رهانات كبيرة قبل محاكمة غيلاني المتهم بتفجير السفارتين داخل الولايات المتحدة

متهم خارج عن المألوف عرف سجون «سي آي إيه» وغوانتانامو

TT

تبدو أول محاكمة لأحد معتقلي غوانتانامو أمام محكمة أميركية للحق العام التي ستبدأ غدا (الاثنين) في نيويورك، اختبارا حاسما لقدرة إدارة الرئيس باراك أوباما على تصحيح التجاوزات التي ارتكبت في عهد الرئيس السابق جورج بوش في مجال مكافحة الإرهاب. وسيواجه التنزاني أحمد خلفان غيلاني (36 عاما) المتهم بالمشاركة في الاعتداءات على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام مما أوقع 224 قتيلا، أكثر من مائتي تهمة وقد يحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وغيلاني الذي أوقف في باكستان في 2004 هو المعتقل الوحيد في غوانتانامو إلى اليوم الذي أحيل إلى محكمة فيدرالية ونقل إلى الأراضي الأميركية. وقد أحيل خمسة آخرون لا يزالون معتقلين في القاعدة البحرية الأميركية في كوبا للمثول أمام محاكم عسكرية استثنائية.

وقال جوناثان ترلي، البروفسور في جامعة جورج تاون في واشنطن، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «أحمد غيلاني هو واحد من معتقلي غوانتانامو المحظوظين لأنه سيحظى بمحاكمة حقيقية أمام قاض حقيقي». وفي حين يبقى الغموض والجدل سائدين بشأن المكان الذي سيحال إليه المعتقلون الخمسة الآخرون في غوانتانامو المشتبه بأنهم نظموا اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أشار ترلي إلى أن «إدارة أوباما تريد، على ما يبدو، استخدام محاكمة غيلاني كامتحان تجربة». وفي الواقع فإن هذا الرجل صاحب الوجه الطفولي، الهادئ والمبتسم، يبدو المرشح المثالي للتجربة. فهو متهم بشراء الشاحنة والمتفجرات التي استخدمت في الاعتداء على السفارة الأميركية في دار السلام، ثم بالالتحاق بابن لادن في أفغانستان. وقد تعرض على غرار المتهمين باعتداءات 11 سبتمبر، لسوء المعاملة خلال احتجازه في سجن سري تابع للوكالة المركزية للاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، ومثلوا في سجن خلال سنوات من دون محاكمة في انتهاك لجميع مبادئ القانون الأميركي. ويعتبر ترلي أن «مفتاح المحاكمة» سيتمثل في الطريقة التي سيقرر بها القاضي المكلف المرافعات، أي عناصر وأقوال أو أدلة يمكن قبولها، وما إذا كان سيأخذ في الاعتبار المهلة غير الاعتيادية «وندرة الشهود والأدلة التي مر عليها الزمن والذكريات التي انطمست» بعد مرور اثنتي عشرة سنة على الوقائع. ورأى بنجامين وايتس، من مؤسسة «بروكينغز» مركز الأبحاث في واشنطن، أنه «أيا يكن ما تعرض له أحمد غيلاني، فإن الإدارة لم تكن لتصل إلى المحاكمة إن لم تكن قادرة على تقديم عناصر يمكن أن يقبلها القضاء الفيدرالي». وحتى الآن رفض القاضي لويس كابلان طلب المحامين الموكلين بالدفاع عن التنزاني بإسقاط التهم بحجة أن موكلهم سجن من دون محاكمة خلال خمس سنوات من دون أن يحظى بحماية القانون الأميركي. لكن وايتس يعتبر أن «رهانات محاكمة غيلاني هي سلبية بأكملها تقريبا» بالنسبة إلى إدارة أوباما. ورأى المحلل أنه حتى وإن حصلت النيابة العامة على حكم إدانة «لا أعتقد أن أحدا سيخلص إلى أن نيويورك هي أفضل مكان لمحاكمة حالات تكتسي أهمية كبرى»، مضيفا: «إن أولئك الذين يقلقون من رؤية خالد شيخ محمد (الدماغ المدبر لاعتداءات 11 سبتمبر) يأتي إلى نيويورك سيبقون قلقين دائما». في المقابل فإن لم تذهب الأمور في الاتجاه الذي تريده الإدارة الأميركية، «فإن العواقب السلبية المحتملة ستكون هائلة». وقال وايتس: «إن أنصار إجراء المحاكمة أمام محاكم عسكرية استثنائية سيخرجون منها كاسبين، وذلك سيجعل تنظيم محاكمة أخرى أمام محكمة فيدرالية أمرا صعبا جدا».

وكان أحمد غيلاني الذي قدم على أنه معتقل متعاون، أعلن أنه سليم عقليا ويمكن محاكمته على الرغم من الصدمات التي تعرض لها، خصوصا خلال فترة احتجازه تحت سلطة أميركية. ويتوقع أن تستمر المحاكمة نحو أربعة أشهر. والتنزاني أحمد خلفان غيلاني (36 عاما) هو أول سجين في غوانتانامو يحاكم أمام محكمة فيدرالية في نيويورك، ويعد معتقلا نموذجيا مولعا بالروايات البوليسية المخصصة للقضايا القانونية، مر بالسجون السرية التابعة لـ«سي آي إيه» وغوانتانامو. وهذا الشاب صاحب الوجه المستدير الطفولي ولد في زنجبار في 1974 لعائلة متواضعة. ويشتبه بأنه شارك في الاعتداءات على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا مما أوقع 224 قتيلا وأكثر من خمسة آلاف جريح. وبعد طلاق والديه ووفاة أبيه بينما كان في الخامسة عشرة من عمره، عاشت عائلته في فقر مدقع. لكن الفتى كان يذهب إلى المدرسة ثم إلى مدرسة تقنية، حيث درس المعلوماتية.

وقد بدأ بحسب السلطات الأميركية العمل لحساب عملاء في تنظيم القاعدة في عام 1998 وشارك، خصوصا، في شراء وإعداد الشاحنة المفخخة التي استخدمت في الاعتداء على السفارة الأميركية في دار السلام. كما يشتبه بأنه شارك في شراء متفجرات.

وقد دفع غيلاني ببراءته مؤكدا أنه لم يكن يعلم أن مستودعات الأكسجين ومادة الـ«تي إن تي» التي اشتراها ستستخدم في صنع قنابل. وعشية الاعتداءات غادر تنزانيا للالتحاق بأسامة بن لادن في أفغانستان. ولم ينف مطلقا أنه كان مرافقا شخصيا وطباخا لزعيم «القاعدة». ثم انضم غيلاني المتزوج من أوزبكية تصغره بثماني سنوات، بحسب البنتاغون، إلى مجموعة أفارقة في قندهار (أفغانستان) في 2001 مكلفين بإعداد وثائق مزورة للشبكة الإرهابية. وبعد سقوط نظام طالبان في 2001 غادر أفغانستان إلى باكستان، حيث أوقف في يوليو (تموز) 2004 قبل أن يتم تسليمه إلى السلطات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول). ثم اختفى في أحد سجون الوكالة المركزية للاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في بلد لم يكشف عنه. وكان في عداد 14 معتقلا يعتبرون على «درجة عالية من الأهمية» ظهروا مجددا في سبتمبر 2006 في غوانتانامو.

وهو يؤكد على غرار الآخرين أنه تعرض إلى سوء المعاملة أثناء احتجازه. وقال أحد محاميه، بيتر كيجانو: «خلال الشهرين الأولين في السجن السري» أصبح «في حالة عجز غير قادر على الصمود جسديا وعاطفيا ونفسيا».

لكن الطبيب النفسي غريغوري ساثوف الذي أمضى نحو 16 ساعة معه في السجن الأميركي المحاط بتدابير أمنية مشددة، حيث نقل في صيف 2009 والذي نزعت صفة السرية عن تقريره، اعتبر أن الرجل اجتاز محنة الاحتجاز بشكل يدعو للدهشة. وخلال المقابلات «بكى أحيانا، لكن في أوقات عادية، مثلما فعل عندما كان يروي كيف توفي والده». وكتب الطبيب النفسي الذي يخضع تقريره إلى رقابة مشددة: «لكن بالتأكيد كان غيلاني مصدوما تماما ولاقى صعوبة في إيجاد كلماته أو النظر إلى محادثه في عينيه عندما كان يتحدث عن الفترة، حيث.. »، فيما يبدو أنه وصف لظروف اعتقاله لدى «سي آي إيه».