قمة الدول العربية وقمة دول أعضاء المؤتمر الإسلامي والقمة العربية - اللاتينية والدول أعضاء حركة عدم الانحياز». كما أشار إلى أن بلاده قامت بتأسيس مراكز لتأهيل الموقوفين بتهمة الإرهاب والعائدين من معتقل غوانتانامو «لمناصحتهم وتصحيح أفكارهم التي عبث بها الفكر الضال ومحاولة دمجهم في النسيج الاجتماعي ومساعدتهم ماديا وتأهيلهم للعمل الشريف المنتج، وفي هذا الإطار فإن المملكة العربية السعودية على استعداد تام للمساهمة بخبرتها في برنامج التأهيل لمن يرغب في ذلك من دول العالم الأخرى».

وأعلن أن السعودية تشاطر المجتمع الدولي القلق من انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج وخصوصا الأسلحة النووية، وفيما يتعلق ببرنامج إيران النووي «فإن المملكة تؤكد على أهمية حل الأزمة بالطرق السلمية، وتؤيد في ذلك جهود مجموعة (5+1) في هذا الاتجاه، والرامية إلى كفالة حق إيران ودول المنطقة في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها، وندعو إيران إلى الاستجابة لهذه الجهود، الأمر الذي من شأنه حل الأزمة، وإزالة الشكوك الدولية حول برنامجها النووي». وقال: «إن المفتاح الحقيقي للحل النهائي والفاعل لمشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط التي كثيرا ما عانت من ويلات الحروب التي استخدمت فيها كافة الأسلحة الفتاكة يكمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك إسرائيل. وتشعر حكومة بلادي بالقلق الشديد إزاء رفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وبقاء برامجها النووية خارج نطاق الرقابة الدولية الأمر الذي يشكل تهديدا خطيرا لأمن واستقرار المنطقة ويرسخ الانطباع السائد بعدم جدية ومصداقية الجهود الدولية التي تعاني من ازدواجية المعايير وانتقائية التطبيق».

وأكد حرص السعودية وشقيقاتها الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية على إقامة علاقات ودية مع جمهورية إيران الإسلامية، وقال: «من هذا المنطلق فإننا نتطلع إلى حل موضوع الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، بالطرق السلمية وفقا لمبادئ القانون الدولي بما في ذلك قبول خيار إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية».

وأوضح الأمير سعود الفيصل بأن حكومة خادم الحرمين الشريفين تولي جل اهتمامها وعنايتها بالجهود الرامية لتحقيق أهداف الألفية الإنمائية، وتركز على الحد من الفقر، ومكافحة الأمراض المعدية التي تفتك بالبشرية دون هوادة. «وفي هذا السياق تناشد المملكة الدول القادرة على الالتزام بما تعهدت به والمساهمة بالوفاء ببقية الأهداف التي قررتها الأمم المتحدة قبل عام 2015م».

وقال وزير الخارجية السعودي إن قيمنا الإسلامية وعاداتنا العربية تمنعنا من نشر تفاصيل ما تقدمه بلادي لمساعدة الآخرين عبر العالم. وقال: «باختصار تعد المملكة العربية السعودية دولة مانحة وشريكا رئيسا في التنمية الدولية، إذ تشارك بلادي بكل مسؤولية وفاعلية في مجموعة أصدقاء اليمن، ومجموعة أصدقاء باكستان، ومجموعة أصدقاء أفغانستان، وفي كافة المبادرات الدولية الهادفة لمساعدة الدول الأكثر احتياجا، وبلغ إجمالي المساعدات التي قدمتها المملكة إلى الدول النامية خلال الفترة (1973 - 2009م) أكثر من 99.75 مليار دولار أميركي، استفادت منها أكثر من 95 دولة، وقد زادت مساعدات المملكة للدول النامية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال تلك الحقبة عن ضعف النسبة المستهدفة للعون الإنمائي من قبل الأمم المتحدة من الناتج الإجمالي للدول ألمانحة».

وبين أن مساعدات المملكة تتوزع بين آليات مختلفة، منها المنح والهبات، والقروض الميسرة، ومساعدات الإغاثة هذا بالإضافة إلى الإعفاءات من 6 مليارات دولار من الديون المستحقة، «وقد ساهمت المملكة بمبلغ مليار دولار في صندوق مكافحة الفقر في العالم الإسلامي، إضافة إلى مساهمتها في رؤوس أموال 18 مؤسسة وهيئة مالية دولية». مؤكدا تجديد دعوة بلاده للدول الصناعية المتقدمة للوفاء بما هو مطلوب منها سواء في مجال نسب المساعدات المباشرة أو في مجال الإعفاء من الديون المترتبة على الدول الأكثر احتياجا أو في مجال فتح أسواقها أمام صادرات الدول النامية دون قيود غير مبررة. وكان وزير الخارجية السعودي أشاد في مستهل الكلمة بجهود الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المتواصلة في إدارة هذه المنظمة الدولية ونشر رسالتها الرامية لتحقيق الأمن والسلام في عالمنا المعاصر الذي ما زال يعاني صنوفا عديدة من الصراعات والتحديات والأزمات.