محادثات سرية رفيعة المستوى بين طالبان وحكومة كرزاي

بحث مشاركة عناصر طالبان في الحكومة وانسحاب القوات الأميركية على جدول زمني * 3 شروط للسعودية للإشراف على المفاوضات

ضابط أفغاني يستجوب ركاب حافلة عند إحدى نقاط التفتيش خارج مدينة قندهار جنوب أفغانستان (رويترز)
TT

بدأ ممثلون عن حركة طالبان والرئيس الأفغاني حميد كرزاي مفاوضات سرية رفيعة المستوى بهدف التوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب، بحسب ما ذكرته مصادر أفغانية وعربية.

وتأتي المحادثات الأخيرة عقب سلسلة من المفاوضات غير الناجحة التي استضافتها المملكة العربية السعودية قبل أكثر من عام. وعلى الرغم من التأكيد على أن المحادثات الحالية تمهيدية، فإن المصادر أعربت عن اعتقادها بأن تلك هي المرة الأولى التي يحصل فيها ممثلو طالبان على تفويض شامل من مجلس «شورى كويتا»، الذي يدير طالبان من الأراضي الباكستانية، حيث يوجد زعيم طالبان الملا محمد عمر.

وقال مصدر مقرب من المفاوضات عن طالبان: «إنهم جادون للغاية بشأن إنهاء القتال».

وعلى الرغم من الإصرار الدائم من قبل ممثلي عمر على أن المفاوضات مستحيلة ما لم تنسحب القوات الأجنبية، وهو ما يعززه تفوق طالبان في ساحة المعركة، أشارت مصادر إلى أن مجلس «شورى كويتا» بدأ في محادثات حول اتفاقية شاملة تشمل مشاركة بعض عناصر طالبان في الحكومة وانسحاب القوات الأميركية وقوات الناتو على جدول زمني محدد.

وأوضح المصدر أن «قيادة طالبان تعلم أنهم سيهمشون، ويعلمون كذلك أن المزيد من العناصر الأكثر راديكالية، تنشق عن الصف كل يوم. كل هذه الأشياء تجعلهم بغض النظر عن نجاحهم في الحرب، متأكدين إلى حد بعيد من أنهم ليسوا في موقف المنتصر». وأكدت عدة شخصيات شاركت في أو على هامش الاجتماعات، الذين وافقوا على الحديث شريطة عدم ذكر أسمائهم، على الطبيعة التمهيدية للمحادثات، على الرغم من اختلافهم حول طبيعة الموضوعات التي دارت حولها المحادثات. وقد عبر الجميع عن قلقهم من أن يؤدي أي إعلان عام عن المحادثات إلى تقويضها. وقال مسؤول أوروبي تشترك بلاده بقوات في أفغانستان: «إذا تحدثت عن الأمر خلال القيام به، فلن ينجح».

وأشار كثير من المصادر إلى أن المحادثات مع مجلس «شورى كويتا» لم تضم ممثلين عن جماعة حقاني، فصيل منفصل عن طالبان، تعتبره القوات الأميركية بالغ الوحشية وكان هدفا لكثير من غارات الطائرات الأميركية من دون طيار في شمال غربي أفغانستان.

وينظر إلى جماعة حقاني على أنها مقربة إلى حد بعيد من وكالة الاستخبارات الباكستانية أكثر من منها إلى مجلس «شورى كويتا»، الذي يتخذ من إقليم بلوشستان بجنوب غربي باكستان مقرا له، لكن أحد المصادر الأفغانية التي حضرت اللقاء عكست التوتر بين الجانبين، مشيرا إلى أن الإصرار الباكستاني على دور مركزي في أي مفاوضات زاد من صعوبة المفاوضات حتى مع «مجموعة كويتا». وقال المصدر عن الباكستانيين: «إنها يحاولون السيطرة على الأمور».

تأتي التقارير عن المحادثات وسط ما اعتبرته المصادر الأفغانية والعربية والأوروبية تغييرا لافتا في ميول الإدارة الأميركية لدعم المفاوضات. وعلى الرغم من التصريحات المتتالية للرئيس أوباما وفريق الأمن القومي الأميركي بأن الفوز في الحرب لن يكون عسكريا فقط، فإن المصادر قالت إن الإدارة بدت منفتحة خلال الآونة الأخيرة فقط على المحادثات بدلا من رفضها.

وقال مسؤول أوروبي آخر: «لم يكن هناك إجماع عام، فاعتقد البعض منا أن الأمر يمكن إنجازه عبر العمل العسكري». ويرى الأوروبيون أن بداية التحول في الموقف الأميركي ظهرت خلال صيف العام الحالي، مع ازدياد وتيرة القتال وتحقيق قوات الناتو بعض المكاسب التي كانت دون المتوقع، على الرغم من وصول عدد كبير من القوات الأميركية الجديدة وسط معارضة شعبية واسعة في الولايات المتحدة.

كان شركاء الولايات المتحدة الأوروبيون، ذوو التاريخ المختلف، في أفغانستان، الذين تعرضوا لضغوط كبيرة من الرأي العام في بلادهم، أكثر رغبة في التوصل إلى تسوية سلمية بشأن الحرب. وقال المصدر الأوروبي الأول: «ما يلخص هذه المسألة هو أن الأميركيين يدعمون وفي بعض الأحيان يشاركون في الحوار مع العدو».

ومهما كانت الصعوبات السياسية الداخلية، فإن الإدارة الأميركية التي قد تخشاها الإدارة الأميركية في حال التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع طالبان، يرى المصدر أن ذلك سيحل عبر إنهاء الخرب بداية العام المقبل لا متأخرا عن ذلك. وهي سياسة ناجحة ستقوم على حل المشكلات السياسية».

من ناحية أخرى، رسم المسؤولون الأميركيون صورة حول تقدم مغاير يؤدي إلى النتيجة ذاتها، مصرين على أن الوقت قد حان من أجل مفاوضات حقيقية. وعلى الرغم من نتائج مراجعة الاستراتيجية في خريف العام الماضي التي خلصت إلى أن هزيمة طالبان هدف كاذب، فإن مسؤولا بارزا في الإدارة الأميركية يقول: «أعقبت عملية المراجعة فترة زمنية حاولنا فيها التركيز على انتشار قواتنا على الأرض وتحريك الموارد إلى أفغانستان». كما حاولت الحكومة الأفغانية تهيئة نفسها لمحادثات جادة عبر مؤتمرات دولية في يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) وعقد مؤتمر سلام في كابل وأعلنت أسماء فريق المصالحة الحكومي. ويقول المسؤول: «نعم، الآن، عندما استشعرنا أننا نعني ما نقول، يرى الرئيس ضرورة القيام بالتحرك على جميع الأصعدة، ولا يمكننا انتهاج تلك الطريقة التي كنا نسير بها في السابق من دعم العمليات القتالية فقط، بل سنقوم بالتوجه إلى المسار السلمي أيضا». فقد طلب أوباما من فريق الأمن القومي الشهر الماضي دراسة الحل السلمي وأكد على الحاجة إلى ضرورة العمل بصورة متزامنة على الجانبين العسكري والسياسي من المعادلة.

كما تحدث الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية و«الناتو» في أفغانستان إلى الصحافيين الأسبوع الماضي عن أن قادة بارزين في طالبان سعوا إلى التواصل مع المستويات العليا من حكومة كرزاي وأن ذلك هو السبيل الأمثل لإنهاء مثل هذه الحالة من التمرد. هذا، وتتعرض الإدارة الأميركية لضغوط متزايدة لإظهار تقدم بشأن إنهاء الحرب قبل الموعد النهائي الذي وضعه أوباما لبدء انسحاب القوات صيف العام المقبل. ويقول ستافان دي ميستورا، مسؤول الأمم المتحدة البارز في أفغانستان في كلمته أمام معهد السلام الدولي الأسبوع الماضي: «جمعينا يتفق على أننا نمر بعام حاسم في أفغانستان. فإذا كانت نقطة النهاية المفترضة هي ضرورة التوصل إلى حلول في يوليو (تموز) العام المقبل، يجب على اللاعبين الرئيسيين التفكير في كيفية الوصول إلى تلك النتيجة المرجوة، فنحن جميعا نعلم أنه لا يوجد حل عسكري، وطالبان تعلم ذلك أيضا، ولا توجد سوى صيغة واحدة يمكن اتباعها خلال الشهور المقبلة، إنها الحوار السياسي والمصالحة والاتفاق».

وتوقع مواجهة شهور عصيبة عندما تمارس ضغوط قوية من قبل الجانبين في الوقت ذاته للحصول على موقف أفضل في الحوار. ومن بين العقبات المتوقعة المعارضة التي يمكن أن يفرضها تحالف الشمال، غير البشتوني، الذي أطاح بطالبان بمساعدة الولايات المتحدة في عام 2001 وانقسام أفغانستان إلى عدة مجموعات. وحث دي مستورا والشركاء الأوروبيون للولايات المتحدة الإدارة على التعاون بصور أكبر مع الدول الأخرى في المنطقة مثل روسيا والهند وإيران لتصبح جزءا من الحل الذي سيتم التفاوض عليه في أفغانستان.

وقال مسؤول أوروبي التقى مسؤولين في طهران مؤخرا: «في إيران، يقولون علنا إن القوات الأجنبية يجب أن تنسحب. لكنهم يعلمون أننا إذا غادرنا من دون ترتيبات سيتعرضوا لمشكلات».

وتختلف المصادر حول موقع المحادثات ومحتواها وعدد الجلسات، فيقول أحدهم إن الجولة الأخيرة أقيمت في دبي، مؤكدا على أن ممثلي طالبان عبروا عن تأييدهم لبعض بنود السلام، ومن بينها رفض الملا عمر في السعودية توفير الحماية والرعاية الصحية له كرئيس سابق للدولة. بيد أن مقربين آخرين من المحادثات قالوا إنه على الرغم من أن المحادثات بدت جادة، فإنها لم تتطرق كثيرا إلى هذا النوع من التحديد.وأوضح مسؤول سعودي بارز أنه لم تجر لقاءات في دولته منذ محادثات العام الماضي. ويتوقع أن تلعب السعودية دورا رئيسا في المحادثات، لأسباب سياسية ودينية. فالسعودية كانت واحدة من بين ثلاث دول، إلى جانب الإمارات وباكستان تعترف دبلوماسيا بحكومة طالبان أفغانستان قبل عام 2001. ونظرا لرعايتها للأماكن الإسلامية المقدسة، ربما يكون السعوديون أكثر مصداقية في رعاية المفاوضات بالنسبة لطالبان من الدول الإسلامية الأخرى.