المحكمة الدولية تضع مجلس الوزراء ولبنان أمام منعطف.. والتأجيل أبرز الحلول

حزب الله يرفض دعوة السفير السعودي عبر «الشرق الأوسط» لتشكيل لجنة لـ«القرار الظني»

TT

نجحت الاتصالات التي تجري في لبنان وعدد من العواصم الإقليمية في سحب ملف «تمويل» المحكمة الدولية من جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني الذي سينعقد غدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لإقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2011 التي تتضمن مساهمة لبنان في نفقات المحكمة الخاصة بلبنان. وكانت «المعارضة» قد أعلنت عدم موافقتها على هذه المساهمة، واتهمها فريق «14 آذار» بأنها تسعى «لإسقاط المحكمة» التي يخشى «حزب الله» أن توجه الاتهام إليه بطريقة ما، موصفا إياها بـ«المشروع الأميركي - الإسرائيلي».

وأكد أحد أعضاء الحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن الوزراء تلقوا إشعارا بوجود جلسة لمجلس الوزراء تعقد غدا الاثنين وعلى جدول أعمالها مشروع الموازنة العامة للدولة. لكنه أشار إلى أن الاتصالات الجارية توصلت إلى تأجيل البند الخلافي (تمويل المحكمة) إلى وقت لاحق يعتقد أنه سيلي زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

وأعرب الوزير عن اعتقاده بأن ثمة اتفاقا غير معلن على تمرير الزيارة بما يضمن الاستقبال الرسمي الجامع لنجاد في بيروت، وبالتالي فإن البلاد ستكون في هدنة «الحد الأدنى» ما لم تسفر الاتصالات التي تجري بين بيروت ودمشق والرياض وأنقرة عن مخرج للأزمة.

وبينما قامت قوى «14 آذار» بطرح «تساؤلات وتمنيات» تتعلق بموقف رئيس الجمهورية الذي سيترجمه الوزراء المقربون منه في جلسة الحكومة إذا ما وصلت الأمور إلى حد التصويت على بند التمويل الذي يحتاج إلى أصوات الثلثين في مجلس الوزراء، قالت مصادر قريبة من الرئاسة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس ميشال سليمان «يقوم باتصالات باتجاه الجميع من أجل تأمين أجواء وفاقية وهادئة لجلسة الاثنين». وأشارت إلى أن الكلام عن اتجاهات تصويت الوزراء المقريين من الرئيس (خمسة وزراء) ليس في محله باعتبار أن التصويت يصبح شكليا أو تسقط الحاجة إليه في حال تم التوافق على الموضوع بين القوى الأساسية، وهذا ما يسعى إليه الرئيس. وأضافت أن «الجميع يستشعر الخطر بغض النظر عن الصوت العالي الذي يصدر عنهم، ولن ينجر أحد إلى فتنة ما، خصوصا في ظل قناعة لدى الرئيس بأنه غير مطلوب إقليميا الآن تقويض الاستقرار الداخلي، بل العكس تماما».

أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو يلتقي مع بقية أطراف المعارضة في «النتيجة»، وإن كان يبتعد في المنطلقات التي يتعاطى من خلالها مع بند الموازنة الخاصة بالمحكمة. فالرئيس بري كما تقول مصادر مقربة منه لـ«الشرق الأوسط»، ينطلق من 4 ثوابت، هي «الوحدة الوطنية والاستقرار، وحماية المقاومة والحفاظ عليها، وموضوع شهود الزور، والدستور». وتشير المصادر إلى أهمية متابعة ملف شهود الزور انطلاقا مما قاله رئيس الحكومة لـ«الشرق الأوسط» لجهة متابعة الملف حتى النهاية بمحاسبة هؤلاء الشهود الذين أثروا على مسار المحكمة ومسار كشف الحقيقة.

وتشير المصادر إلى تحفظ كبير للرئيس بري في موضوع المحكمة على دستورية الإجراءات التي أثمرت قيام المحكمة، وعدم وجود توقيع لرئيس الجمهورية على الاتفاقية التي أجريت مع الأمم المتحدة باعتباره صاحب الصلاحية في التوقيع والمفاوضة بشأن الاتفاقات الدولية، مشبهة موضوع المحكمة بموضوع الـ69 مشروع قانون التي يرفض الرئيس بري تسلمها لأنها أقرت من قبل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي لا يعترف بشرعيتها.

ومع هذا - تقول المصادر - إن الرئيس بري يدرك وجود صعوبات لكنه لا يراها مصاعب، بمعنى أن الأمور من وجهة نظره لم تصل إلى طريق اللا عودة، وأن هناك إمكانية دائما للمعالجة عبر النقاش والحوار الذي ينطلق من الثوابت.

وفي المقلب الآخر، يبدو رئيس الحكومة سعد الحريري أكثر «المحرجين» في ملف المحكمة الدولية، فهو «ولي الدم» - كما وصفه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله - باعتبار أن المحكمة أنشئت للنظر في جريمة اغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وهو يجد نفسه أمام معادلة صعبة يرفضها بشدة لأن فيها «تخييرا بين المحكمة والسلم الأهلي»، وهما من المسلمات والثوابت عنده كما تقول مصادر قريبة منه لـ«الشرق الأوسط».

ويجري رئيس الحكومة اتصالات في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ما تردد عن زيارات قام بها موفدون منه إلى تركيا كما تردد في بيروت أمس عنوانها الأساسي هو ملف المحكمة والعلاقات مع سورية التي يؤكد الحريري أن «لا عودة إلى الوراء بشأنها». وقالت المصادر إن الحريري ما يزال عند الثوابت التي أطلقها فيما يتعلق بالعلاقة مع سورية في حديثه الأخير لـ«الشرق الأوسط» وكذلك موضوع شهود الزور، كما هو عند موقفه في المؤتمر التأسيسي لتيار المستقبل عن رفضه الفتنة ومنعها في لبنان.

أما رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي تمنى «لو أن المحكمة لم تكن»، فهو ما يزال حتى الساعة على موقفه بالتصويت إلى جانب تمويل المحكمة، انطلاقا من قناعة لديه بأن هذا الموضوع لا يعالج من خلال التمويل «لأن التمويل قد يأتي من بلدان أو من مصادر أخرى إذا ما أوقف التمويل اللبناني».

كما يقول مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس لـ«الشرق الأوسط»، إن جنبلاط ما يزال عند موقفه بالتصويت مع التمويل حتى إشعار آخر «لأن حل الأزمة لا يأتي من باب التمويل»، مضيفا: «نحن من دعاة حصول حوار مباشر بين حزب الله وتيار المستقبل، وتحديدا بين الرئيس الحريري والسيد نصر الله للوصول إلى رؤية مشتركة ومقاربة شاملة لملف المحكمة وتداعياتها» مشددا على أنه «لا مناص من الحوار المباشر، وهذا ما يعمل وليد جنبلاط من أجله». وأكد الريس أن «الخيارات الأخرى المطروحة - غير الحوار - لا تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر»، وقال: «التجارب السابقة أثبتت أن هذه الخيارات مدمرة للبنان واللبنانيين وليس لها أي أفق مستقبلي».

أما حزب الله، فهو ما يزال عند قناعته بوجود استهداف من قبل المحكمة الدولية للحزب، وأشار نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم إلى أن الحزب «لم يتخذ موقفا نهائيا في كيفية التعامل مع المحكمة الدولية»، مؤكدا أن «الموقف يحسم على أساس التطورات بانتظار الأسابيع القادمة لإعطاء فرصة للاتصالات والمحاولات قبل قول الكلمة الفصل».

ولفت قاسم إلى أن «المعلومات تقاطعت حول استهداف القرار( الظني) لعناصر من حزب الله وصدوره قبل نهاية عام 2010»، مشيرا إلى أن «بعض وسائل الإعلام والصحف اللبنانية والخليجية والعربية قامت بحملة منسقة للترويج لطبيعة القرار الظني من أجل تهيئة المناخات المنسجمة، الأمر الذي أوصلنا إلى قناعة بأن الأمر محسوم واتجاه القرار الظني حقيقة واقعة وهو جزء من الخطة لرصد ردود الفعل وقراءة الاستنتاجات المختلفة». وأشار إلى أن «الدول الكبرى مثل فرنسا وأميركا لها علاقة مباشرة بظروف صدور القرار، وهذا يؤكد التسييس، فنحن أمام مشهد وقرار له علاقة باتجاه دولي وليس بكشف الحقيقة».

واعتبر قاسم أن «رئيس الوزراء سعد الحريري بإمكانه أن يقوم بالكثير من أجل تجنيب لبنان الأخطار الداهمة، كما بإمكانه أن يضع حدودا لاستخدام لبنان كساحة لأن القرار بيده». وهو ما أكده أيضا عضو كتلة نواب حزب الله نوار الساحلي الذي قال إن «الحريري يعرف واجباته»، معربا عن اعتقاده أن «السلم الأهلي والوحدة الوطنية يجب أن يكونا أولوية لدى كل مسؤول في لبنان وليس فقط رئيس الحكومة»، وأضاف: «ما قاله الحريري لإحدى الصحف (الشرق الأوسط) كان بداية، لكن بعد ذلك لم نر أي عمل فعلي، فملف شهود الزور ليس في يد مجلس الأمن ولا المحكمة الدولية، وفتح هذا الملف هو المدخل الأساسي للوصول إلى الحقيقة».

وعن دعوة السفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري (في حواره مع «الشرق الأوسط» أمس) إلى تشكيل لجنة لبنانية لاحتواء القرار الظني أيا يكن هذا القرار، قال الساحلي: «لماذا يجب أن نشكل مثل هذه اللجان عندما نعتبر أن هذا القرار الظني هو افتراء وتحريض ومبني على أكاذيب لا توجد فيها ذرة من الحقيقة؟».