الإرادة الإيرانية تتغلغل في الساحة العراقية وأدواتها مسؤولون ومؤسسات دينية واستثمارات

موقف المجلس الأعلى الإسلامي يثير الاستغراب والاحترام في الوقت نفسه

TT

أثار موقف المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، وهو أحد أهم المكونات الرئيسية للائتلاف الوطني العراقي، بإصراره على الوقوف في وجه الإرادة الإيرانية التي تدعم تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء لمرة ثانية - الاستغراب والاحترام في وقت واحد، فالجميع يعلم أن الدعم الإيراني للمجلس ومنذ عقود لم يتخلخل إلا قبل أشهر، عندما تسربت معلومات عن أن إيران ستوقف دعمها المادي للمجلس إلى النصف في حال استمراره في معارضة تولي المالكي ولاية ثانية.

وعلى الرغم من نفي المجلس القاطع لتلقيه أي دعم من إيران وأن مشاريعه الاستثمارية هي التي تموله، فإن سياسيا عراقيا مقربا من الائتلاف الوطني أكد لـ«الشرق الأوسط»أن المجلس الأعلى ومكونات أخرى داخل الائتلاف الوطني تتلقى دعما مستمرا من إيران، سواء كان دينيا أو سياسيا أو ماديا، باعتبار أن غالبية تلك المكونات ترعرعت داخل الأراضي الإيرانية في فترات المعارضة إبان حكم نظام صدام حسين وبعد المطاردات التي شهدها أغلب قيادات الائتلاف الوطني ومنهم أعضاء حزب الدعوة الذي يقوده المالكي قبل أن ينفصل عن الائتلاف بعد الانتخابات النيابية الأولى التي جرت عام 2005 وبعد أن تولى رئاسة الوزراء ليدخل انتخابات مجالس المحافظات منفردا ليحصد غالبية المقاعد في المدن التي كانت إلى وقت قريب معاقل للمجلس الأعلى الإسلامي. ويضيف المصدر أن المجلس الأعلى وعلى الرغم من كل الضغوطات الإيرانية وجد أن الصعود من الداخل أقوى من الدعم الإيراني لهذا الصعود، لذلك تشبث بموقفه الداعم لتشكيل حكومة شراكة وطنية دون الرجوع إلى تجربة السنوات الأربع التي قادها المالكي واعتبرها المجلس الأعلى تجربة فاشلة لا يريد تكرارها. وحسب المصدر، فإن بعض قيادات المجلس أبدت في الآونة الأخيرة بعض الليونة تجاه تلك الضغوطات جراء ما حصل في موقف التيار الصدري الذي كان من أشد المعارضين للتدخلات الإيرانية، على الرغم من أن التيار الصدري حديث العهد بقربه من إيران وهو لا يوازي القرب الذي تتمتع به مكونات أخرى داخل الائتلاف الوطني.

«التراخي»، كما يقول المصدر، في موقف التيار الصدري جعل بعض قيادات المجلس الأعلى تتراجع عن موقفها، لكنها لم تعلن هذا التراجع أمام إصرار الحكيم على أن لا يكون لإيران دور في تشكيل هذه الحكومة كما حصل في عام 2005، إلى أن وصل الحكيم إلى أن يهدد بشكل ضمني بأنه سيتوجه للقائمة العراقية بزعامة إياد علاوي والتحالف الكردستاني في حال أصرت قوى التحالف الوطني (المكون من ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي والائتلاف الوطني) على تشكيل الحكومة بإرادة إيرانية.

والتحالف الوطني الذي كان يراد منه الحفاظ على (البيت الشيعي) كما يحلو للبعض تسميته «لم يتماسك وأضحت أطرافه تتصارع على إرادات داخله، ومحور تلك الإرادة هو إيران وما يمكن أن يحققه التحالف لتلك الإرادة»، لذا، وحسب ما توقعته لـ«الشرق الأوسط»فإن الإرادة الإيرانية «ستبدأ بالتهاوي ما دام هناك من لا يريد أن يتماسك داخل البيت الشيعي الذي تحاول إيران رسمه لبعض السياسيين على أنه بيتهم».

ويؤكد مصدر سياسي أن أدوات إيران في العراق هي الأشخاص في السلطة والسياسة، إضافة إلى مشاريعها الدينية والاستثمارية، وأن مصالحها التي بدأت بالتشعب داخل العراق وفرض تلك المصالح بدأ منذ سقوط النظام السابق، وما لم تحققه في سنوات خلت ستحاول تحقيقه في المستقبل.

مصدر في التيار الصدري، رفض الكشف عن اسمه أيضا، أكد لـ«الشرق الأوسط»أن التيار لا يخضع لأي ضغوط خارجية وأنه تيار عقائدي وأن وجود مقتدى الصدر هناك لا يعني أبدا خضوعه لتلك الضغوطات، وبشأن تأثيرات قاسم سليماني، المسؤول في الحرس الثوري الإيراني وعن الملف العراقي في إيران، وآية الله كاظم الحائري المرشد الروحي والمؤثر على التيار الصدري، من أجل إرغام الصدر على القبول بزعيم ائتلاف دولة القانون، قال المصدر «إن هذا الأمر ليس بالشكل الذي تصوره وسائل الإعلام، فالوفود التي خرجت من العراق باسم دولة القانون لم تستطع لقاء زعيم التيار لمدة أربعة أيام، ولو كان الأمر كما تصوره وسائل الإعلام لحل اتفاق بين دولة القانون والتيار الصدري بشكل مباشر وعلني».

وحسب مصادر استخباراتية، فإن الوجود الإيراني بدأ بالتعاظم مع دخول القوات الأجنبية إلى البلاد، حيث أصبح العراق وبفعل الانفلات الأمني مسرحا مهما لأجهزة مخابرات الدول القريبة منها والبعيدة، وكانت لإيران اليد الطولى في هذا التدخل، لقربها الجغرافي ولأن مصالحها تكمن في تدخلها الاستخباراتي بشكل أكبر من غيرها، وقامت بزرع أتباع لها دائمين من خلال إنشاء مشاريع تجارية أو مؤسسات إعلامية تتم إدارتها من قبل عراقيين لهم ولاء لإيران.

وفي الحوزة الدينية في النجف، استغلت إيران مذهب التشيع كوسيلة للوصول إلى بعض المناطق الدينية في العراق ومنها مدينتا النجف وكربلاء، حيث افتتحت لها الكثير من المؤسسات الدينية، بالإضافة إلى فتح مكاتب لمراجع دين إيرانيين يقومون بتوزيع رواتب شهرية على بعض طلبة الحوزة الدينية. ويقول علي حسين أستاذ في الحوزة الدينية لـ«الشرق الأوسط»إن «إيران قد تكون لها رغبة في أن يكون لها موطئ قدم في الحوزة الدينية أو على أقل تقدير تكون قريبة من قرار الحوزة، لكن طبيعة قرار الحوزة بعيد كل البعد عن المجال السياسي، بل إنها دائما تعمل من أجل الحفاظ على العراق ووحدته، وهذه القرارات قطعت آمال الإيرانيين حكومة ومرجعية دينية»، مؤكدا أن «الإيرانيين ينزعجون في بعض الأحيان من عدم استجابة بعض الشخصيات المعروفة في النجف لبعض الأمور أو أحيانا يرغبون في تدخل المرجعيات في دعم القوائم الشيعية أو قوائم معينة منها، ومع ذلك لم يحصلوا على هذا الدعم، وبالتالي فإن مسألة التدخل أو التأثير معدومة تماما».

من جانبه، أكد باحث سياسي رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط»أن «إيران تريد أن تسيطر على مفاصل الحياة في مدن الفرات الأوسط عامة ومدينتي النجف وكربلاء، خاصة أن ذلك يساعدها في زرع جذور لها على مدى سنوات طويلة تحقق من خلالها مآربها ومخططاتها، حيث بدأت بإنشاء مستشفى إيراني ليدار بعد إنجازه من قبل كوادر إيرانية»، مضيفا «تعمل مؤسسة الخميني الخيرية على توزيع الرواتب الشهرية على الفقراء والمطلقات والأرامل فضلا عن مؤسسات أخرى تعمل في هذا الاتجاه».

أما حميد فاضل، المحلل السياسي، والأستاذ في كلية العلوم السياسية، فيؤكد أن لإيران أدوات تقليدية في قضية ضغوطها على القرار العراقي، حيث تكاد تكون معروفة لدى الكثيرين، موضحا لـ«الشرق الأوسط» «إن إيران وبما تمتلكه من ثقل ومكانة في المجتمع العراقي ثقافيا ومذهبيا واقتصاديا، فضلا عن جغرافيا (تشترك مع العراق بحدود تتجاوز 1300 كلم)، تعطي لها دورا وتأثيرا على القرار العراقي الداخلي»، مضيفا: «كذلك هناك قنوات متغيرة وطارئة، تتمثل في القوى العراقية التي كانت موجودة في إيران أو تلك التي كانت موجودة في سورية، تحتفظ بعلاقات ومصالح مشتركة ورؤى قد تكون قريبة من إيران». ولفت إلى أن «بعض القنوات لها علاقة بقوى ذات طبيعة عسكرية، حيث أشارت أميركا وبريطانيا إلى وجود جماعات مسلحة تلجأ إلى أسلوب مسلح بمقاومة الاحتلال لها علاقة مع إيران، وخاصة أن انسحاب بريطانيا من العراق جاء تحت ضغط الرعب من جماعات ترتبط بإيران». ويؤكد فاضل «إن الدور الإيراني كبير في العراق، لذلك فإن محاولات أميركا لإضعاف هذا الدور لم تنجح، الأمر الذي دعا الأخيرة إلى تنسيق الرؤى مع إيران من أجل ترشيح المالكي لولاية ثانية».