واشنطن تسعى للتصدي لتكتيكات طالبان الدعائية

استغلوا الانقسامات بين الإدارة الأميركية وكابل.. ورسموا صورة الغرب باعتباره على حافة الهزيمة

TT

طورت طالبان في الشهور الأخيرة تكتيكات دعائية معقدة وذكية على نحو متزايد، أثارت قلق المسؤولين الأميركيين الذين يناضلون من أجل مكافحة النفوذ المتنامي لهذه الجماعة المسلحة عبر أفغانستان.

وأشار مسؤولون أميركيون وأفغان إلى أن طالبان اكتسبت مهارة في رسم صورة الغرب باعتباره على حافة الهزيمة، واستغلال الانقسامات بين واشنطن وكابل وشن هجوم ضد إدارة الرئيس حميد كرزاي، باعتبارها تدير دولة «دمية» وليس لها نفوذ يذكر خارج حدود العاصمة. كما تحاول الجماعة التأكيد أمام الأفغان على أن لديها استراتيجية لحكم البلاد مجددا، وتطرح برنامجا لاستئصال الفساد، بل حماية حقوق المرأة.

مع تعزيز هذه الجماعة الإسلامية الراديكالية جهودها الدعائية في أوساط المواطنين العاديين، وسعيها لتحسين صورتها عبر شبكة الإنترنت - لدرجة دفعتها لتوفير أيقونات عبر موقعي «فيس بوك» و«تويتر» تسمح للقراء بنشر بيانات صحافية - يجد التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة نفسه في موقف الدفاع، في خضم هذه الحرب الإعلامية.

وتحدث مسؤول بالاستخبارات الأميركية في كابل عن الاستراتيجية الإعلامية لـطالبان، قائلا: «لقد تحسنت باستمرار، وازدادت تعقيدا. وقطعا باتت تشكل أمرا يثير قلقنا».

على الجانب الآخر، صعّد حلف «الناتو» من جهوده بمجال التصدي للحملة الدعائية التي تطلقها طالبان من داخل باكستان بتكلفة بلغت عدة ملايين من الدولارات، وذلك من خلال ترجمة بعض بياناته الصحافية إلى اللغة الدارية والبشتونية، وعبر تنديده بالجماعة لهجماتها المتكررة التي تسفر عن مقتل وتشويه مدنيين أفغان.

وفي إطار التوجيهات التي أصدرها للقوات في الأول من أغسطس (آب)، حث جنرال ديفيد إتش. بترايوس، أعلى قائد عسكري على مستوى القوات الأميركية وقوات «الناتو» هنا، جنوده على «خوض الحرب الإعلامية بضراوة».

الشهر الماضي، أصدر الملا محمد عمر، زعيم طالبان، بيانا بشر خلاله بقرب هزيمة قوات «الناتو» في أفغانستان، وأوضح كيف ستمارس طالبان الحكم لدى عودتها للسلطة. وقد أصبح هذا التأكيد على وجود خطة محددة لدى الجماعة لقيادة البلاد من الأمور الشائعة.

في هذا الصدد، أعرب جيلاني زواك، محلل سياسي أفغاني درس الجهود الدعائية لـطالبان لسنوات، عن اعتقاده بأن «هذه الأيام طرأ تغيير على حملتهم الدعائية، حيث لم يعودوا يتحدثون عن الاحتلال والضحايا المدنيين فحسب، وإنما أصبحوا يتصرفون كبديل للحكومة».

وفي إشارة واضحة لإدارة كرزاي، التي ينظر إليها الكثير من الأفغان باعتبارها يستشري بها الفساد، تعهد عمر بأن تحقق طالبان «الشفافية الإدارية بجميع الوزارات الحكومية». كما وعد عمر بأن يحترم النظام الجديد حقوق «جميع أبناء البلاد، بما فيهم النساء»، في محاولة واضحة للتغلب على الاعتقاد السائد بأن عودة طالبان ستأتي بعواقب سلبية على حقوق المرأة.

وأعرب المسؤول الاستخباراتي الأميركي، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، عن اعتقاده بأن الإشارة إلى حقوق المرأة كانت محاولة تخفيف حدة الدعاية السلبية التي سببها نشر مجلة «تايم» على غلافها مؤخرا صورة مفزعة، ومقالا حول امرأة تعرض وجهها للتشويه على يد أعضاء في طالبان، وقال: «لقد بات الأمر ملتصقا بهم، لذا عمدوا إلى تخفيف حدة نبرتهم بشأن النساء».

وأثنت طالبان على انسحاب القوات الهولندية هذا الصيف، ولمحت إلى أن ألمانيا وكندا وأستراليا - وهم ثلاثة حلفاء مهمين تفتقر الحرب في أفغانستان لتأييد شعبي على أصعدتهم الداخلية - ستحذو حذوها. وقال البيان الصادر عن الجماعة: «من المنطقي أن تبقى القوات الأميركية بمفردها في أفغانستان لتتجرع ما زرعته، وتعاني العواقب الوخيمة والخطيرة لانتهاكها وغزوها بلادا أخرى».

وفي بيانات صحافية ومقالات نشرت عبر الإنترنت، سعت طالبان لتعزيز فكرة أن الحكومة الأفغانية خانعة أمام واشنطن، وعمدت بوجه عام لوصف القوات الأفغانية وموظفي الحكومة الآخرين بـ«الدمى».

وذكر بيان لـطالبان، صدر ردا على تقرير أوردته صحيفة «واشنطن بوست» في أغسطس (آب)، أن الكثير من مساعدي كرزاي مسجلون بقائمة الرواتب الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأنه «بصورة عامة، يترأس كرزاي، في ظل هيمنة أجنبية، إدارة متعددة الأبعاد يتسم أعضاؤها بالفساد الأخلاقي والسياسي والمالي». ولا تزال طالبان تعتمد بشدة على جهود دعائية تقليدية لا مركزية، يرى مسؤولون عسكريون أميركيون أنها تشكل ميدان القتال الأهم. وتتضمن هذه الجهود توزيع منشورات تحمل تهديدات أو مناشدات وإلقاء خطب في المساجد وبث محطات إذاعية سرية. من ناحيته، أوضح رير أدميرال غريغ سميث، رئيس شؤون الاتصالات لدى «الناتو» داخل أفغانستان، أنهم «استحوذوا على الخطاب الديني لسنوات كثيرة. واستغلوا هذا الخطاب محليا بفاعلية شديدة».

في الوقت ذاته، تفتقر القوات الأجنبية إلى الإعداد المناسب الذي يؤهلها لعرض حجج مضادة داخل المساجد والتجمعات الأخرى، مما يجبرهم على الاعتماد على مسؤولين أفغان للقيام بذلك، حسبما ذكر سميث. وحتى الآن، اتسمت هذه الجهود بالبطء داخل معاقل طالبان الجنوبية في إقليمي قندهار وهلماند، في الوقت الذي يمتد نفوذ الجماعة إلى الشرق والشمال، حسبما أفاد أفغان.

وقال مسؤولون أفغان إن طالبان بنت علاقات مع صحافيين أفغان للمساعدة في صياغة القصص الصحافية. والملاحظ أن المركز الأساسي لجهود طالبان الدعائية يتركز في باكستان، حيث تقع ملاذات للجماعة داخل المناطق التي تفتقر إلى حكم القانون قرب الحدود الأفغانية، تبعا لما ذكره سميث. وأضاف سميث: «إنهم لا يخوضون حربا تتضمن انتصارات عسكرية، وإنما كل ما يفعلونه هو خلق وجهة نظر بأن الحكومة عاجزة عن إحراز النصر».

وقال زواك، المحلل، إن شعورا بالصدمة انتابه إزاء التغير الذي طرأ على «سيكولوجية الشعب الأفغاني»، الذي عاينه خلال تنقله بمختلف أرجاء البلاد في الشهور الأخيرة. وقال: «معظم الناس في الأقاليم والمناطق القبلية يقبلون هذا الخطاب حول أن الأميركيين سيرحلون عن أفغانستان وستعود طالبان إلى الحكم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»