سلاح البحرية الصيني.. هل يستخدم مدنيين بالوكالة في «حربه الإقليمية»؟

نشاط متزايد لقوارب صينية غير عسكرية يهدد بتأجيج التوترات في المنطقة

TT

أشار الخلاف الدبلوماسي الذي اندلع مؤخرا بسبب احتجاز اليابان لقائد سفينة صيد صيني، إلى ما يصفه مسؤولون عسكريون أجانب بأنه مصدر متنام للانقسامات على امتداد الحدود الصينية: القوارب المدنية التي تجوب مناطق مائية متنازعا عليها، وأحيانا تعمل بالوكالة لحساب الأسطول الصيني. وأفاد مسؤولون أميركيون وآسيويون بأن أعداد القوارب المدنية الصينية العاملة في مناطق متنازع عليها وكذلك المشاحنات مع سفن أجنبية، بعضها حربي، في تنام.

وغالبا ما تفتقر القوارب إلى صلات عسكرية واضحة، ولم يتضح أيضا وجود صلة عسكرية للسفينة التي احتجزتها اليابان، إلا أن عددا من المسؤولين والمحللين الأجانب أشاروا لعدم وجود أدلة حول أنهم في بعض الأحيان ينسقون نشاطاتهم مع الأسطول الصيني. ويسعى الأسطول الصيني نحو توسيع ميليشيا بحرية من سفن الصيد وتعزيز سيطرتها على وكالات مدنية تنظم النشاطات في المياه الساحلية.

وتمثلت نتيجة ذلك في تفاقم التوترات على نحو متزايد في المياه المحيطة بالصين، خاصة في بحري الصين الشرقي والجنوبي المتنازع عليهما. والآن، يساور القلق مسؤولين عسكريين أجانب بشأن مجموعة واسعة من السفن الصينية. وحذر مسؤولون أميركيون في تقرير صادر عن البنتاغون عام 2009 من احتمالات اندلاع أعمال عدائية ضد السفن المدنية الصينية، اعتمادا على حادثين منفصلين وقعا العام الماضي دخلت خلالهما سفن حربية أميركية في مواجهات حادة مع قوارب صينية.

ويبدي الأسطول الصيني عزمه على تشكيل وجود عالمي طويل الأمد عبر تحديث أسطوله، لكن استغلال القوارب المدنية يعد جزءا من مساعي تحقيق هدف مختلف، هو الدفاع والتأكيد على نحو أفضل على سيادة بكين على طول السواحل الصينية والمياه الإقليمية الخاصة بها، وكذلك المناطق الاقتصادية الحصرية الممتدة لمسافة 200 ميل بحري خارج الساحل. ويعد الاعتماد على مدنيين واحدا من العناصر المحورية في العقيدة التي يطلق عليها مسؤولون عسكريون صينيون «الحرب الشعبية».

وأوضح دينيس جيه. بلاسكو، الملحق العسكري السابق بالسفارة الأميركية ببكين، أن المؤسسة العسكرية الصينية أوضحت هذه الفكرة في إطار تقرير أصدرته عام 2006 حول الدفاع الوطني. وذكر التقرير أن «الأسطول يعزز جهود البحث المتعلقة بنظرية العمليات البحرية ودراسة الاستراتيجية والتكتيكات المرتبطة بالحرب الشعبية البحرية في ظل الظروف المعاصرة». وأضاف بلاسكو، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، أنه في بعض الحالات يكون توظيف قوات مدنية «ربما أقل استفزازا وأدنى احتمالا لأن يسفر عن تصعيد عن الاستعانة بالقوات النظامية التابعة لجيش التحرير الشعبي».

والملاحظ أن الأسطول الصيني يستغل السفن المدنية في صور متنوعة، إحداها قيادة ميليشيا مؤلفة من سفن صيد. وتتمثل صورة أخرى في تنسيق عمليات مع 5 مجموعات بحرية معنية بفرض القانون تتولى ذات المهام التي يضطلع بها حرس السواحل الأميركي، خاصة قيادة فرض القانون بمجال صيد الأسماك، التي توكل إليها وزارة الزراعة مهمة فرض قرارات حظر الصيد والعمل بانتظام داخل المناطق المائية المتنازع عليها. وحاليا، يخرج بعض المسؤولين المعنيين بصيد الأسماك في قوارب مرتدين زيا رسميا وحاملين أسلحة نارية، حسبما قال برنارد دي. كول، الضابط السابق بالأسطول الأميركي والبروفسور بكلية الحرب الوطنية (ناشيونال وور كوليدج).

ولم يتسن الوصول إلى أحد مسؤولي الأسطول الصيني للحصول على تعليق منه. وأفاد مسؤول بمقر رئاسة شؤون صيد الأسماك في بكين بأن سفن الصيد «تخدم هدف فرض القانون الإداري» وأنها لم تعمل مع المؤسسة العسكرية الصينية.

أما بالنسبة للاعتماد على الصيادين، فإن التدريبات العسكرية خارج سواحل إقليم فوجان وتعليقات مسؤولين صينيين تكشف أن الأسطول الصيني حاول «تنظيم ميليشيا بحرية صينية على نحو أكثر فعالية، اعتمادا على الكثير من أساطيل الصيد»، طبقا لما قاله كول، الذي أضاف «أن الميليشيا البحرية نشطة للغاية في عام 2010».

وأشار تقرير أصدره البنتاغون العام الماضي إلى أنه في مايو (أيار) 2008، جرى إمداد سفينتين حربيتين صينيتين بذخيرة ووقود عند نقطة محددة خارج ساحل إقليم شيانغ من قبل سفن صيد تنتمي لميليشيا بحرية.

والملاحظ أن الخلاف الصيني - الياباني الأخير سلط الضوء على سفن الصيد الصينية. ففي 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، احتجزت السلطات اليابانية زهان كويشيونغ، قائد سفينة صيد، وطاقمه المؤلف من 14 شخصا بعد اصطدام سفينتهم بسفينتين تابعتين لقوات حرس السواحل اليابانية، حسبما أعلن الجانب الياباني. ودخلت السفن الصينية واليابانية في مواجهة حول جزر تعرف لدى الصينيين باسم دياويو، بينما يشير لها اليابانيون باسم سنكاكو، في بحر الصين الشرقي، وهي منطقة غنية بالأسماك ومخزونات الغاز الطبيعي والنفط. وتدعي كل من الدولتين أحقيتها في السيادة على الجزر، لكن اليابان هي التي تتولى فعليا إدارة المنطقة. وعادة ما تطارد قوارب الدورية اليابانية السفن الصينية وتجبرها على مغادرة المنطقة. وفي 24 سبتمبر، أطلق سراح زهان، لكن صحفا يابانية استمرت في طرح تكهنات حول خلفيته، بل ووصفته بعضها بأنه ضابط بالبحرية الصينية.

ورفض زهان الحديث إلى صحافيين. أما زوجة وو تيانزهو، الذي يعمل لديه زهان ويملك 10 سفن صيد داخل المقاطعة التي ينتمي إليها زهان في إقليم فوجان، فأكدت أن زهان وزوجها لا يعملان لحساب المؤسسة العسكرية الصينية. ولم تفصح إلا عن اسمها الأول، تشين، مبررة ذلك بحساسية مسألة مناقشة شؤون أمنية. وأضافت أن زهان عمل صيادا طيلة حياته.

وفي يوم عودة زهان للصين، أعلن عزمه العودة مجددا لجزر دياويو. يذكر أنه منذ قرابة 3 سنوات، جرى تداول وثيقة رسمية بمقاطعة شينهو، حيث يعيش زهان، تخطر الصيادين بضرورة الامتناع عن التوجه إلى مناطق مائية متنازع عليها، حسبما أفاد موظف في مركز إعلامي محلي معني بالصيد أشار لنفسه باسم تشين فقط. لكنه استطرد بأنه لم تصدر في السنوات الأخيرة تحذيرات على هذا النحو. وقال: «تدريجيا، توجه المزيد والمزيد من القوارب للصيد هناك، خاصة عندما لم يكن المحصول جيدا بما فيه الكفاية في السنوات الأخيرة في مناطق أخرى. وتوجه إلى هناك مزيد من القوارب العام الماضي وهذا العام». وارتفع إقبال السفن الصينية على المنطقة مع شروع بكين في إثارة ادعاءات بأحقيتها في السيادة على مناطق حدودية ببحري الصين الشرقي والجنوبي.

وليست الصين وحدها هي التي تسمح أو تشجع صياديها على الدخول لمناطق مائية متنازع حولها. وفي أبريل (نيسان) 2007، احتجزت بكين 4 قوارب صيد فيتنامية في أرخبيل سبراتلي المتنازع عليه ببحر الصين الجنوبي. في يوليو (تموز) 2007، غرق قارب صيد فيتنامي بعد اصطدامه بسفينة صينية، ولقي الصياد الفيتنامي الذي كان على متنه حتفه.

والعام الماضي، شاركت سفينتان حربيتان أميركيتان في حادثتين شهيرتين بدا خلالهما أن الأسطول الصيني يتعاون بصورة وثيقة مع السفن المدنية المعنية بفرض القانون وسفن الصيد، حسبما أفاد مسؤولون بالبنتاغون. وفي 4 مارس (آذار)، سلطت الأضواء على «فيكتوريس»، وهي سفينة أميركية، من جانب سفينة دورية معنية بصيد الأسماك في البحر الأصفر. في اليوم التالي، عمدت 12 طائرة مراقبة بحرية إلى التحليق قريبا من السفينة. وبعد 4 أيام، تعرضت «إمبيكابل»، وهي سفينة أميركية كانت تجري مسحا خارج السواحل الجنوبية الصينية، لـ«تحرش» من جانب 5 سفن صينية، 4 منها مدنية، حسبما أفاد البنتاغون. وقال بلاسكو إنه خلال هذه المواجهات، «أبدت بكين عزمها على توظيف قدراتها العسكرية والمدنية في حماية ما تعتبره سيادتها».

مع تفاقم التوترات، حرص مكتب شؤون صيد الأسماك لرسم صورته كحام لمصالح السيادة الصينية. وفي أواخر سبتمبر الماضي، مع تفاقم الخلاف بين بكين وطوكيو، دعا المكتب مراسلا صينيا يعمل لحساب «غلوبال تايمز»، على متن إحدى السفن التابعة له. كانت السفينة في طريقها في واحدة من زياراتها المنتظمة إلى جزر دياويو. وكتب المراسل، تشينغ غانغ، عن اندلاع مواجهة بين 3 سفن صينية مدنية و3 سفن تابعة لحرس السواحل اليابانيين.

طلبت السفن اليابانية من سفينة مكتب شؤون صيد الأسماك تحويل مسارها، وردت السفينة عبر جهاز إرسال: «إننا سفينة تتبع الإدارة الصينية لشؤون صيد الأسماك، وننفذ مهام رسمية داخل مياه إقليمية صينية. لذا، نطلب منكم الرحيل فورا».

* خدمة «نيويورك تايمز»