القادة العسكريون يحبطون أوباما في بحثه عن خطة للخروج من أفغانستان

بوب وودورد يعود من جديد في كتاب «حروب أوباما» للكشف عن خفايا الحرب في أفغانستان

الرئيس أوباما يتحدث مع الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأميركية داخل أفغانستان سابقا
TT

من جديد.. يعود الصحافي الأميركي المعروف ومؤرخ رؤساء البيت الأبيض، بوب وودورد إلى أكثر المواضيع جذبا بالنسبة له، ألا وهو حربا بلاده في العراق وأفغانستان، وبعد أن أرخ لحرب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العراق، ها هو يعود بكتابه الجديد «حروب أوباما» وبدأت صحيفته «واشنطن بوست» اعتبارا من أمس نشر الحلقة الأولى من ثلاث حلقات للكتاب.

يعتمد كتاب «حروب أوباما»، الذي يتناول مراجعة الرئيس الأميركي باراك أوباما للاستراتيجية وكيف أظهر ذلك أسلوب قيادته وقدراته على اتخاذ القرارات، على ملاحظات دونت خلال اجتماعات ومذكرات سرية ومقابلات أجريت مع أكثر من 100 مسؤول مختص في شؤون الأمن القومي. «ويلقي ذلك إطلالة على رئيس جديد يتوصل إلى حقيقة أن أشهرا من النقاش المحتدم والعمل الجاد لم تفضِ إلى حل واضح يمكن أن يوافق عليه الجميع. وحتى في نهاية هذه العملية، واجه فريق الرئيس أسئلة أساسية عن الحرب، التي كانت تدخل عامها التاسع، مثل: ما طبيعة المهمة؟ وما الذي نحاول القيام به؟ وما الذي سيحقق نتائج طيبة؟». ولعل اللافت في كتاب بوب وودورد الجديد، أنه يقدم صورة متشائمة عن النقاشات داخل إدارة الرئيس أوباما حول الاستراتيجية المناسب اتباعها في أفغانستان، بالإضافة إلى أنه يكشف جانبا مهما من الخلافات حول الاستراتيجية التي تحولت لخلافات شخصية، التي تظهر رئيسا أميركيا وقائدا أعلى للقوات المسلحة، مختلفا مع قادته العسكريين خاصة مايك مولن، رئيس هيئة الأركان، وخلافات بين مولن والجنرال ديفيد بترايوس، قائد المنطقة الوسطى السابق والقائد العام للقوات الأميركية في أفغانستان.

ويقول بوب وودورد في ذلك: «شعر الرئيس باراك أوباما بالقلق؛ فعلى مدى شهرين مرهقين، ظل يطلب من مستشارين عسكريين مجموعة من الخيارات للحرب داخل أفغانستان. وبدلا من ذلك، شعر أنهم يدفعونه تجاه محصلة واحدة، وأنهم يجهضون بحثه عن خطة للخروج. وأخبر مساعديه داخل البيت الأبيض بعد ذلك أن القادة العسكريين (يدبرون هذا الأمر في اتجاه يحبونه)».

كان أوباما يبحث عن خيارات تحد من الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، وتقدم طريقا للخروج من هناك. وكان أكبر ثلاثة مستشارين عسكريين يروجون بلا هوادة لفكرة زيادة عدد القوات بمقدار 40 ألف جنديا ومهمة أوسع بلا نهاية واضحة. وعندما اجتمع فريق الأمن القومي التابع له داخل غرفة العمليات بالبيت الأبيض في يوم المحاربين القدماء الموافق 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، في جلسة مراجعة الاستراتيجية الثامنة، انفجر الرئيس أوباما.

وقال أوباما، متحديا القادة العسكريين الموجودين على الطاولة، ومن بينهم وزير الدفاع روبرت غيتس ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولن والجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان حينها قائد القيادة المركزية الأميركية: «إذن، ما خياري؟ لقد أعطيتموني خيارا واحدا». وأضاف أوباما: «كنا سنجتمع هنا اليوم للحديث عن ثلاثة خيارات، وقد وافقتم على العودة وصياغة هذه الثلاثة؟».

واحتج مولن قائلا: «أعتقد أن ما حاولنا القيام به حاليا هو تقديم مجموعة من الخيارات». وقال أوباما إنه لا يتفق مع ذلك. واعترف الجميع بأن اثنين غير عمليين، وأن الخيارين عبارة عن صورتين مختلفتين لزيادة عدد القوات بمقدار 40.000.

وساد الصمت داخل الغرفة. وفي النهاية، قال مولن: «حسنا، نعم، سيدي». وبعد ذلك أوضح مولن قائلا: «لم أر طريقا آخرا».

لقد سيطر هذا الخلاف الواضح بين القيادة المدنية والعسكرية داخل الولايات المتحدة على مراجعة أوباما للاستراتيجية داخل أفغانستان، مما أثار نوعا من الشقاق لا يزال قائما حتى اليوم. وقد كان مستوى الشعور بالارتياب كبيرا، وانتهى الأمر بأن قام أوباما بصياغة استراتيجية خاصة به، وكانت بمثابة تسوية قانونية بين أطراف متناحرة. ومع اقتراب الرئيس من الوصول إلى قراره الأخير بشأن عدد القوات التي سيرسلها، قام بإملاء وثيقة غير معتادة جاءت في ست صفحات وصفها أحد المساعدين بأنها «بنود اتفاق»، وكأن الرئيس يناقش صفقة تجارية.

يعتمد هذه السرد، الذي يتناول مراجعة أوباما للاستراتيجية وكيف أظهر ذلك أسلوب قيادته وقدراته على اتخاذ القرارات، على ملاحظات دونت خلال اجتماعات ومذكرات سرية ومقابلات أجريت مع أكثر من 100 مسؤول مختص في شؤون الأمن القومي. ويلقى ذلك إطلالة على رئيس جديد يتوصل إلى حقيقة أن أشهرا من النقاش المحتدم والعمل الجاد لم تفضِ إلى حل واضح يمكن أن يوافق عليه الجميع. وحتى في نهاية هذه العملية، واجه فريق الرئيس أسئلة أساسية عن الحرب، التي كانت تدخل عامها التاسع، مثل: ما طبيعة المهمة؟ وما الذي نحاول القيام به؟ وما الذي سيحقق نتائج طيبة؟

وفي مراحل مهمة من عملية المراجعة، كانت ترفرف أشباح فيتنام. وشعر بعض المشاركين بالقلق بصورة واضحة، وخشوا أن يكونوا على وشك تكرار هذا التاريخ، مما سمح للجيش بأن يملي مستوى القوات. وفي حين كان أوباما يسعى إلى التوصل لخطة خروج تتضمنها استراتيجيته، كانت القيادة العسكرية ملتزمة بمقترح نهاية مفتوحة. وقدر مكتب الإدارة والميزانية أنه سيتكلف 889 مليار دولار على مدار 10 أعوام. وأحضر أوباما مذكرة مكتب الإدارة والميزانية خلال أحد الاجتماعات، وقال إن النفقات «ليست في الصالح الوطني».

ومنذ بداية عملية المراجعة، ضايق أوباما أن بترايوس ومولن والجنرال ستانلي ماكريستال، الذي كان حينها قائد القوات الأميركية داخل أفغانستان، يدعون إلى زيادة عدد القوات بمقدار أكبر من 21.000 جندي وافق عليهم أوباما بعد توليه مهام منصبه بوقت قصير.

وفي سبتمبر (أيلول) 2009، اتصل بترايوس بكاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست» ليقول إن الحرب لن تكلل بالنجاح إذا تلكأ في إرسال القوات. وفي وقت متأخر من الشهر ذاته، أعاد مولن المشاعر نفسها خلال شهادة أمام مجلس الشيوخ. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، أكد ماكريستال خلال خطاب داخل لندن على أن أي جهد ضد الإرهابيين في أفغانستان يعتمد على تقليل القوات لن يثمر.

وقد راجع دينيس ماكدونو، الذي كان حينها رئيس الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي، شهادة مولن في 15 سبتمبر (أيلول)، ووافق عليها. ولكن أثار ذلك غضب الدائرة المحيطة بأوباما في البيت الأبيض، لا سيما رئيس الطاقم رام إيمانويل. ما الذي يقوم به مستشار الرئيس العسكري الأبرز، إنه يتحدث علنا عن نتائج استباقية خلص إليها؟

وفي يوم شهادة مولن، وجه مولن ومساعد مستشار الأمن القومي توماس دونيلون انتقادات إلى المتحدث باسم البنتاغون جيوف موريل خارج غرفة العمليات، حيث عقد فريق الأمن القومي اجتماعا هناك.

وقال لموريل إن الرئيس تعرض لنوع من الخداع من جانب العسكري النظامي البارز. واستطرد إيمانويل: «بين رئيس الأركان (مولن) وبترايوس، يأتي الجميع ويقر علنا فكرة القوات الإضافية. لا يمتلك الرئيس ولو فرصة!».

ورأى مولن النقاش المستعر بينما كان خارجا من غرفة العمليات. وكان مفاجئا من أنهم يتحدثون معه بغضب واضح. وعرف البيت الأبيض سلفا ما سيقوله. لم تتضمن شهادته رقما محددا. ولم يعرض فكرة مبلورة بصورة كاملة. وتركهم مولن في حالة غضب شديد.

وكان البديل الجديد الوحيد المميز الذي عرض على أوباما من خارج المنظومة العسكرية، فقد اعترض نائب الرئيس جوزيف بايدن لوقت طويل وبصوت عال على طلب زيادة عدد القوات بمقدار 40.000 جنديا. وعمل مع الجنرال جيمس كارترايت، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، من أجل صياغة «خيار هجين» - يجمع بين عناصر من خطط أخرى - يدعو إلى زيادة مقدارها 20.000 فقط. وستكون ثمة مهمة أكثر محدودية تعتمد على تعقب متمردي حركة طالبان وتدريب الشرطة والجيش الأفغاني لتولي مقاليد الأمور.

وعندما علم مولن عن الخيار الهجين، لم يشأ أن يأخذه إلى أوباما. وقال لكارترايت، وهو من سلاح البحرية ومعروف داخل البيت الأبيض بأنه الجنرال المفضل لأوباما: «لن نقدم ذلك».

واعترض كارترايت على هذا. وقال لمولن: «لست في معرض حجب خيارات، فقد قطعت عهدا، وعندما تطلب مني نصيحة سأقدمها».

وعندما وصل إلى أوباما كلام عن الخيار الهجين، أمر غيتس ومولن بعرض ذلك. وكان لدى مولن أفكارا أخرى. واستخدم مناورة عسكرية سرية - يرمز إليها باسم «بوينانت فيجين» وأقيمت داخل البنتاغون في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2009 - لدعم موقفه ضد هذا الخيار.

وقاطع ليفتينانت الجنرال دوغلاس لوت، مندوب أوباما من مجلس الأمن القومي، هذه المناورات لأنه كان يعتقد أنها تعرضت للتلاعب. وطبقا للمشاركين فيها، لم تتسم «بوينانت فيجين» بدقة المناورات العسكرية التقليدية، التي يتقاتل فيها فريقان. وكانت هذه المناورة عبارة عن جلسة نقاشية على مدار أربع ساعات.

وحضر مولن وبترايوس، وكذا مدير الاستخبارات الوطنية دينيس بلير، وهو أدميرال متقاعد كان رئيسا لهيئة المناورات العسكرية داخل البنتاغون. وكان بلير قد اقترح المناورات، لاعتقاده أنها ربما تساعد في تقييم مستويات القوات المختلفة.

ومع انتهاء المناورات، أشار بلير إلى القيود القائمة. وقال: «حسن، كان هذا إحماء جيد، متى يحين موعد المباراة المقبلة؟».

وأدرك بلير أن مولن وبترايوس ليس لديهما نية لأخذ الموضوع لمستوى أعلى.

وفي اجتماع في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) عبر خلاله أوباما عن إحباطه، ذكر بترايوس المناورة كدليل على أن الخيار الهجين لن يؤتي ثماره. وقال إنه سوف يقصي الشعب الأفغاني الذي يجب أن توفر القوات الأميركية له الحماية. وأضاف: «ستخلق كثيرا من الأعداء.. وعليه، ما الذي حققته؟».

ورأى بترايوس أن ما اقترحه بايدن وكارترايت يأتي في سياق رفض نهج استراتيجيته القائمة على مكافحة التمرد وحماية المواطنين، وهو النموذج الذي صاغه ونفذه داخل العراق كقائد للقوات التي تقودها الولايات المتحدة.

وقال بترايوس لأوباما: «هذا ليس خنجرا، بل منشارا». وتساءل أوباما: «وعليه، فإن 20.000 لا يعد في الواقع خيارا مناسبا؟». وقال مولن وبترايوس وغيتس وماكريستال إن هذا سيفضي إلى فشل المهمة. فرد أوباما: «حسن، إذا أخبرتموني أنه لا يمكننا القيام بذلك، وأنكم أجريتم مناورات على هذا، فسأقبل ذلك».

ولم يعترض أحد على الطلب. ولم يكن كارترايت أو بلير في جلسة المراجعة التي عقدت في 11 نوفمبر (تشرين الثاني). وقال بايدن بعد ذلك للرئيس إن المناورة العسكرية «لا قيمة لها». ومن المقاعد الخلفية لغرفة العمليات، استطاع مراقبو أوباما من ذوي الخبرة رؤية أن صبر الرئيس قد نفد. لقد لوح بورقة رسم بياني خضراء اللون من الجيش بعنوان «المهمة البديلة في أفغانستان»، كما لو كانت أحد الأدلة القاطعة في قاعة المحكمة. وأظهر هذا الرسم البياني النشر المتوقع لنحو 40 ألف جندي وكأنه جبل متصاعد ببطء. وبلغت ذروة الخط البياني عند نحو 108 آلاف جندي في نهاية عام 2010، ثم انخفض ببطء إلى مستوى 68 ألف جندي عام 2016.

وفي حالة تشير إلى عدم الموافقة، قال أوباما: «ست سنوات من الآن، إننا لا نفعل شيئا سوى العودة إلى ما نحن عليه الآن؟ لن أوقع على ذلك».

ومرر بن رودس، كاتب خطابات السياسة الخارجية للرئيس، ملاحظة إلى زميل بمجلس الأمن القومي، قائلا: «عدد القوات في أفغانستان في عام 2016 سيكون أكبر من عدد القوات عندما تولى الرئاسة».

كان الجدول الزمني من نشر القوات حتى تقليص عددها طويلا للغاية. وأردف أوباما قائلا: «في الحقيقة، في فترة من 18 إلى 24 شهرا، نحتاج إلى التفكير بشأن كيف نستطيع بدء تقليص وجودنا وخفض عدد قواتنا». وأخبر طاقم العاملين لديه بعد ذلك: «لن أترك ذلك لمن يخلفني». وقال إن خطة الجيش «تعرض قدرتنا على القيام بأي شيء آخر للخطر. لدينا أمور نود القيام بها على الصعيد المحلي. ولدينا أمور نود القيام بها على الصعيد الدولي».

وتحول أوباما إلى غيتس، وقال: «لقد أعطيتني في الأساس خيارا واحدا. وهذا غير مقبول».

وقال غيتس ردا على ذلك: «حسن، سيدي الرئيس، أعتقد أننا مدينون لك» بخيار آخر.

لم يأت هذا الخيار على الإطلاق. وتحدث مولن ولوت، منسق مجلس الأمن القومي لشؤون باكستان وأفغانستان، بصورة غير معلنة عقب اجتماع 11 نوفمبر.

وقال لوت: «سيدي رئيس (الأركان المشتركة)، يريد الرئيس في الحقيقة خيارا آخر. أنت في وضع صعب». وبعد ثلاثة أيام، قدم مولن ورؤساء الأركان المشتركة إصدارا جديدا للرسم البياني الخاص بهيئة الأركان المشتركة بعنوان «المهمة البديلة في أفغانستان». وأظهر المخطط المعدل انسحابا أسرع يبدأ عام 2012، وهو الوقت الذي يخوض فيه أوباما الانتخابات الرئاسية. وسيتم الوصول إلى مستوى 68 ألف جندي بحلول ربيع عام 2013. ومن ثم سيبدأ التحول إلى مهمة «النصح والمساعدة».

واستند الجدول الزمني الجديد على أربعة «افتراضات رئيسية»، لم يكن أي منها مما اقترحته مراجعة الاستراتيجية محتملا. وكان الافتراض الأولى هو أنه سيتم الحد من قوة متمردي طالبان بالصورة الكافية ليسهل قيادتهم من قِبل الأفغان. والافتراض الثاني هو أن الجيش والشرطة الوطنية الأفغانية سيكونان قادرين على تأمين المكاسب الأميركية. والافتراض الثالث هو أن الملاذات الآمنة لطالبان في باكستان «سيتم التخلص منها أو تقليل أهميتها بصورة كبيرة». وأخيرا، الافتراض الرابع هو أن الحكومة الأفغانية بقيادة حميد كرزاي قد تحقق الاستقرار في البلاد.

وتصور هذا المخطط بقاء نحو 30 ألف جندي أميركي في أفغانستان خلال عام 2015.

وبعد أسبوعين، وفي اليوم السابق لعيد الشكر، التقى الرئيس وإيمانويل في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض مع دونيلون ورئيسه، الجنرال المتقاعد جيمس إل لونز، مستشار الأمن القومي. ولم يكن أي من مسؤولي البنتاغون هناك.

وقال أوباما إن ذلك كان أصعب قرار بالنسبة إليه، وبدا ذلك يظهر على وجهه. وقال: «لقد قررت 30 ألفا». ووصف أوباما كيف أنه يود شرح استراتيجيته للشعب الأميركي في خطاب مزمع إلقاؤه في الأول من ديسمبر (كانون الأول) في قاعدة «ويست بوينت»، وقال: «يحتاج ذلك إلى أن يكون خطة بشأن كيفية تسليم زمام الأمور والخروج من أفغانستان. كل شيء نقوم به ينبغي أن يركز على الطريقة التي سنصل بها إلى النقطة التي نستطيع عندها خفض وجودنا».

وقال إنه لا يريد استخدام كلمة «مكافحة التمرد». اللغة التي أرادها هي «استهداف، وتدريب، ونقل». ثم قال الرئيس: «أريد من الجميع التوقيع بالموافقة على ذلك، ماكريستال، وبترايوس وغيتس ومولن (والسفير الأميركي) كارل إكنبيري و(وزيرة الخارجية هيلاري رودهام) كلينتون. ينبغي أن نضع ذلك على الورق وفي السجلات». ومع تحدث الرئيس بهذه الطريقة وكأنه سيكون هناك عقد يوقع عليه الجميع، نما لدى البعض انطباع خاطئ بأنه يريد توقيعات حقيقية. وأشار دونيلون إلى أنه لم يتم حل كل شيء مع الجيش. وجدد البنتاغون طلبا معلقا بإرسال 4500 فرد من «القوات المساعدة»، التي تعمل في اللوجسيتيات والاتصالات والخدمات الطبية.

وقال أوباما، وقد بدا عليه الغضب: «لقد سئمت القيام بذلك». وقال إن الـ30 ألفا «أمر صعب». وأضاف: «لا أريد أن يتم استخدام هذه القوات المساعدة كوسيلة لحرية التحرك. الشيء السهل بالنسبة إلي على الصعيد السياسي، هو أن أقول: لا» لهذه القوة المؤلفة من 30 ألف جندي.

وأشار الرئيس من نوافذ المكتب البيضاوي، عبر نهر بوتوماك، في اتجاه البنتاغون. وقال: «يعتقدون أنها في الاتجاه المعاكس. سأكون سعيدا تماما..». وتوقف في منتصف الجملة، وقال: «لا شيء سيجعل رام أكثر سعادة مما إذا قلت لا للـ30 ألف جندي». وكان هناك بعض الضحكات الخافتة.

وقال إن الجيش لم يفهم، «سيكون الأمر أكثر سهولة بالنسبة إلي أن أخرج وألقي خطابا يقول: أتعرفون ماذا؟ لقد تعب الشعب الأميركي من هذه الحرب، وسنقدم 10000 مدرب لأن هذه هي الطريقة التي سنخرج بها من هناك».

وكان من الواضح أن جزءا مما أراده أوباما بالضبط هو إلقاء هذا الخطاب. لقد بدا أنه يختبر الأمر.

وقال دونيلون إن غيتس قد يستقيل إذا كان القرار هو 10000 مدرب، وهو الخيار الذي رفضه قادة الجيش جميعهم في المراحل الأولى من مراجعة الاستراتيجية.

وقال أوباما: «سيكون ذلك هو الجزء الصعب، لأن بوب غيتس.. لا يوجد هناك عضو أكثر قوة في فريق الأمن القومي لدي». ولم يقل أي أحد أي شيء آخر بشأن هذه الاحتمالية.

وقال أوباما: «لن نفعل ذلك ما لم يوقع الجميع حرفيا عليه وينظرون إلي وجها لوجه ويخبرونني أنهم يؤيدونه».

وكان الرئيس على درجة من النشاط لم يرها معظم من كان في الغرفة من قبل؛ «لا أود رؤية أي أحد يخرج في اليوم التالي (للخطاب) ويقول إنه لا يتفق مع ذلك».

لكن في الوقت الذي وضع فيه الطريقة التي يعتزم بها شرح خياره لإرسال 30 ألف جندي إضافي، أضاف تحذيرا، حيث قال: «هناك احتمالية بأن هذا القرار قد يتغير. قد نكون في حاجة إلى خطاب آخر».

وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، عقد أوباما اجتماعه الأسبوعي المعتاد مع غيتس في المكتب البيضاوي. وكانت الغرفة مضاءة على نحو جيد، ولم يكن فيها أي ظلال، لدرجة أنها كانت تحتوي على شعور صارخ. إنها بكل تأكيد مكان لعقد صفقة تجارية. وكان جونز أيضا هناك؛ وكان مولن على سفر، لذا حضر كارترايت مكانه.

وفي إطار المهمة التي أعيد تعريفها، أخبر أوباما غيتس أن «أفضل ما يمكنني القيام به هو إرسال 30 ألف جندي». وقال الرئيس: «هذا هو ما أنا على استعداد للقيام به على الصعيد السياسي».

يشار إلى أن غيتس قد عمل مع سبعة رؤساء آخرين، كان لكل منهم أسلوبه الخاص به في اتخاذ القرار. كانوا غالبا ما يطرحون تأكيدات واستنتاجات، في بعض الأحيان بصورة قاطعة، وفي أحيان أخرى بصورة غير نهائية. ولم يكن دوما واضحا ما الذي كانوا يقصدونه.

وقال غيتس: «لقد تلقيت طلبا بإرسال 4500 فرد من قوات المساعدة. وأود أن يكون لدي 10 في المائة أخرى أستطيع إرسالها، سواء من قوات المساعدة أو القوات العادية، إذا احتجت إليهم».

وقال أوباما: «بوب، إن 30 ألف جندي إضافة إلى 4500 إضافة إلى 10 في المائة من الـ30 ألف يعني 37500». وأضاف أن الأمر يشبه المزاد العلني. «أقول 30 ألف». ولم يكن أوباما حاسما أو حادا لهذه الدرجة مع غيتس من قبل. وقال أوباما: «سأعطيك بعض الحرية في إطار الـ10 في المائة التي طلبت»، لكن في ظل الظروف الاستثنائية فقط.

وسأل أوباما غيتس: «هل تستطيع تدعيم ذلك؟ لأنه إذا كانت الإجابة (لا)، فإنني أفهمها وسأكون سعيدا بإجازة قوة إضافية قوامها 10 آلاف جندي، ونستطيع مواصلة السير على ما نحن عليه، وتدريب القوات الوطنية الأفغانية وأن نأمل تحقيق الأفضل». «نأمل تحقيق الأفضل». وظلت عبارات التعالي عالقة في الهواء.

* خدمة «واشنطن بوست»

* شارك جوشوا بوك وإيفلين دوفي في إعداد هذا التقرير.