العراق يكسر الرقم القياسي في طول المدة بين الانتخابات وتشكيل حكومة

تخطى هولندا التي ظلت عام 1977 بلا حكومة لفترة 207 أيام

TT

تجاوز العراق، أمس، الرقم القياسي السابق لدولة تشهد أطول فترة بين إجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة جديدة. وكانت هولندا قد نالت اللقب المؤسف سابقا بعد سلسلة من المحاولات التي تركت البلاد دون حكومة منتخبة لـ207 أيام عام 1977، بحسب كريستوفر أندرسون، مدير معهد الدراسات الأوروبية في جامعة كورنيل.

وأمس أمضى العراقيون يومهم الـ208 دون حكومة جديدة. وعلى الرغم من مرور هولندا بهذه العاصفة، فإن المؤسسات العراقية الهشة ربما لا تتمكن من الصمود أمام الضغوط المتزايدة ومستوى العنف المطرد. ومع تنافس السياسيين على المناصب العليا وعقد الصفقات في الاجتماعات السرية، يقول الكثير من العراقيين إنهم يتساءلون عن السبب في مجازفتهم بحياتهم للتصويت في السابع من مارس (آذار). من جانبهم يبدي المسؤولون الأميركيون قلقا متزايدا تجاه الأوضاع في العراق، فعدم وجود حكومة منتخبة يحد من قدرات العراق على اتخاذ القرارات الوطنية ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى فقدان كل المكاسب الأمنية التي حصل عليها بشق الأنفس. ويتوقع أكثر الساسة العراقيين تفاؤلا في أن تستغرق العملية شهرين إضافيين على الأقل، إن لم يكن أطول.

ويقول جوست هيلترمان، الخبير الهولندي في الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية: «لا يوجد اختلاف في حالة العراق، عدا أن هولندا كانت تضم مؤسسات قوية فاعلة، وحكومة انتقالية واصلت الحكم. أما المؤسسات العراقية فضعيفة للغاية وحكومته الانتقالية غير قادرة على القيام بالكثير. وهو ما يهيئ الفرصة لحالة من عدم الاستقرار».

تشكيل الحكومة العراقية يزيد من تعقيده نظام التعددية الحزبية والعنف في الشارع. فبعد انتخاب المشرعين كان المفترض أن يتم انتخاب رئيس المجلس، الذي يعطي بدوره أكبر تحالف في البرلمان الفرصة الأولى لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. وهذه الحكومة في حاجة إلى 325 صوتا من أعضاء البرلمان لدعمها.

بيد أن النتائج التي تلت الانتخابات كانت هزيلة حيث شهدت الأسابيع التالية تبادل السياسيين الاتهامات بالتزوير في الانتخابات. كما أدى التقارب الشديد في نتائج أكبر كتلتين في البلاد - كتلة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي التي فازت بواحد وتسعين مقعدا، وكتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي التي فازت بتسعة وثمانين مقعدا - إلى أشهر من المفاوضات المتعثرة بين كلا الرجلين للصراع على منصب رئيس الحكومة.

وكانت كتلة المالكي قد اتفقت مع بعض الأحزاب الشيعية الأخرى على تشكيل تحالف ضخم في البرلمان يقوم على تفسير واحد للدستور العراقي. وهدد ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي الشيعي العلماني الذي يحظى بدعم كبير من العرب السنة بمقاطعة الحكومة إذا تم ترشيح المالكي من قبل التحالف الشيعي. ولا يزال علاوي متمسكا بحقه في تشكيل الحكومة العراقية بناء على تفسير آخر للدستور العراقي.

في الوقت ذاته باتت خطة تقاسم السلطة بين الاثنين التي تدعمها الولايات المتحدة، والتي حددت من سلطات المالكي كرئيس للوزراء وخلقت منصبا فيدراليا جديدا لعلاوي، أشبه ما تكون بالميتة.

في غضون ذلك لن يتمكن البرلمان العراقي من اتخاذ خطوات رئيسية مثل التصديق على التشريعات والتعديلات الدستورية والاتفاقات الدولية. لكن البرلمان العراقي لم يلتق أعضاء سوى مرة واحدة - في جلسة لم تزد على 18 دقيقة في يونيو (حزيران) لكنهم حصلوا على رواتبهم - 10,000 دولار شهريا - خلال ثلاثة أشهر. ويخشى الوزراء العراقيون من اتخاذ القرارات الصعبة - وفي بعض الأحيان السهلة - عندما يلتبس الأمر حول من يمسك مفتاح مستقبلهم السياسي والكثير من الإرث الحكومي المعلق.

وقال علي بابان، وزير التخطيط: «ليست لدينا سلطة الآن، لا يمكن للحكومة الحالية التصديق على التشريعات أو اتخاذ قرارات جديدة».

وخلال الصيف أعلن بابان، عضو ائتلاف المالكي، عن خطة تنمية وطنية خمسية تستهدف تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 9.4 في المائة سنويا وخفض البطالة. وتضمنت الخطة إنشاء 2,700 مشروع تقدر قيمتها بنحو 186 مليار دولار. لكن بابان قال إن تطبيق الخطة أشبه بالمستحيل دون تشريع قانوني، والاستثمارات متوقفة في الوقت الذي ينتظر فيه البعض ما سيحدث. وأضاف بابان: «كل شيء معلق، فالنزاع بين الكتل السياسية يعوقنا عن القيام بمهامنا».

ولا يستطيع وزير الخارجية تطبيق المعاهدات أو الاتفاقات الدولية دون حكومة جديدة، فالدول الأجنبية تتردد في التعامل مع حكومة انتقالية يمكن للحكومة المنتخبة أن تتراجع عنها. وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية: «هذا الموقف غير مقبول بالنسبة إلينا، فقد طال الأمر أكثر مما توقع الجميع والبلاد في حاجة إلى حكومة». وأشار إلى أنه على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود لكسر الجمود. وزيباري عضو في التحالف الكردستاني، الكتلة السياسية الضخمة للأكراد التي يسعى كل من علاوي والمالكي لخطب ودها للحصول على دعمها في البرلمان. وقال زيباري، الذي عقد اجتماعات طوال الأسبوع خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة: «لقد كنت صريحا جدا في هذا الصدد، فلا بد للولايات المتحدة من بذل المزيد من الجهود، وكنا نحثهم على ذلك».

وهناك الكثير من القضايا الرئيسية الأخرى التي تنذر بحدوث تداعيات اقتصادية أو أحداث عنف والتي لم تحل. فالعراق لم يوافق إلى الآن على قانون تقاسم عائدات النفط، ولا يمكن تطبيق المادة 140 من الدستور لحل المناطق المتنازع عليها التي يتنازع عليها العرب والأكراد، والتي غالبا ما يشار إليها كنقطة انطلاق بسبب نزوعها للعنف. وتبدو الحكومة عاجزة عن إقامة علاقات جيدة مع إقليم كردستان الذي يحظى بحكم شبه ذاتي، الأمر الذي يعني أن المصالحة الوطنية الهادفة لا تزال في الانتظار.

وقال العراقيون إنه على الرغم من حث المسؤولين الأميركيين للساسة العراقيين على تشكيل حكومة شاملة بأقصى سرعة، فإن الكثير من الأحزاب العراقية لا تبدي رغبة في التوصل إلى تسوية بالقدر نفسه الذي يرغب فيه المسؤولون الأميركيون. ويقول خالد الأسدي، عضو البرلمان وأحد أعضاء ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، معبرا عن المقترح الأميركي بتقاسم السلطة، مستخدما القول المأثور: «إن حاولت إرضاء الجميع، فلن ترضي أحدا».

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»