جهود مساعدة العمال تسحق الفقراء في جنوب أفريقيا

المنافسة الصينية تهدد بإغلاق مئات المصانع.. والسود المتضررون 3 أضعاف البيض

إميلي مبونغوا (52 سنة) فقدت عملها في مصنع بمدينة نيوكاسل بجنوب أفريقيا وتقوم الآن برعاية أطفال أشخاص آخرين («نيويورك تايمز»)
TT

وصل عمدة البلدة إلى المصنع لإغلاقه، وذلك في إطار حملة وطنية تستهدف مصانع الملابس التي تنتهك الحد الأدنى للأجور، لكن النساء العاملات في المصنع، اللاتي يفترض أن يكن ضمن المستفيدات من الحملة، صعدن فوق طاولات القص والكي وأخذن يصرخن صرخات مليئة بالألم ضد هذا الإجراء.

وعندما قامت السلطات بمصادرة بعض لفائف القماش، صرخت نوكوثولا ماسينغو (25 عاما)، التي تعمل في المصنع قائلة: «لماذا؟ لماذا تفعلون هذا؟». وقالت ماسينغو إنها تحصل فقط على 36 دولارا في الأسبوع، أي أقل من الحد الأدنى للأجور بـ21 دولارا، ولكنها بحاجة إلى هذا الراتب الهزيل لمساعدتها على رعاية أسرة كبيرة تضم خمسة أشقاء عاطلين وأطفالهم.

والاحتجاج العفوي الذي قامت به النساء في هذا المصنع هو علامة على المدى الذي وصلت إليه أزمة البطالة الحادة في جنوب أفريقيا، حيث تخشى النساء، اللاتي غدون ضحايا للتنافس على خفض الأجور واللاتي تتعرض صناعتهن إلى تدهور شديد، من فقدان وظائفهن أكثر من خوفهم من العمل بمقابل زهيد.

خلال السنوات الـ16 الماضية ومنذ نهاية نظام الفصل العنصري، اتبعت جنوب أفريقيا التوصيات الاقتصادية التي نصحها بها الغرب، ففتحت اقتصادها القائم على السوق للتجارة، بينما أبقت على معدل التضخم والدين العام تحت السيطرة. وقد نالت الثناء على هذه الجهود ونما اقتصادها ولكن ليس بالسرعة الكافية لإنهاء أزمة البطالة. وعلى مدى عقود، كان معدل البطالة في جنوب أفريقيا، من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، وهو ما أدى إلى انتشار الجريمة والتمييز والاضطرابات الاجتماعية في أغنى بلد في القارة. وقد أدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى تدهور الوضع، حيث تسببت في فقدان أكثر من مليون شخص لوظائفهم. والآن أصبح أكثر من ثلث القوة العاملة في جنوب أفريقيا من العاطلين عن العمل. وبعد 16 عاما من قيادة نيلسون مانديلا السكان السود لحكم البلاد، أضحى أكثر من نصف السكان السود الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما عاطلين، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف عدد العاطلين من السكان البيض.

ومع زيادة حدة النقاش حول البطالة وفشل الحكومة في وضع خطة لمعالجة القضية بعد 16 شهرا من تولى الرئيس جاكوب زوما منصبه ووعده بتوفير وظائف لائقة للمواطنين، فإن المحللين يشككون الآن في قيادته، على الرغم من وعده باتخاذ إجراء قريب. ويناقش الخبراء أسباب أكبر مشكلة اقتصادية تمر بها البلاد. ويشير البعض إلى أن الأجور المرتفعة التي تفاوض عليها النقابات العمالية ذات النفوذ السياسي هي التي أعاقت نمو سوق العمل، لكن أغلبهم يتفق على أن للأزمة جذورا أعمق تكمن في ماضي الفصل العنصري الذي كان يودع السود في المدارس ذات المستوى المنخفض وطرد الكثير منهم من أراضيهم وديارهم ومتاجرهم ودفع بالملايين إلى بلدات معزولة ومناطق ريفية حيث لا يزالون معزولين عن حركة الاقتصاد. ومع تبني الديمقراطية عام 1994، كان يتعين على حكومة جنوب أفريقيا بقيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، إعادة بناء اقتصاد يترنح بسبب العقوبات والتمييز ضد الأغلبية السوداء وإعداده للمنافسة في عالم يتجه نحو العولمة.

ومما زاد في تعقيد الأمور، بعد أن نزل السكان السود ضعيفي التعليم إلى سوق العمل، أن الاقتصاد اتجه نحو التركيز على القطاعات التي تتطلب مهارات كثيرة مثل الخدمات المالية وتجارة التجزئة، في حين تدهور قطاع الزراعة وقطاع التعدين، اللذان كانا على مدار التاريخ المصدر الرئيس لفرص العمل. استثمر زعماء البلاد بشكل كبير في المدارس على أمل أن يتمكن الجيل المقبل من التغلب على الإرث العنصري للبلاد، لكن فشل نظام التعليم في فترة ما بعد نظام الفصل العنصري جعل الكثير من الفقراء السود عاجزين عن المنافسة في اقتصاد شهد ارتفاع في الطلب على المهنيين مثل المحاسبين والمهندسين والمديرين. ويشير اقتصاديون إلى أن النقص في العمال المهرة قد حد من قدرة الشركات على التوسع، وأحيانا دفعها إلى شغل هذه الوظائف بمهنيين من دول أفريقية أخرى.

وقد أدى إلغاء الحواجز الجمركية عام 1994 إلى كشف صناعات مثل صناعة الملابس الجاهزة أمام منافسيها الآسيويين الذي يدفعون أجورا منخفضة لعامليهم، حيث أغرقت الملابس المصنوعة في الصين السوق المحلية، وانخفض عدد العمال العاملين في قطاع الملابس في جنوب أفريقيا من 150 ألفا إلى 60 ألفا عام 1996. وإذا تم إغلاق المصانع التي تنتهك الحد الأدنى للأجور، والتي يزيد عددها على 300 مصنع، فسيفقد 20 ألف عامل وظائفهم.

وفي العام الماضي، الذي شهد انكماش اقتصاد جنوب أفريقيا بسبب الأزمة المالية العالمية، طالبت النقابات بمتوسط زيادات في الأجور تصل إلى 9.3%. وأشار صندوق النقد الدولي في تقرير نشر الأسبوع الماضي إلى أنه في حال لم تتمكن الشركات من التكيف مع ارتفاع تكاليف العمالة في ظل الركود التي تشهده البلاد وقامت بتسريح العمال، فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان عدد من الوظائف يعتبر الأعلى في دول «مجموعة العشرين». وقد وعد الرئيس زوما، الأسبوع الماضي، في تجمع للحزب الحاكم في مدينة ديربان، بأن الحكومة ستقوم باتخاذ اللازم قريبا.

لكن لم يتضح بعد كيف سيتحرك الرئيس بحزم، حيث اعترف حزبه، المؤتمر الوطني الأفريقي، في تقرير أصدره الأسبوع الماضي بأن تحالفه لا يزال منقسما بشأن ما ينبغي القيام به. وقبل 8 أشهر، اقترح زوما دعم الأجور لتشجيع الشركات على توظيف الشباب والعمال الذين يفتقرون إلى الخبرة، لكنه واجه معارضة شرسة من اتحاد النقابات الذي يبلغ عدد أعضائه مليونين، وهو جزء من التحالف الحاكم الذي اعتبر أن ذلك سيدفع الشركات إلى فصل العمال الموجودين فيها حاليا مما أدى إلى إرجاء الخطة. وبينما يتجادل المسؤولون، فإن أزمة البطالة تستعر في أماكن مثل نيوكاسل. ويقول ليون ديتليفز، مدير الالتزام الوطني بمجلس المساومة الممثل للنقابات، إن الشرطة حذرت خلال الاحتجاجات الصاخبة في المصنع نيوكاسل الشهر الماضي من نشوب أعمال عنف مما أدى إلى انسحاب عمدة البلدة وإغلاق المصنع. لكن المقاومة الواسعة من أصحاب مصنع نيوكاسل والمخاوف بشأن فقدان عدد كبير من الوظائف بعد إغلاق 26 مصنعا في مختلف أنحاء البلاد أدى إلى صدور قرار بتأجيل الإغلاق لمدة شهر. ويسعى مسؤولو الحكومة ومجلس المساومة الآن إلى الضغط على المصانع المخالفة لزيادة الأجور لتصل إلى الحد الأدنى.

وقد أعيد فتح المصنع هنا منذ ذلك الحين. وعندما تدق الساعة الخامسة، يتدفق الآلاف من النساء السود من المصانع هنا ويصطفون في الحافلات التي تنقلهم في رحلة العودة إلى بلداتهم. لكن العمال يخشون أن هذا الوضع قد لا يدوم.

وصناعة الملابس الجاهزة في نيوكاسل هي نتاج الهندسة الاجتماعية للفصل العنصري، حيث سعى نظام الفصل العنصري إلى إثناء معظم السود عن الانتقال إلى المدن الحيوية الكبيرة المخصصة للبيض من خلال تقديم دعم كبيرة للصناعات الخفيفة المتمركزة على حدود المناطق الريفية.

وقد بدأ المستثمرون التايوانيون في افتتاح مصانع الملابس هنا في ثمانينات القرن الماضي، ومنذ نهاية نظام الفصل العنصري، انضم إليهم رجال الأعمال الصينيون. وقد نجد بعض أصحاب المصانع الصينيين الأكثر نجاحا هنا يركبون سيارات «بي إم دابليو» و«مرسيدس»، لكن بعض أصحاب المصانع يحققون بالكاد ربحا من عملهم، وجميعهم يطالبون بأن يسمح لهم بدفع أجور أقل من الحد الأدنى ليتمكنوا من الاستمرار في العمل.

وفي مصنع «وينغتون»، فإن المالكة، تينغ تينغ تشو، وزوجها هوي كونغ شي، يدخران المال ليتمكنا من إلحاق طفلهما الوحيد بالجامعة، ويقولان إنهما عملا كعاملي ماكينة مقابل 36 دولارا في الأسبوع، أي أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور، وإنهما يعيشان في غرفة واحدة في مصنعهما، مبنية من الطوب.

* خدمة «نيويورك تايمز»