أعضاء البرلمان الجديد يستمتعون بإجازة «مريحة» حتى الانتهاء من أزمة الحكومة

يتقاضون رواتبهم كاملة بقيمة 11 ألف دولار شهريا.. ويقضون وقتهم في السفر وحضور المناسبات الاجتماعية

يلتقي عدد من أعضاء البرلمان يوميا في مبنى البرلمان بدعوة من نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي لبحث قضايا مختلفة («الشرق الأوسط»)
TT

منذ أكثر من 6 أشهر ماضية، ألقى ملايين العراقيين بمخاوفهم جانبا بشأن القنابل والرصاص، ومضوا نحو صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم. وداخل منازل تفتقر إلى إمدادات ثابتة من المياه، ظلت علامات الحبر البنفسجي التي تصعب إزالتها على أصابع الناخبين لفترة تجاوزت الأسبوع. ومنذ ذلك الحين، شاهد الناخبون الشتاء يرحل ليحل محله الربيع، ثم جاء الصيف وتبعه الخريف، ورغم ذلك ظل من انتخبوهم من دون قائد. ولا يزال العراقيون في انتظار توصل الأحزاب التي انتخبوها لاتفاق حتى يتمكنوا من الشروع في العمل. وفي الوقت الذي اتسمت فيه شهور الصيف بتفاقم في أعمال العنف والشغب بسبب نقص الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والخدمات الأساسية الأخرى، عاش أعضاء البرلمان في بغداد في حلم يراود أي عامل، حيث نالوا عطلة تجاوزت 200 يوم (ولا تزال مستمرة)، مع تمتعهم بكامل أجرهم والمخصصات الأخرى.

منذ انتخابات 7 مارس (آذار)، التقى أعضاء البرلمان مرة واحدة فقط لم تدم لأكثر من 19 دقيقة.

وخلال فترة العطلة، سعى البعض للسفر إلى مناطق أقل فوضوية وتتميز بطقس أفضل ودماء مراقة أقل، حيث حرصوا على البقاء في فنادق لطيفة أو منازل خاصة مزودة بأحواض سباحة في الأردن وسورية وإيران ودبي، بينما اختار القليلون منهم البقاء في الوطن ومكابدة الحر الشديد.

في الوقت ذاته، عمد آخرون إلى إعادة الاتصال بالأقارب، أو خوض عمليات جراحية في دول تتميز بمستشفيات مجهزة على نحو أفضل، أو حضور حفلات زفاف وجنازات كان من المحتمل أن يفوتوها في ظل ظروف مغايرة.

وأشار أكثر من 12 عضوا بالبرلمان، أجرينا معهم مقابلات، إلى أنهم عمدوا إلى متابعة الأخبار بجد عبر شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد بشأن المحادثات المتقطعة بين الأحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية. واتفقوا جميعا على أنه أحاطت هذه المحادثات أنباء كثيرة، من دون إحرازها أي تقدم يذكر.

الواضح أن مشاعر الحماس والتفاؤل التي سيطرت على هؤلاء الإصلاحيين المنتظرين لدى دخولهم بغداد للمرة الأولى في أعقاب انتخابات 7 مارس تلاشت ليحل محلها مشاعر بالحرج والإحباط والغضب.

في هذا الصدد، قال كاظم جواد، عضو الكتلة الصدرية المنتخب لتمثيل محافظة بابل بجنوب البلاد «إنني أمثل الشعب العراقي، لكنني لا أشعر بذلك. لقد وصلت لنقطة الغليان، وينتابني شعور بالسأم والضيق طوال الوقت. وأتعرض لكثير من الضغوط تفوق طاقتي».

وقال إياد السامرائي، رئيس البرلمان العراقي العامل السابق - وهو مجلس كانت أكبر سماته التراخي والكسل، مما دفع بالمواطنين للتصويت ضد أعضاء جيدين وطردهم من المجلس (لكن السامرائي أعيد انتخابه) - إن مشاعر الحزن سيطرت على زملائه. وأضاف «كان من شأن عدم عقد جلسات للبرلمان خلق حالة من الخواء النفسي بين الأعضاء المنتخبين. إنهم يشعرون بأنهم بلا قيمة حقيقية. لقد كانوا على استعداد للمشاركة في الحياة السياسية، وكان لديهم طموح واستعداد للتغيير. وبطبيعة الحال، اختفى هذا الدافع من داخلهم تماما».

إلا أن أعضاء البرلمان وجدوا بعض السلوى في الأجر المادي الذي يتقاضونه، حيث يتقاضون رواتب تبلغ نحو 11.050 دولار شهريا، تتضمن بدل سكن وطاقم حراسة مؤلفا من 30 فردا وجوازات سفر دبلوماسية تسمح لحاملها بالسفر خارج البلاد بحرية، بجانب خطة معاش حكومية تقدم لصاحبها 80% من الراتب.

مؤخرا، أنشئ مصرف داخل مبنى البرلمان بحيث يجري تحويل الشيكات إلى نقد من دون عناء. في الوقت ذاته، يعيش واحد من كل 4 عراقيين تحت خط الفقر. من ناحيتها، قالت ليلى حسن، عضو البرلمان المنتخبة حديثا «أشعر بالحرج عندما يسألني الناس: (ماذا يجري؟) وعندما أخرج من منزلي، أشعر بالحرج والقلق من أن يلومني الناس».

وأكدت ليلى، عضو حزب التحالف الكردستاني، أنها حاولت كثيرا الإبقاء على مشاركتها وتفاعلها مع الناس، لكن غالبا ما كان الملل يسيطر عليها في نهاية الأمر.

وقالت ليلى (30 عاما): «بالنسبة لوقت الفراغ، أنا لست متزوجة وتتولى والدتي رعايتي، حيث تطهو وتنظف المنزل، لذا لا أجد أمامي ما أفعله. لقد قضيت الكثير من الوقت في القراءة».

وأضافت أنها خاضت دورات تدريبية مع نساء أخريات منتخبات في البرلمان حول الديمقراطية، سافرن خلالها إلى الولايات المتحدة ولبنان.

وأوضحت «اتفقنا على العمل كجماعة ضغط فيما يخص قضايا المرأة داخل البرلمان. وتوقعنا أن نلتقي خلال الجلسات، لكن كانت المفارقة أننا التقينا خارج العراق».

وقال محمود عثمان، وهو أيضا عضو في التحالف الكردستاني، إنه عمد لمحاربة الملل بالذهاب إلى مبنى البرلمان، لكن شعور العزلة زاد بداخله.

وقال «أستمر في الحضور للمبنى، لكن أجدني بمفردي تماما. ولا أجد أحدا هناك. في بعض الأحيان، أقابل صحافيين وأجري مقابلة مع أحدهم، وفي أحيان أخرى أقابل أصدقاء، لكن لا أفعل شيئا مفيدا».

وأشار إلى أنه قضى العطلة بأكملها، ما عدا شهرا واحدا، في بغداد، التي قال إنها لا ترقى لمستوى أربيل، عاصمة إقليم كردستان المتمتع بشبه استقلال ذاتي. وقال «بغداد؟ ماذا يوجد ببغداد؟ ليس هناك ما يمكنك فعله في بغداد. أقضي معظم الوقت في المنزل أتجاذب أطراف الحديث مع زوجتي. لقد تمتعت بفرصة قضاء وقت أطول معها».

وقال فتاح الشيخ، عضو قائمة العراقية الذي يمثل بغداد، إن فترة الانقطاع عن العمل منحته فرصة العمل في رسالة الدكتوراه الخاصة به في مجال الدراسات الإعلامية. وقال «أعمل على استغلال هذا الوقت المهدر في تحقيق أمر يفيدني في المستقبل». أيضا، سافر الشيخ لخارج البلاد، حيث قال «خلال رمضان، سافرت لسورية وقضيت معظم الوقت هناك. كنت أهرب من حر العراق وانقطاع الكهرباء».

وأضاف أنه نظم مسيرة ضد تهديد قس أميركي في فلوريدا بحرق نسخ من القرآن الكريم في وقت سابق من الشهر، وزار مواقع التفجيرات التي شهدتها مختلف أرجاء البلاد مؤخرا.

* خدمة «نيويورك تايمز»