قيادي حزب التحرير الذي انتقل من خندق الأصوليين معلنا الحرب على الجهاديين: استهدفنا تجنيد الطلبة العرب في الجامعات

إد حسين مؤسس «كويليام» لـ«الشرق الأوسط»: مهمتي المقبلة فضح أجندة المتطرفين أمام صانع القرار الأميركي

إد حسين (تصوير: حاتم عويضة)
TT

خلال الأعوام التي أعقبت عمليات التفجير الانتحارية التي استهدفت نظام المواصلات في لندن وأدت إلى مقتل 52 من الأبرياء وجرح 700 شخص آخر، والتي تعرف اليوم بهجمات لندن أو «7/7»، نشرت تقارير ومقالات وكتب تتناول أوضاع المسلمين البريطانيين. لكن لا شيء أثار الغضب مثل ذاك الذي أُثاره نشر كتاب «الإسلاموي» لمؤلفه إد حسين، وهو زعيم طلابي وقيادي سابق كبير في حزب التحرير الإسلامي، هذا الحزب، الذي يدعو إلى إعادة الخلافة الإسلامية، ممنوع في الشرق الأوسط وفي بعض البلدان الأوروبية الأخرى. وفي 2005 كان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني آنذاك قد خطط لمنعه، لكنه نُصِحَ بعدم القيام بذلك. وإد حسين، مسؤول التجنيد السابق في حزب التحرير الذي انتقل من خندق الأصوليين إلى إعلان الحرب عليهم، يعتبر أبرز المنشقين عن الحزب الأصولي إلى جانب الإسلامي الباكستاني ماجد نواز، وقد أسسا معا مؤسسة «كويليام» البريطانية لمكافحة التطرف، وهي مؤسسة بحثية كبرى تحظى بقبول ودعم صانع القرار البريطاني.

وهنالك إلحاح جديد أُضفي على قضية الأصولية في بريطانيا بعد الهجوم الإرهابي على مطار غلاسكو في 29 يونيو (حزيران) 2007، ومحاولة تفجير سيارتين في لندن. لقد رُفِعت حالة التأهب إلى المستوى الحرج وهو أعلى المستويات. كما أن سلسلة المحاكمات والأحكام التي أعقبت ذلك، وكذلك الكشف عن عدد من المؤامرات، أَكدا جدية التهديد. وإد حسين (واسمه الأول هو إد، اختصارا لمحمد) هو أول إسلامي بريطاني سابق يعرض لطرق عمل المجموعات الإسلامية من الداخل. وفي لقائه مع «الشرق الأوسط» تحدث عن عمليات غسيل الدماغ في جامعة لندن لطلبة صغار في السن، وعمليات التجنيد والجذب إلى الحلقات الأصولية بشعارات جذابة ومثيرة كانت من لبنات وأفكار القيادي الأصولي عمر بكري الذي خرج من بريطانيا إلى طرابلس في لبنان في أعقاب هجمات لندن، مثل «حلم الخلافة سيتحقق رمضان المقبل.. والصلاة في المسجد الأقصى العام المقبل»، بل إنه كان يزيد بالقول إن علم الخلافة سيرتفع فوق سارية قصر باكنغهام.. وكان الشباب يسمعون ذلك فيصدحون بالتكبير بصوت جماعي يهز جنبات القاعات «الله أكبر».. «كان مشهدا دراميا وكأن ذلك سيتحقق في القريب».

وتتلمذ حسين على كتابات أبو الأعلى المودودي، ومفكر الإخوان المسلمين في مصر سيد قطب، وتقي الدين النبهاني زعيم الحزب، إلا أن حسين يعتقد أن هناك الآن على الأقل خطين في حزب التحرير، أحدهما معتدل والآخر أكثر تطرفا. لكنه لا يعتقد أن الحزب قد تخلى عن التزامه بإقامة دولة للخلافة الإسلامية تكون مكرسة للمجابهة العسكرية مع الغرب وإسرائيل.

وحسين إسلامي سابق ذو ذكاء وحساسية، دوّن رحلته الشخصية الطويلة بأسلوب جذاب، لم يعجب كثيرا من أبناء الجالية المسلمة لأنه يعري آيديولوجية الأصوليين. لقد ولد حسين في 1975 في الجالية البنغلادشية في منطقة تاور هاملت شرق لندن. وكمراهق ابتعد عن الإسلام الروحي اللطيف الذي اعتنقه والداه. وانخرط في النشاط الأصولي الذي دفعه إلى الصدام مع والديه وجعله يهرب من البيت لفترة من الوقت. ويقول حسين «بينما كنت أستمع إلى والدي يرتل القرآن يوميا لأكثر من ساعة بعد صلاة الفجر، وكان بصوته يملأ ردهات المنزل بالنور الإيماني الروحي، كنت أنا على الطرف الآخر مع عناصر الحزب بعيدين عن الصلاة والعبادات ومشغولين بالأهم وهو تعليق اللافتات على جدران المساجد والشوارع، التي كان مكتوبا عليها (اليوم البوسنة وغدا بريطانيا)، وكانت تلك الشعارات ساخنة وجذابة لمزيد من الأنصار، وكان هدفنا في الحرم الجامعي تجنيد الطلبة العرب، باعتبارهم (أهل النصرة)، لأن الهدف كان في وقت لاحق حسب أبجديات الحزب إرسالهم مرة أخرى إلى أوطانهم لتنفيذ مهام عسكرية.

وحسين، الحاصل على درجة جامعية من لندن في التاريخ وماجستير في دراسات الشرق الأوسط من كلية الدراسات الأفريقية بجامعة لندن، يتحدث العربية بعد أن عمل في جدة مدرسا للإنجليزية، وكذلك في العاصمة دمشق تحت مظلة المركز الثقافي البريطاني. كان مدخله في مدرسته الثانوية الرسمية إلى الإسلام السياسي، عبر كتاب غلام ساروار «الإسلام: الاعتقادات والتعاليم» كي يقرأه. كان هذا مدخله إلى منظمات مثل الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، وخلال فترة شبابه شغف بكتابات ثلاثة مفكرين راحلين، هم الباكستاني أبو الأعلى المودودي، والمصري سيد قطب وكتابه «معالم في الطريق» الذي يدعو فيه إلى الجهاد ضد الحكام المسلمين، وتقي الدين النبهاني المولود في حيفا ومؤسس حزب التحرير. يتحدث حسين عن تجربة الإسلاميين في الكليات والجامعات البريطانية، ويتساءل عن غياب الإسلام الثوري الذي دعا إليه المودودي وسيد قطب في السياق البريطاني، ليكتشف أن المودودي وقطب اللذين عبرا عن تجربة ما بعد الاستعمار في كتابتهما كانا يكتبان عن زمن خاص وسياق محدد، وهذا السياق غير متوافر في بريطانيا. وتخرج إد حسين في مدرسة النبهاني، بعد أن تخرج في كتابات سيد قطب والمودودي، وأصبح مشغولا بالخلافة، بعد أن كان يهتف بشعار الإخوان الذي علقه في غرفته «الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول قدوتنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا». وترك حسين الحزب الأصولي بعد أن طعن مسلما وقتل طالبا مسيحيا أسود. رأى حسين أن أدبيات الحزب خلقت المناخ الملائم لحدوث مثل تلك الجريمة. وجاء الحوار مع إد حسين مؤسس «كويليام» والباحث بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية على النحو التالي:

* كم عدد سنوات عملك مع حزب التحرير؟

- قرابة ثلاث سنوات.

* عندما انضممت إليهم، هل قرأت وحفظت جميع البيانات الرسمية والكتابات الصادرة عنهم؟

- لا يمكنني الجزم بأنني أحفظ جميع هذه الكتابات عن ظهر قلب. داخل حزب التحرير الكثير من الكتب التي لا يطلعك عليها الأعضاء إلا بعد مرورك بمراحل معينة. وربما يكون «نظام الإسلام» أشهرها.

* من كان معلمك داخل حزب التحرير؟

- فريد قاسم كان معلمي الأول داخل حزب التحرير، وهو مهندس معماري عراقي. ومنذ ذلك الحين ترك المنظمة وأصبح أكثر راديكالية وانضم إلى منظمة أخرى. هناك فرعان لحزب التحرير في بريطانيا، والفرع الرئيسي له هو ذو الطابع الخميني الذي نعرفه جميعا، أما الثاني فقد انشق عن المنظمة الأساسية، وقد انضم قاسم لهذا الجناح. وقبلها تتلمذت على كتابات المودودي وسيد قطب المفكر الإخواني وتقي الدين النبهاني.

* ماذا كان منصبك داخل حزب التحرير.. هل كنت عضوا بالمنظمة الفكرية، أو جهود التجنيد؟

- كان عملي يتعلق بدرجة أكبر بالتجنيد ووضع الاستراتيجيات. خلال تلك الفترة، تحديدا بين عامي 1995 و1998، كان نشاط حزب التحرير مقتصرا على بعض الجامعات، خاصة كليات الطب. إن المهمة الأولى التي اضطلع بها جيلي هي نقل حزب التحرير إلى «تاور هامليتس»، أكثر مناطق بريطانيا كثافة من حيث أعداد السكان المسلمين. وعليه، كنت رئيس الجمعية الإسلامية بالكلية داخل «تاور هامليتس»، وكنت مسؤولا عن تقديم حزب التحرير لمسجد شرق لندن، أكبر مساجد بريطانيا. وبذلك، كنت مشاركا في استراتيجية تجنيد الأعضاء العاديين.

* كم عدد أعضاء حزب التحرير داخل المملكة المتحدة؟

- من الصعب تقدير ذلك، لكني لا أعتقد أن العدد يتجاوز 300 أو 400 عضو، لكن هذه هي الدائرة الأساسية من الأعضاء، بخلاف ما يتمتعون به من عدد كبير من المؤيدين الذين قد تصل أعدادهم إلى 3.000 أو ربما 4.000.

* عندما كنت عضوا بحزب التحرير، هل اعتقدت أن مسألة عودة الخلافة قد تتحقق بالفعل؟

- كنا نؤمن بأنها ستحدث قريبا جدا. كنت في الـ17 أو الـ18 من عمري حينذاك، وكان والدي مهاجرا من الهند. ولم نكن على معرفة بعرب، وكان عمر بكري أول شخص عربي نلقاه. ونظرا لأن القرآن باللغة العربية والنبي محمد ينتمي إلى العرب، كنا أشبه بمن وقع تحت تأثير سحر شديد. وعندما قال بكري إن كل منزل في لبنان به أعضاء من حزب التحرير، وإن المنظمة تتمتع بمكانة قوية للغاية داخل السعودية، قدم إلينا دليلا تمثل في محمد المسعدي، وهو بروفسور رفيع المستوى بجامعة في السعودية، وأكد لنا بكري أن الخلافة في طريقها للعودة لأنهم على وشك الاستحواذ على السلطة قريبا في الأردن ولبنان والسعودية. إذن، من كنت أنا كي أحكم على بكري وأقول له «أنت مخطئ»؟!.. وفي عام 1994، عقدنا مؤتمرا ضخما حول الخلافة داخل مركز «ويمبلي» للمؤتمرات، شارك به المسعدي والكثيرون غيره من مختلف أرجاء العالم، وتولد بداخلنا إيمان حقيقي بأن الخلافة على وشك العودة.. واعتدنا القول إن الخلافة ستعود بحلول العيد القادم أو رمضان المقبل. إلا أن هذا لم يحدث قط.

* هل لا تزال تؤمن بهذا الأمر؟

- الآن، أؤمن بأن ذلك لن يحدث قط، لكن حينها كان هذا هو اعتقادنا.

* متى انسحبت من حزب التحرير؟

- تقريبا في أغسطس (آب) 1997.

* لماذا تركت حزب التحرير، هناك أقاويل حول أن حادثة القتل هي السبب أو نفوذ زوجتك؟

- كلاهما. لقد دخلت في قصة حب، وزوجتي مسلمة بريطانية من أصل هندي، وهو أمر منحني هدفا مختلفا في حياتي، لكن من بين الأسباب الأعمق أن والديّ كانا رافضين دوما لانضمامي إلى حزب التحرير، لكونهما من المنتمين إلى التيار الرئيسي من الإسلام الحنفي مثلما يوجد في مصر أو سورية. يصحو والدي يوميا عند صلاة الفجر ويحرص على تلاوة القرآن حتى سطوع الشمس، وهو أمر عايشته منذ سن صغيرة للغاية. إلا أنني عندما كنت عضوا بحزب التحرير أتذكر أننا كثيرا ما كانت تفوتنا صلاتا الفجر والعشاء لانهماكنا في توزيع منشورات. وبذلك يتضح لك التناقض بين ما كنت فيه أثناء عضويتي بالمنظمة والإسلام الحقيقي، وهذا هو الاختلاف بين حزب التحرير والإسلام الصادق النابع من القلب. لقد كان حزب التحرير مجرد منظمة سياسية تدور حول النشاط السياسي والغضب والمواجهة، لكنها جوفاء من الداخل.

* هل كان هناك أعضاء عرب بالمنظمة؟

- نعم، الكثير من العرب. وكانت تلك واحدة من نقاط الجذب الرئيسة بالنسبة لأمثالي للانضمام إلى حزب التحرير، وهو وجود الكثير من العرب أو من اعتبرناهم «مسلمين حقيقيين»، لأننا كنا ننظر إلى أنفسنا دوما كمسلمين من الدرجة الثانية، وأننا هامشيون، خاصة أننا لا نتحدث العربية.

* هل كان هؤلاء طلابا عربا؟

- نعم، دارت الفكرة حول تجنيدهم لأغراض تنفيذ انقلابات عسكرية، وكانت هناك مساع لتجنيدهم وإرسالهم مجددا لأوطانهم لتنفيذ انقلابات. إلا أنه في الوقت ذاته، خلق حزب التحرير بداخلي - أو بالأحرى عزز بداخلي - الاهتمام بتعلم اللغة العربية الذي أثاره والدي في، وشجعني على قضاء بعض الوقت في الشرق الأوسط، وهو أمر جيد لأنك فيما بعد تدرك أن العرب مثل أي أمة أخرى وليس هناك أمر خاص يتميزون به!

* إذن كانت أجندة حزب التحرير إرسال أعضائه لأوطانهم وتجنيد مزيد من العرب.. أليس كذلك؟ - نعم. لقد اعتدنا النظر إلى العرب باعتبارهم من وصفناهم بـ«أهل النصرة»، ورأينا أنهم سيكونون الجانب الذي سيمنحنا دعما على الصعيدين العسكري والسياسي. بيد أن هذا الوضع تبدل عام 1998 عندما أعلنت باكستان انضمامها للنادي النووي، حيث تحول الاهتمام الأساسي حينئذ نحوها - لكن حتى تلك اللحظة كان العرب على درجة بالغة من الأهمية.

* خلال الفترة التي قضيتها في حزب التحرير، هل كانوا يعقدون محاضرات وندوات لمراجعة استراتيجياتهم كما هو الحال الآن؟

- نعم. بصورة عامة، يوجد في حزب التحرير مستويان: أولهما يطلق عليه «الدارسون»، وهم الأفراد الذين يعكفون على الدراسة، بينما يضم المستوى الثاني الأعضاء الفعليين. وكنت أنا «دارسا»، لذا تعين علي حضور اجتماع سري مرة أسبوعيا في «تاور هامليتس»، وكان فريد قاسم يتولى منصب «مشرف».

* أين فريد قاسم الآن؟

- هنا في لندن، وهو من أب عراقي وأم إنجليزية. أما إذا رغبت في ذكر اسم يثير فضول أعضاء حزب التحرير بشدة، فهو الدكتور نسيم غاني، وهو الشخص الذي جندني للانضمام إلى حزب التحرير. وينتمي غاني في الأصل لبنغلاديش، لكنه حاليا رئيس المنظمة داخل المملكة المتحدة، لكنه يعمد إلى الابتعاد عن الأضواء ويحيط نفسه بهالة من السرية.

* وما المدة التي تطلبها تأليف كتابك؟

- قرابة عام.

* هل يمكن أن تعطينا نبذة عنه؟

- جاء الكتاب في أعقاب هجمات 7 يوليو (تموز)، نظرا للحيرة التي أصابت الطبقة الوسطى السياسية هنا في بريطانيا بين الإسلام والإرهاب. وتركزت معظم التساؤلات حول: هل يتحمل الإسلام اللوم عما جرى؟ من ناحيتها، أكدت المنظمات الإسلامية هنا على أنها لا علاقة لها بالإرهاب والتطرف والآيديولوجية. لذا، حاولت إثارة نقاش وتوضيح أن جيلي جرى اجتذابه إلى الفكر الراديكالي هنا داخل بريطانيا قبل تفجيرات 7 يوليو، وأيضا قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بالولايات المتحدة. وأردت الإشارة إلى أن السياسة الخارجية لها بالفعل دور، بل إنها أشبه بالزناد الذي يطلق الهجمات، لكن دعونا لا ننكر أيضا مسؤولية حزب التحرير والمنظمات الأخرى. تلك كانت خلفية تأليف الكتاب. وبالفعل، حقق الكتاب نجاحا، وحقق أعلى مبيعات هنا، وحصل على تغطية إعلامية واسعة. إلا أن الإنجاز الأهم للكتاب هو فتحه الكثير من الأبواب أمامي للقاء سياسيين وإعلاميين وقيادات المجتمع، علاوة على مساعدته لي في إنشاء منظمة «كويليام» اعتمادا على الصلات التي بنيتها.

* كيف كانت تحديدا بداية عمل «كويليام»؟

- بدأت «كويليام» عام 2007على يدي أنا وماجد نواز، وكان زميلي أيضا في الحزب قبل أن ينشق عنه. وأطلقنا عليها «كويليام» تيمنا بمحام بريطاني كان أيضا مسلما. وحاولنا إثبات أن الإسلام ليس بالأمر الغريب أو الجديد أو الأجنبي عن إنجلترا. وكانت الرسالة التي حاولنا نقلها هي أن الإسلام والانتماء الحقيقي للهوية البريطانية ليسا دوما متعارضين، لكن الإسلام، مثل اليهودية والمسيحية، دين. ومثلما هو الحال مع أي دين، ينبغي أن يترك أمامه المجال بحرية كي يزدهر هنا. لقد كان كويليام مسيحيا أبيض تحول إلى الإسلام. ومن خلال اختيارنا اسمه، حاولنا العودة بالإسلام إلى ما قبل ستينات القرن الماضي وقبل الإمبراطورية البريطانية، إلى التاريخ البريطاني الإسلامي. و«كويليام» تعتبر أول مؤسسة بحثية لمكافحة التطرف، تحارب «الإسلاموية» وليس الإسلام، حيث إنها تعتبر أن الإسلاموية هي الاعتقاد بأن الإسلام هو آيديولوجية سياسية، وينتمي الإسلامويون لدرجات مختلفة، ويختلفون في كيفية تطبيق هذه الأفكار المثالية، فالكثير منهم يعيشون حياة اجتماعية حديثة، لكن أفكارهم السياسية متطرفة، وعادة ما يحتقرون رجال الدين المسلمين ويزدرون المسلمين العاديين، ويحضون على كراهية الغرب.

وتتوافر منظمة «كويليام» على عدة وحدات وخلايا لمواجهة التطرف، والتوعية به، وبمخاطره، وتقديم المساعدة إلى من يريد التخلص منه، وما يجعلنا نتميز عن الآخرين أن كل دوراتنا التدريبية يتم تنفيذها بالاشتراك مع أعضاء سابقين في منظمات أصولية، لأنه من الصعب على من ليست له تجربة مباشرة في التطرف أن يكون لديه وعي بآلية العمل الداخلي لمثل هذه المنظمات، وآليات تجنيد المتطرفين وطرق إقناعهم.

* هل تحصل «كويليام» على أي مساعدة من الحكومة؟

- نعم. تتلقى المنظمة مساعدة مالية مباشرة من الحكومة، وفي المقابل نقدم المشورة إلى الحكومة.

* هل يمكن أن تخبرنا قليلا عن المواقع الإلكترونية الأصولية، وهل يمكن محاكمة هؤلاء الأشخاص لتأثيرهم السلبي على المسلمين داخل هذه البلاد؟

- تسمح القوانين الحالية البريطانية المعروفة باسم «تمجيد الإرهاب» بمحاكمة الكثير من الأفراد الذين يديرون ويسهمون في تلك المواقع الإلكترونية باعتبار أنهم يحرضون على العنف ويمجدون الإرهاب، لكننا لا ندري لماذا لم تقدم الحكومة على محاكمة أحد. بالنسبة لنا، يتركز اهتمامنا ليس على هؤلاء الأفراد، وإنما آلاف الشباب المسلم الذين يدخلون إلى هذه المواقع الإلكترونية ويتابعون المناقشات عليها، وذلك لأنهم لا يطلعون على حجة معارضة لما يقال أمامهم. لذا، من بين الأشياء التي نحاول تحقيقها فضح العالم السري لقرابة 100 موقع جهادي على الشبكة يضم آلاف الأعضاء. على سبيل المثال، يضم موقع «الفلوجة» نحو 60.000 عضو. ولا أعني بكلامي هذا أن جميع مثل هذه المواقع جهادية، وإنما ما أقصده أن هناك الكثير من التفاعلات التي لا نولي لها اهتماما. ويعمد مسؤولو استخبارات من دول مختلفة لإغلاق هذه المواقع، لكننا نطلب مناقشتهم والدخول معهم في تحد.

* لوحظ مؤخرا أن هناك الكثير من الأشخاص البيض يعتنقون الإسلام من خلال حزب التحرير.. هل لاحظت ذلك؟

- نعم، للأسف.. لقد روجوا للإسلام كآيديولوجية سياسية، مثل الشيوعية. بمعنى آخر هم يروجون لفكرة أن الرأسمالية خاطئة لأنها مفلسة أخلاقيا، وأن معدلات الحوادث مرتفعة، بينما تنتشر حوادث الاغتصاب والعري، وهي جميعها مشكلات يعانيها النظام الرأسمالي الراهن. إذن.. ما هو البديل؟ إنه النظام الإسلامي. وللأسف، من السهل عليهم تجنيد صبية في الـ18 أو الـ19 من أعمارهم داخل الجامعات وجذبهم إلى نمط الإسلام الذي يعتنقه «حزب التحرير»، وهو إسلام يحمل طابعا سياسيا ويقوم على المواجهة.

* ما الذي يمثل في اعتقادك أفضل أو أكثر السبل شيوعا في تجنيد الأفراد؟

- أولا: أن يجري الربط بين التجنيد وأحداث دولية أو مثيرة للعاطفة. في حالتي، كان هذا الحدث هو ما جرى في البوسنة. لو كان مسلمون بيض وشقر وأصحاب عيون زرقاء يتعرضون للقتل، فماذا إذن يخبئ المستقبل لي وأنا ذو بشرة داكنة وعينين سوداوين، خاصة أن الذين يلقون حتفهم في البوسنة موجودون هناك منذ 400 عام؟ وقد وضع مسؤولو حزب التحرير أمامنا ملصقات تقول «بريطانيا اليوم بوسنة الغد»، وبذلك زرعوا في قلوبنا الخوف، بينما كانت أعمارنا تتراوح بين 18 و19 عاما. وقد جندوا أفرادا اعتمادا على قضايا العراق والصراع العربي - الإسرائيلي، وجميع الصراعات العالمية الكبرى المثيرة للعواطف التي لم نكن نملك لها حلا. لكن حزب التحرير طرح حلا خاصا به، ومن خلال ذلك اجتذبنا لفكرة الخلافة والجهاد على طريقته.

* هل قدم حزب التحرير أي شيء على وجه التحديد لتشجيع الشباب على الانضمام إليه؟

- أعتقد أنهم قدموا إلي بالفعل شبكة من الدعم والأفكار. وكان بإمكان أي فرد من حزب التحرير التوجه لأي مدينة بالبلاد والعثور هناك على أصدقاء ودعم وإقامة.

* هل يعد مجلس العلاقات الخارجية الأميركية الذي ستنتقلون إليه كيانا حكوميا؟

- إنه ليس كيانا حكوميا، وإنما يعمل على نحو مستقل عن الحكومة، لكنه يضطلع بدور قوي للغاية في تقديم النصح للحكومة وانتقاد سياساتها. ويعد واحدا من أقدم المعاهد البحثية في أميركا حيث تعود بداية عمله إلى عام 1921.

* هل يمكن أن تطلعنا على المزيد عن عملك في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية؟

- سأبدأ عملي بهذا المجال في ديسمبر (كانون الأول) المقبل ويدعى «مجلس العلاقات الخارجية» في واشنطن العاصمة ونيويورك. كما أنني زميل بارز هناك ومعني بالتصدي للإرهاب ونشر الفكر المتطرف والتعليقات الإعلامية حول الإسلام والقضايا المرتبطة بالمسلمين داخل أميركا. إنها فرصة طيبة لإطلاع الرأي العام الأميركي على آراء المسلمين العاديين، وبأن الإسلام كدين لا يشكل تهديدا لأميركا أو القيم الأميركية. في الوضع الراهن، مثلما هو واضح من مقترح حرق نسخ من القرآن الكريم وما يطلق عليه «مسجد غراوند زيرو»، هناك خوف في أوساط الرأي العام الأميركي. لا ينتمي مجلس العلاقات الخارجية إلى تيار اليمين أو اليسار، وإنما يشكل مؤسسة حيادية تقدم النصح للحكومة وتوجه المجتمع المدني، وبمقدورها نشر تعليقات في وسائل الإعلام الأميركية من دون أن ينظر إليها باعتبارها كيانا ينتمي لتيار المحافظين الجدد أو التيار الليبرالي، وإنما تظهر ككيان مستقل تماما.

* هل كان في مجلس العلاقات الخارجية أي زملاء مسلمين قبلك؟

- الإعلامي المشهور فريد زكريا بمجلس الإدارة، وهو شخصية بارزة في الولايات المتحدة.

* هل سافرت إلى أي دولة عربية؟

- عشت في سورية لمدة عامين، وتعلمت العربية، وكنت أدرس الإنجليزية، وعملت داخل المجلس الثقافي البريطاني. قضيت الفترة بين عامي 2003 و2005 في دمشق. ثم فعلت الأمر ذاته في جدة بين أواخر عام 2005 ونهاية عام 2006. كما قضيت بعض الوقت بالقرب من مكة والمدينة.

* ما هو مؤهلك الجامعي؟

- حصلت على درجة الماجستير من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، شعبة الدراسات الشرق أوسطية عام 2007. ولدي اهتمام شديد بالشرق الأوسط. وقبل ذلك، حصلت على درجة جامعية في التاريخ من جامعة لندن.