مقطع ضرب معلمات لتلاميذ يظهر قوة تأثير الإنترنت في سورية

«فيس بوك» و«يوتيوب» ممنوعان لكن الجميع بمن فيهم كبار المسؤولين يستخدمونهما

TT

ظهر على موقع «فيس بوك»، في بداية هذا الشهر، مقطع فيديو لمعلمات يضربن تلاميذ صغار السن. وعلى الرغم من الحظر المفروض على موقع «فيس بوك» في سورية، فإن مقطع الفيديو انتشر بسرعة شديدة، وقام المدونون السوريون بتأجيج الغضب الشعبي حول هذا الموضوع إلى أن وصلت القضية إلى سائل الإعلام العربية.

وأخيرا، أصدرت وزارة التربية والتعليم بيانا قالت فيه إنه قد تم تحويل المعلمات المتورطات في هذا الاعتداء إلى وظائف إدارية. وكانت الحادث بمثابة مثال نادر على الأسلوب الذي يمكن من خلاله أن يفوز مستخدمو موقع «فيس بوك» والمدونون السوريون بهامش من الحرية في المشهد الإعلامي الذي يخضع لرقابة مشددة من قبل السلطات. وفي هذا السياق، يقول خالد الاختيار (29 عاما)، وهو صحافي يعمل في موقع سوري على الإنترنت «لدينا القليل من الحرية. لكن يمكننا الحديث عن أشياء لا تستطيع الصحافة المطبوعة أن تتحدث عنها».

لكن هذا الهامش الضئيل مهدد أكثر من أي وقت مضى بسحابة من الخوف والإرهاب، وبعض الصحافيين يخشون من القضاء على هذا الهامش نهائيا قريبا. فهناك مشروع قانون يتم إعداده لتنظيم الإعلام الإلكتروني سوف يضيق الخناق على المدونين والصحافيين السوريين الآخرين، ويجبرهم على تسجيل أسمائهم كأعضاء في نقابة الصحافيين وتقديم كتاباتهم للمراجعة قبل النشر. وعلى الرغم من أن دولا عربية أخرى تقوم بصورة معتادة بسجن الصحافيين الذين يعبرون عن وجهات نظر معارضة للنظام، فإن سورية ربما تكون هي الأكثر تقييدا للصحافيين بين جميع الدول العربية. ولا تزال معظم وسائل الإعلام السورية مملوكة للدولة. وقد تم السماح بإنشاء وسائل إعلام خاصة في عام 2001، حيث بدأ الاقتصاد الاشتراكي يتحرك ببطء تجاه التحرر بعد وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى الحكم. لكن معظم وسائل الإعلام الخاصة مملوكة لأفراد من الطبقة الحاكمة السورية..

ويقول أيمن عبد النور، مؤسس موقع «All4Syria.info» الذي يعمل به الاختيار «إن أول مستوى من القيود هو الرقابة. والمستوى الثاني هو إرسال بعض البيانات لك وإجبارك على نشرها». ومثل عدد من الصحافيين والمعارضين، فإن عبد النور قد ترك سورية ويعيش الآن في الخارج. إن «الخطوط الحمراء» الأساسية معروفة جيدا: عدم انتقاد الرئيس وأسرته أو الأجهزة الأمنية، عدم التطرق إلى أي من القضايا الحساسة مثل قضية الأقلية الكردية أو العلوية. والصحافيون الأجانب الذين ينتهكون هذه القواعد يتم منعهم من العمل في سورية (وهو الأمر الذي يحد من التغطية المتعلقة بهذا البلد في هذه الصحيفة وغيرها).

ويقول الكثير من الصحافيين هنا إن المدى الحقيقي لما هو محظور لا يتم تحديده بصورة متعمدة، وهذا الغموض يجعل الصحافيين يشعرون بالخوف ويمارسون الرقابة الذاتية. وقد ألقي القبض على الطالبة الجامعية والمدونة طل الملوحي، ذات التسعة عشر ربيعا، أواخر العام الماضي، ولا تزال محتجزة حتى الآن. وكانت الملوحي قد تمكنت من دفع الحكومة السورية لبذل المزيد من الجهد لصالح الفلسطينيين وذلك من خلال مدونتها، لكنها وصلت إلى درجة النقد الحقيقي للنظام، فاعتقلتها السلطات ولم تعط أي سبب لاعتقالها. وتم اعتقال عدد من المدونين بسبب انتقادهم للحكومة السورية، أو حتى غيرها من الحكومات العربية، بموجب قانون عتيق يجرم «إضعاف الشعور القومي» وغيرها من الجرائم المحددة على نطاق واسع.

وقد تم سجن آخرين بسبب نكات، فقد حكم على أحد المدونين، واسمه أسامة كاريو، بالسجن لمدة 28 يوما لقيامه بمحاكاة ساخرة لعام 2007 «للاءات العربية» الشهيرة التي تشير إلى رفض العرب تقديم أي تنازل لإسرائيل (وهي لا سلام مع إسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل)، لكنه استبدلها بلاءات أخرى «لا للكهرباء، لا للماء، لا للإنترنت»، وعندما خرج من السجن توقف كاريو عن التدوين ورفض التحدث مع زملائه الصحافيين عن تجربته في السجن.

وقد قام الصحافيون في محطات التلفزيون والراديو السورية في السنوات القليلة الماضية ببعض الجهود لزيادة هامش الحرية، بدرجات متفاوتة من النجاح. ويقوم بعض صحافيي الإذاعة مثل هاني سيد، الذي يستضيف برنامج «صباح الخير سورية» الشهير على إذاعة المدينة التي تبث على موجات «إف إم» في كثير من الأحيان باختيار القضايا الاجتماعية الحساسة مثل الشذوذ الجنسي والاعتداء على الأطفال. وقد بدأت العام الماضي محطة «أورينت» التلفزيونية، التي يملكها رجل أعمال سوري مستقل، البث من دبي، لكن سرعان ما اكتسبت جمهورا كبيرا بفضل الأفلام الوثائقية التي تعرضها. لكن بعد بضعة أشهر تم إغلاق مكتب المحطة في دمشق فجأة ومن دون إعطاء أي تفسير.

وفي العام الماضي، انضمت بعض المحطات الإذاعية السورية الجديدة المملوكة للقطاع الخاص إلى المدونين في انتقادهم لاقتراح بتعديل قانون الأحوال الشخصية في سورية للسماح للرجال بالزواج من فتيات أعمارهن تصل إلى 13 سنة. وتحت الضغط، تخلى نواب البرلمان عن هذا الاقتراح.

لكن النجاحات الفردية لا تقود دائما إلى تقدم كبير وذلك بسبب الخوف. وهو ما يؤكده الاختيار قائلا «حتى عندما يتجاوز أحد الخط بنجاح، فإن الجميع يظلون خائفين، ولا يستفيدون من هذا النجاح. إنهم يعتقدون أنها ربما كانت مجرد صدفة».

واستطرد الاختيار قائلا إن الكثير من الصحافيين على الإنترنت يقومون باستخدام أسماء مستعارة، وهي ممارسة ربما تكون أكثر أمنا لكنها تضعف مصداقيتهم وتعزلهم بحيث لا يستطيعون تطوير أنفسهم أو معاييرهم المهنية. وقد كان موقع «فيس بوك» منفذا مهما للتعبير عن الإحباطات السياسية والاجتماعية، لكن الكثير ممن يستخدمونه يلجأون إلى استخدام هويات غير حقيقية. ومن المستحيل معرفة عدد السوريين الذين يولون اهتماما بهذا الأمر. وعندما سئل الاختيار عن جمهوره، قال بابتسامة مليئة بالحزن: «أصدقائي والشرطة السرية».وربما يكون ذلك هو السبب في أن السلطات السورية، على الرغم من أنها تفرض حظرا رسميا على موقعي «فيس بوك» و«يوتيوب» والكثير من المواقع الأخرى على الإنترنت، لا تبدو خائفة منها. فمعظم المسؤولين في الحكومة السورية، بمن في ذلك الرئيس، لديهم حسابات خاصة على صفحات موقع «فيس بوك». وبالتنقل بين الكثير من مقاهي الإنترنت في دمشق، يقوم مديرو المقاهي بتعليمك كيفية تسجيل الدخول إلى المواقع المحظورة «فيس بوك» وغيره. ويتم تداول أرقام خدمات البيانات البديلة بين الشباب مثل تداول بطاقات البيسبول.

* خدمة «نيويورك تايمز»