بذرة عبارة «يهودية الدولة» بدأت بخطاب لباول قبل 9 سنوات

السفير الإسرائيلي أقنع مساعدا بإدخال العبارة في الخطاب والوزير الأميركي السابق لا يتذكر كيف وضعت

وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول يلقي خطابا في مركز ماكونيل بجامعة لويزفيل (إ.ب.أ)
TT

قبل 9 أعوام، ألقى وزير الخارجية الأميركي حينئذ كولن باول كلمة حول منطقة الشرق الأوسط دعا خلالها بإيجاز الفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية». ولا يتذكر باول كيف وضعت هذه العبارة في الكلمة التي ألقاها، ولكن يقول ديفيد إيفري، الذي كان حينها السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، إنه أقنع مساعدا لباول بأن يدرج مثل هذه العبارة.

وبعد هذه البذرة الصغيرة – وهي المرة الأولى التي ينحاز فيها مسؤول أميركي لأحد الطرفين في القضية – ظهرت عقبة هامة يحتمل أن لا يمكن التغلب عليها، بل يمكن أن تعوق سعي الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيرا إلى تعزيز اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

واختار الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مبدأ «الدولة اليهودية» في كلماته، واستخدمها في خطابات مثيرة للجدل تبادلها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون عام 2004. وقد تبنى أوباما العبارة، وكان آخر مرة في كلمة ألقاها الشهر الماضي قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وربما يعد وصف إسرائيل بأنها «دولة يهودية» شيئا نمطيا داخل الولايات المتحدة، ويستخدم ذلك كثيرا في المقالات داخل الصحف وفي برامج تلفزيونية. ولكن، ربما تحمل الكلمات معاني أعمق، ولا سيما فيما يتعلق بالشأن الدبلوماسي داخل الشرق الأوسط.

وبالنسبة إلى حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، فإن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كـ«دولة يهودية» يعني قبول فكرة أن اليهود موجودون داخل منطقة الشرق الأوسط منذ آلاف السنين، وأن اللاجئين الفلسطينيين لا حق لهم في العودة إلى الممتلكات التي هربوا منها أو أجبروا على الهروب منها عندما أنشئت إسرائيل قبل 6 عقود.

وينظر الفلسطينيون إلى «حق العودة» على أنه شيء مقدس. ويعتبرون «الدولة اليهودية» أنها شرك، ومطلب جديد لم يطرح خلال أعوام المفاوضات في التسعينات أو في اتفاقيات السلام مع مصر والأردن. وقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل في إطار اتفاقات أوسلو عام 1993.

وشاركت ديانا بوتو، وهي مساعدة سابقة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحاليا زميل في كلية كيندي بجامعة هارفارد، في محادثات 2001 داخل طابا المصرية، وتقول: «كنت مشاركة في المفاوضات الخاصة باللاجئين، ولم يكن ثمة ذكر لهذا، إنه أمر جديد تماما».

ويقول معن عريقات، سفير منظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة: «ننظر إليها على أنها مناورة سياسية من جانب الإسرائيليين، ومحاولة لاستباق الأحداث والحكم مسبقا على نتائج قضايا الوضع النهائي». ويقول إن المسؤولين الفلسطينيين لن يوافقوا أبدا على هذه الفكرة لأنه يعني التخلي عن حق العودة.

وعلاوة على ذلك، يقول مسؤولون عرب وفلسطينيون إن وصف إسرائيل بأنها «دولة يهودية» يثير تساؤلات حول حقوق الفلسطينيين ممن لديهم مواطنة إسرائيلية، الذين يمثلون 20 في المائة من شعب إسرائيل.

وفي كلمة له عام 2009، عبر عباس عن استخفافه بالفكرة. وقال: «ماذا تعني (دولة يهودية)؟ نحن نصفها بأنها (دولة إسرائيل). يمكن أن تسموا أنفسكم ما تشاءون، ولكني لن أقبل ذلك.. يمكن أن تسموها الجمهورية الصهيونية أو العبرية أو الوطنية أو الاشتراكية، ويمكن أن تصفوها ما تحبون، ولكني لا أكترث لذلك».

ويقول مايكل أورن، السفير الإسرائيلي الحالي لدى الولايات المتحدة، إن قضية «دولة عبرية» لا يعد شيئا هاما وحسب، ولكنه على قدر كبير من الأهمية. وأضاف أن اتفاقات أوسلو كانت معيبة، لأنه على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بدولة إسرائيل، فقد اعترفت الحكومة الإسرائيلية في الوقت نفسه بمنظمة التحرير الفلسطينية كـ«ممثل للشعب الفلسطيني».ويقول أورن: «عندما قرأت ذلك، قلت لنفسي (هذا خطأ) الأمر ليس تبادليا». ويضيف أن طلب نتنياهو لا يعبر عن فكرة جديدة، مشيرا إلى أن تقسيم الأمم المتحدة للانتداب البريطاني عام 1948 أشار إلى «دولة يهودية» و«دولة عربية». (ترفض بوتو المقارنة، وتقول إن «الفلسطينيين اليهود كانوا سيمثلون أقلية في البلد الذي سينشأ»).

ويقول أورن إنه خلال محادثات السلام المقبلة، فإن قبول «دولة يهودية» سيمثل شيئا جوهريا، كما أنه يعني «نهاية الصراع».

وعلى الرغم من أن نتنياهو يرأس ائتلافا يمينيا، لا يدور مقدار كبير من النقاش داخل إسرائيل بشأن أهمية هذه العبارة. وقد ساعدت تسيبي ليفني، زعيمة المعارضة حاليا، على ترويج الفكرة عندما كانت مساعدة لشارون. وقد أقنعت بوش شخصيا بأهميتها، وهذا هو السبب الذي جعله يكتب قائلا: «الولايات المتحدة ملتزمة بقوة بأمن إسرائيل وسلامتها كدولة يهودية» وذلك في خطاب عام 2004 قال فيه إن الفلسطينيين يجب أن يتوقعوا العيش داخل دولة فلسطينية في المستقبل، وليس داخل إسرائيل.

ويقول إيفري، السفير السابق، إن الإسرائيليين يعترفون منذ وقت طويل بأهمية ضمان الدعم الأميركي لفكرة «دولة يهودية». وأضاف أن الإسرائيليين كانوا مندهشين من القوة التي أكد بها الفلسطينيون على قضية اللاجئين في محادثات كامب ديفيد عام 2000 وطابا عام 2001، وقد كان هناك الكثير من النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية عن وسيلة مواجهة ذلك.

ويقول إيفري: «ننظر إلى هذه على أنها قضية لا يجب حتى التفاوض بشأنها، فلا يجب أن يكون للفلسطينيين حق عودة، بل يجب أن يعود اللاجئون اليهود».

ويقول إيفري إنه اتصل بريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية، وأقنعه بأن يدرج الإشارة. ويقول باول إنه راجع الأمر مع أرميتاج، ولا يتذكر أرميتاج ذلك. ويقول آرون ديفيد ميلر، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية كتب أول مسودة لكلمة باول، إن الجملة لم تثر الكثير من أجراس الخطر عندما ظهرت بصورة غير متوقعة في الخطاب. ويقول باول: «ربما أدرجنا الجملة كي نضفي على الخطاب توازنا، حيث شمل أجزاء ربما ينظر إليها على أنها منحازة لصالح الفلسطينيين»، مثل دعوة إسرائيل إلى وقف قتل وجرح الأبرياء الفلسطينيين ووقف التوسع في المستوطنات.

وقد أصبحت حاليا سياسة أميركية متعارفا عليها. وقال أوباما، عندما كان مرشحا لمنصب الرئيس عام 2008، أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية إن «أي اتفاق مع الشعب الفلسطيني يجب أن يحفظ هوية إسرائيل كدولة يهودية». وأعادت استراتيجية الأمن القومي التابعة للإدارة التأكيد على هذا الموقف في وقت سابق من العام الحالي، مع الإشارة إلى المخاوف الفلسطينية بشأن عرب إسرائيل. وتذكر الاستراتيجية أن «دولة إسرائيل اليهودية تتمتع بأمن حقيقي وقبول وحقوق لكل الإسرائيليين».

وبالنسبة إلى الإسرائيليين، فإن أوباما أخطأ خلال خطابه عام 2009 من القاهرة إلى العالم العربي عندما بدأ يربط إنشاء إسرائيل بالهولوكوست، وهو ما يأتي معاكسا للسرد الصهيوني الذي يقول إن الإسرائيليين كانوا دائما جزءا من منطقة الشرق الأوسط.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حاول أوباما أن يتناول هذه المخاوف. وأشار إلى «الدولة اليهودية» وأضاف: «بعد آلاف الأعوام، اليهود والعرب ليسوا غرباء في أرض غريبة.. فإسرائيل دولة ذات سيادة وموطن تاريخي للشعب اليهودي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»