تسرب رسائل المعتقلين السياسيين تؤرق السلطات الإيرانية وتغضب المتشددين

شكوك بدعم سري من القضاء.. ومدعي عام طهران: في أي مكان في العالم يدلي السجناء بتصريحات؟

الصحافي الإيراني أحمد زيد أبادي ونائب وزير الخارجية الإيراني السابق محسن أمين زادة خلال حضورهما جلسة استماع في محكمة الثورة في طهران عام 2009 (أ. ف. ب)
TT

لا يعني السجن بالضرورة بالنسبة إلى السجناء السياسيين الإيرانيين حاجزا يحول دون الحديث علنا. وفي سلسلة من رسائل تخطت المألوف وكتبت داخل السجون، ذكر نشطاء وسياسيون وصحافيون - ألقي القبض على معظمهم في أعقاب فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في انتخابات يونيو (حزيران) 2009 المتنازع عليها - حكايات عن التعذيب، وانتقدوا قيادات إيرانية، وحثوا الآخرين على الاستمرار في احتجاجاتهم. ويقول مسؤولون حكوميون ومناصرون في وسائل الإعلام، إن الانتقادات تهدد الأمن القومي، ويطالبون المسؤولين في القضاء بوضع نهاية لذلك.

ووصف عبد الله مؤمني، وهو قيادي طلابي سابق، بالتفصيل، في إحدى الرسائل كيف تعرض للضرب بصورة وحشية عشرات المرات على يد محققين، وأنه كان يترك لأسابيع داخل زنزانة على شكل مقبرة، وأنه أجبر على الاعتراف بجرائم يقول إنه لم يرتكبها.

وكتب مؤمني في رسالة نشرت قبل ثلاثة أسابيع على موقع مؤسسة حقوقية تنتقد الحكومة الإيرانية: «تأتي هذه المعاملة في إطار منظومة دينية، ويبرر ذلك زعم بحماية الدولة». وأضاف مؤمني: «ألم يفشل مسؤولو تطبيق القانون والمسؤولون داخل الحكومة الحالية بالجمهورية الإسلامية في اختبار العدالة والأخلاق والإنسانية؟». مستخدما الرسالة للدعوة إلى إنشاء لجنة تقصي حقائق للتحقيق في عمليات الاستجواب داخل السجون. ويأتي مؤمني واحدا ما، تصفه منظمات حقوقية مقرها في الخارج بأنهم 500 سجين رأي، ألقي القبض على معظمهم بعد الانتخابات.

ويوم الأربعاء، عززت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من ضغوطها على أحمدي نجاد، من خلال مجموعة جديدة من العقوبات تستهدف معاقبة مسؤولين إيرانيين بارزين يعتبرون مسؤولين عن عمليات اعتقال عشوائية وقتل وتعذيب وضرب مواطنين إيرانيين منذ الانتخابات الرئاسية عام 2009 المتنازع على نتائجها.

ومن خلال محاكمات جماعية، اعترف الكثيرون منهم بأنهم جزء من مؤامرة حاكها الغرب من أجل تنظيم أعمال شغب وإسقاط الجمهورية الإسلامية. ولكن، قال كثيرون بعد ذلك إنهم أدلوا بهذه الاعترافات مكرهين. وصدرت بحق معظم النشطاء المتهمين بالعمل ضد الحكومة – ومن بينهم مؤمني – أحكام بالسجن لفترات طويلة.

وليس من الواضح، كيف تمكن من تسريب رسالته مع عشرات الرسائل الأخرى خارج أسوار سجن إيفين داخل طهران، حيث يحتجز معظم السجناء السياسيين. ولكن، يقول أقارب وأصدقاء إن الرسائل حقيقية، وقد نشرت مواقع إلكترونية معارضة وقنوات تلفزيونية مقراتها داخل دول أجنبية الكثير من هذه الرسائل، مما أغضب بعض المسؤولين الإيرانيين.

وقال مدعي طهران عباس جعفري دولت أبادي لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) التي تديرها الدولة، الأسبوع الماضي: «لقد أصبحت سجوننا مركزا لإصدار البيانات والتصريحات». وتساءل: «في أي مكان في العالم يقوم السجناء بإصدار تصريحات؟».

واتهمت وكالة الأنباء، التي يرأسها حليف قريب من أحمدي نجاد، القضاء بدعم بعض السجناء السياسيين في السر. وقالت وكالة «إرنا»: «في الواقع، يستمر هؤلاء المجرمون المحترفون في أعمال الشغب». وقد كان هناك الكثير من الخلافات، مؤخرا، بين الحكومة والقضاء، ومن بين ذلك الخلاف بشأن إطلاق سراح سارة شادور الشهر الماضي، وهي أميركية احتجزت مع آخرين منذ يوليو (تموز) 2009، وحكم الرجم بحق امرأة متهمة بالزنى.

وقد جرى تسريب تصريحات أدلي بها في جلسات محكمة وراء أبواب مغلقة. وخلال إجراءات محاكمة الصحافي عيسى ساهارخيز في يوليو، ظهرت تصريحاته التي قال فيها إن الحكومة، وليس المعارضة، هي التي تنتهك القانون في الوقت نفسه تقريبا على مواقع معارضة، على الرغم من أنه طبقا للقانون، فإن جلسات المحكمة سرية.

وفي أوراق دفاعه وزعت على نطاق واسع – وترجمها نشطاء إيرانيون في الخارج – قال الصحافي إن القضاء تصرف بعشوائية عندما قام بإلقاء القبض عليه. وأشار إلى حادث شهير خلال قضية عام 2004، عندما قفز رجل الدين، غلام حسين محسني إيجي، على الصحافي وعضه في كتفه. وقام الصحافي برفع شكوى، ولكن لم يحدث شيء. ويشغل محسني إيجي حاليا منصب المدعي العام داخل إيران.

ويقول الصحافي: «بعد شكوى منه (محسني إيجي) ضدي، أتعرض حاليا للتعذيب والضرب بصورة مخجلة، وألقي القبض عليّ وسجنت لفترات غير محدودة، ألا يدل ذلك على المعاملة التفضيلية داخل المنظومة القضائية داخل إيران؟».

ويوم الاثنين الماضي، حكم على ساهارخيز بالسجن ثلاثة أعوام، ومنع من ممارسة أي نشاط سياسي أو إعلامي على مدار خمسة أعوام بسبب إهانة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والنظام السياسي، وذلك حسبما أفاد به موقع «أفتاب نيوز». وقال ساهارخيز الخميس الماضي إنه لن يستأنف الحكم، وذلك حسبما أفاد به موقع «سهام نيوز»، الذي نقل عنه قوله إنه لا يريد أن يكون «جزءا من هذا السيرك».

وقد شارك ساهارخيز في كتابة رسائل من السجن إلى السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا نشرت على شبكة الإنترنت. ومن السجن، قام برفع دعوى ضد شبكات نوكيا سيمنز، لأنها قدمت لمسؤولين أمنيين إيرانيين، نظم مراقبة مهمة أدت إلى إلقاء القبض عليه. وقد وجه سجناء آخرون رسائل إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وتحدثوا عن تجاربهم داخل السجون. وتقول مصادر معارضة إن بعض عنابر السجن بها سجناء سياسيون يشرف عليهم ضباط استخبارات وأفراد من الحرس الثوري وقوات أمنية أخرى. وخلال فترة أولى من الاستجواب، يوضع السجناء غالبا في معزل، ويسمح لهم بعد ذلك فقط بالجلوس سويا داخل الزنازين وإجراء مكالمات تليفونية، بحسب ما تقوله مصادر من المعارضة. ويسمح لمعظم السجناء بمقابلة أفراد من العائلة. وبعد عدة أشهر، يحصل الكثيرون على فرصة لترك السجن لفترة مؤقتة بعد دفع غرامة.

وبالإضافة إلى البيانات الأخيرة من السجناء، تنظم مجموعة من عائلات السجناء السياسيين اجتماعات مع مسؤولين، ويطالبون بإطلاق سراح أقاربهم. وتقول مهدية محمدي، زوجة الصحافي المشهور أحمد زيد أبادي، المحكوم عليه بالسجن ستة أعوام سيتبعها النفي مدى الحياة في إحدى المحافظات: «يكتب زوجي مقالات، ولا يمثل تهديدا للأمن القومي». وأضافت محمدي خلال مقابلة أخيرة معها: «نحاول دفع المسؤولين إلى الاهتمام بقضيته وقضايا آخرين، ولكن لا يبقى لدينا سوى الأمل في حدوث ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»