لبنان: الخلاف على تمويل المحكمة الدولية يهدد الوضع الحكومي

حوري لـ«الشرق الأوسط»: البدائل موجودة والمحكمة مستمرة

TT

لم يعد خافيا على أحد في لبنان وخارجه، أن المحكمة الدولية باتت وحدها جوهر الصراع السياسي اللبناني، الذي ينحو على ما يبدو نحو صدام يلوح به حزب الله إذا ما وجه القرار الظني اتهاما لبعض عناصره بالتورط في جريمة اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، وإذا كان حزب الله أعلن حربا لا هوادة فيها من أجل إسقاط المحكمة وقرارها الظني قبل أن يبصر النور، فإن معركته الأولى بدأت في العمل على نسف تعهده ببند البيان الوزاري المتعلق بالتزام لبنان أمام الأمم المتحدة بالمساهمة بنسبة 49 في المائة من ميزانية المحكمة الدولية عن كل سنة، وهذا ما تجلى من خلال إسقاط نواب حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لبند تمويل المحكمة عن عام 2010 في لجنة المال والموازنة، وإذا كان نواب حلف المعارضة نجحوا في فرض رأيهم في اللجنة، على الرغم من مواجهة نواب تيار المستقبل و«14 آذار» الشرسة لما سموه «الانقلاب»، فإن هذه الجولة لن تغير شيئا في واقع الحال لأن لبنان سدد في الربيع الماضي حصته الواجبة عليه للمحكمة عن عام 2010 من خلال سلفة خزينة أقرتها الحكومة الحالية بالإجماع، التي بلغت قيمتها نحو 27 مليون دولار أميركي، لكن جلسة مجلس الوزراء المقبلة ستكون على موعد مع مواجهة شرسة، لأنها مخصصة لمناقشة موازنة عام 2011 ومنها بند تمويل المحكمة عن العام المقبل، بحيث يصر حزب الله وحلفاؤه على نسف موازنة المحكمة كمقدمة لنسف المحكمة برمتها، في حين سيواجه هذا الطرح بإصرار مماثل من وزراء الأكثرية على إقرار هذا البند، لكن الحسم يبقى رهن ما يقرره الوزراء الخمسة المحسوبين على رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لأن السير برأي الأكثرية يحتاج إلى ثلثي أعضاء الحكومة وهذا العدد لا يتم تأمينه إلا بانضمام وزراء رئيس الجمهورية إلى الأكثرية التزاما بالبيان الوزاري وبخطاب القسم، لكن في كل الأحوال سيكون الموقف صعبا للفريقين وللرئيس سليمان معا، وإذا ما حصل هذا الأمر فعلا فإنه يهدد الوضع الحكومي برمته، وقد يدفع بوزراء المعارضة إلى الاستقالة.

في هذا الوقت أكد الخبير القانوني والدستوري النائب السابق حسن الرفاعي، أن الدولة «ملزمة بتنفيذ الاتفاقية مع الأمم المتحدة حول المحكمة الدولية»، مشيرا إلى أنه «لا صلاحية إطلاقا لمجلس النواب لمناقشة موضوع تمويل المحكمة، والحكومة تبقى مسؤولة عن الموضوع». ولفت إلى أنه «في حال رفض المجلس النيابي تمويل المحكمة، فالحكومة نفسها تقرر بمرسوم فتح اعتماد خاص لتمويل المحكمة، وإذا عُرض الموضوع على مجلس الوزراء فهو ليس بندا للمناقشة ولا يخضع إطلاقا للتصويت ولا يحق للحكومة المناقشة في أمر التزمت به». موضحا أن «الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة لا يمكن أن ينفرد أحد فريقيها بتقرير فسخها ولا يمكن فسخها إلا برضا الفريقين».

أما على صعيد المواقف من هذه القضية، فأيد عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري رأي المرجع الدستوري حسن الرفاعي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «موضوع المحكمة الدولية هو جزء من تعهد لبناني تجاه المجتمع الدولي ومن القرار 1757 الذي يقع تحت الفصل السابع، ومن خلال إجماع فرقاء الحوار الوطني في عام 2006 والبيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة؛ هذا في الشكل، أما في المضمون وبغض النظر عن ما ستؤول إليه الأمور سواء في مجلس النواب أم في مجلس الوزراء، فإن نظام المحكمة يتيح للأمين العام للأمم المتحدة، تأمين البدائل في حال تخلف لبنان عن الالتزام بتعهداته»، وسأل حوري: «هل يتخيل من يدعو للامتناع عن دفع حصة لبنان ما الصورة التي ستلحق بلبنان جراء ذلك؟»، وأضاف: «من مصلحة الجميع بكل أطيافهم السياسية وصول المحكمة إلى خواتيمها، لأنه لو سلمنا جدلا بأن المحكمة توقفت اليوم بناء على طلب الفريق الآخر، ماذا سيرسخ في ضمير الشارع اللبناني، وماذا سيرسخ في ذاكرة الأجيال المقبلة؟ والجواب واضح ومعروف، لذلك ليس من مصلحة أحد، خاصة حزب الله تعطيل المحكمة، ولكن ليطمئن الجميع ليس بمقدور أحد تعطيلها». وردا على سؤال عن ما إذا كان تيار المستقبل و«14 آذار» سيكونان في حل من بند البيان الوزاري الذي يتحدث عن معادلة الجيش والشعب والمقاومة ما دام حزب الله وفريق «8 آذار» تنكرا للبند المتعلق بالمحكمة الدولية، قال حوري: «بالنسبة لنا، نحن متمسكون بالبيان الوزاري بكل بنوده، بغض النظر عن عدم احترام الفريق الآخر أي بند من بنوده، نحن نحترم قرارنا وتعهدنا والتزامنا، والكرة الآن في ملعب الفريق الآخر».

في هذا الوقت جدد المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط»، ما سبق أن أعلنه في اجتماع لجنة المال والموازنة في شأن تمويل المحكمة، وقال: «نحن كـ(كتلة التحرير والتنمية) لدينا موقف مبدئي يرتكز على ملاحظاتنا على آلية إقرار المحكمة الدولية في مجلس النواب»، رافضا الحديث بالتفصيل عن هذه القضية.

إلى ذلك، أوضح عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت، أنه «لا أحد يستطيع قطع التمويل عن المحكمة، والحكومة اللبنانية مجبرة على أن تدفع ما يتوجب عليها في هذا المجال وإلا يصبح هناك دين مترتب عليها»، مشيرا إلى أن «هناك بند في الموازنة يتعلق بتمويل المحكمة، والحكومة الحالية مجتمعةً أقرت سلفة خزينة واستطاعت دفع المبلغ المالي اللازم».

ولفت عضو كتلة المستقبل النائب رياض رحال إلى أن «تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سيحصل حتى لو لم يوافق عليه مجلس الوزراء». وأشار إلى أن «قضية تمويل المحكمة لعام 2010، وبعدما رفضها نواب حزب الله ستعرض على الهيئة العامة التي تقرر في الموضوع»، مؤكدا أن «الأكثرية ستصوت لتمويل المحكمة، وكذلك الأمر في مجلس النواب، أما في حال لم يصوت لهذا البند، فإن تمويل المحكمة إلزامي من قبل الدول المشاركة التي تتكفل بتسديد حصة لبنان».

من جهة ثانية، أشار عضو كتلة حزب الله النائب كامل الرفاعي، إلى أن «ما يجري في لجنة المال والموازنة حول مشروع التمويل اللبناني للمحكمة الدولية في موازنة 2010، لا يغير شيئا حتى ولو رفضناها في الهيئة العامة لأنها صرفت». وقال: «أما في موازنة 2011، فإن تمويل المحكمة لن يتم لأن إقراره في مجلس الوزراء يتطلب ثلثي الأعضاء، وبالتالي رهاننا قبل الهيئة العامة هو في مجلس الوزراء»، مشيرا إلى أن «لدى المعارضة الثلث، ونحن مطمئنون». مستبعدا «حدوث أي تسوية في هذا المجال، لأن هذه المحكمة مسيسة بكل ما للكلمة من معنى».