تراجع العملة وارتفاع الأسعار يؤججان التململ الداخلي في إيران

العقوبات زادت العقبات أمام الشركات الإيرانية.. وبعض رجال الأعمال بدأوا في تهريب أموالهم

TT

تجابه حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، التي تواجه بالفعل معارضة متزايدة من القوى السياسية داخل إيران، ضغوطا جديدة نتيجة المتاعب الاقتصادية القوية، التي كانت العقوبات الدولية سببا في حدوث بعض منها.

بيد أن الاقتصاديين والمحللين يشيرون إلى أن العقوبات، الهادفة إلى دفع إيران إلى التخلي عن برنامجها النووي، لم تفلح بعد في ردع الجمهورية الإسلامية. لكنها تسببت في غلاء الأسعار وزادت من العقبات أمام قدرة الشركات الإيرانية على العمل دوليا.

وأشار مسؤولون أميركيون مؤخرا إلى أن العقوبات أثرت بشدة، بيد أنهم اعترفوا في الوقت ذلك بكثرة التحديات. وقال ستيوارت ليفي، مسؤول بارز بوزارة الخزانة في كلمة له في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي: «يأتي كل هذا في وقت تشهد فيه الحكومة الإيرانية سوء إدارة اقتصادية ومرونة سياسية محدودة. وقد تلقينا بالفعل تقارير بأن النظام قلق بصورة كبيرة تجاه تأثير هذه الإجراءات، خاصة على النظام المصرفي وعلى احتمالات النمو الاقتصادي. ومع تزايد الضغوط وكذلك الانتقادات الداخلية لأحمدي نجاد والآخرين على الفشل في الاستعداد بصورة ملائمة للعقوبات الدولية وسوء تقييم تأثيراتها».

تأتي العقوبات في الوقت الذي كانت إيران تستعد فيه لتطبيق تعديل شامل لطريقة توزيع الإعانات عبر منح مخصصات مباشرة للفقراء والسماح برفع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والكهرباء والبنزين بنسب كبيرة.

زادت العقوبات والمخاوف بشأن إعادة توزيع الإعانات الاجتماعية ومشكلات الميزانية المحتملة من هشاشة الاقتصاد الإيراني، ولعل الدليل الأبرز على ذلك ما حدث في الـ25 من سبتمبر، من انخفاض قيمة العملة الإيرانية، الريال، إلى أدنى مستوى لها.

وفي أعقاب العقوبات المالية الجديدة التي طبقتها دولة الإمارات، لم يتدخل البنك المركزي الإيراني لمنع انخفاض قيمة الريال - الذي ظل مستقرا طوال عقود - بنسبة 15 في المائة، مخلفا خسائر كبيرة لودائع التجار والمستوردين البنكية.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة الإيرانية قد أصابتها الدهشة من تأثير الإجراءات الإماراتية الجديدة أو التردد الواضح. لكنها انتظرت أسبوعا كاملا لتبيع دولاراتها، لتضارب بها بنسبة أعلى مما تلقته قبل أسبوع وحققت أرباحا على المبيعات.

ولعل غياب سياسات واضحة المعالم للتعامل مع هذه القضايا المالية هو ما جعل الاقتصاديين ورجال الأعمال وبعض المسؤولين يشعرون بقلق بالغ.

وقال محمود نهاونديان، رئيس غرفة التجارة والصناعة والتعدين الإيرانية: «بات من الصعب فعلا رؤية أي استراتيجية اقتصادية واضحة من الحكومة، فالوزارات المختلفة تخرج سياسات مختلفة ويبدو أنهم يتصرفون بحسب ما تمليه عليهم ظروف اليوم».

ورغم الأضرار المتزايدة التي أحدثتها العقوبات للحكومة والقطاع الخاص يبدو أن الإيرانيين يثقون في اقتصادهم، فقد شهدت بورصة طهران ارتفاعا كبيرا في حجم التداولات ولا توجد إشارات واضحة على هروب رأس المال.

لكن مع مواجهتهم تضاؤل القوة الشرائية، يعيد الإيرانيون التفكير في إيمانهم بشأن العملة وهو تحول يمكن أن يكون ذا تأثير أكثر وضوحا من العقوبات.

وأدت زيادة سعر الصرف ونقص العملة الأجنبية إلى مشهد فوضوي في بعض البنوك، وقال أحد تجار الحديد في طهران: «كان الناس يصرخون ويصيحون أمام طاولات صرف النقود في البنوك. كانوا يرغبون في شراء الدولارات لأن أسعار السلع التي يشترونها من الخارج ترتفع كل دقيقة، لكن لم تكن هناك دولارات، لذا وقعت حالة من الفوضى.

وأضاف أن الأرباح التي حققها هو والتجار الآخرون الذين يعملون في السوق الحرة تلاشت مع انخفاض قيمة الريال مقابل الدولار. وقد ارتفعت أسعار الحديد بنسبة 50 في المائة خلال الشهرين الماضيين نتيجة للعقوبات.

وفي أولى الإشارات على ازدياد توتر الإيرانيين بشأن العملة، بدأ بعض رجال الأعمال تهريب أموالهم إلى الخارج. ويقول تاجر الحديد: «الناس يسافرون إلى الخارج وحقائبهم مكتنزة بمئات الآلاف من الدولارات. إننا نشعر بأن الحكومة تحاول كسر ظهورنا عن عمد».

وتقول الحكومة إنها تعد خطة التطوير الاقتصادي الشاملة، التي تتضمن خفض الإعانات الحكومية وزيادة الضرائب والتعريفات، والتي ستساعد في محاربة الاحتكار والفساد.

من جانبهم، يرى المتفائلون أن الخطة تهدف إلى زيادة الدخل الحكومي والتوعية من أن وقوع الصدمة سيؤدي إلى وقوع الاضطرابات.

وتصر الحكومة على أن الهدف من خطة الإعانات رفع المستوى المعيشي للفقراء الذين يقول الرئيس أحمدي نجاد إنهم لم يستفيدوا من النظام الحالي. وبدلا من الحفاظ على انخفاض الكثير من الأسعار فإن البنية الحالية ستساعد في أغلبها الطبقات الفقيرة التي تستهلك بصورة أكبر.

ويعد الكثيرون في هذه الشريحة الاجتماعية، التي تأثرت بالفعل بالاقتصاد الراكد، أنفسهم للتغيير. إذ يخشون من عدم قدرتهم على سداد فواتير الخدمات التي يتوقع أن ترتفع بنسبة 40 في المائة وربما ترتفع بنسبة أكبر من ذلك. فقد ارتفعت فاتورة الكهرباء بالنسبة لعائلة من الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية من 8 دولارات إلى 48 دولارا شهريا. ومع متوسط دخل يبلغ 500 دولار شهريا سيجد الأفراد هذه الارتفاعات في قيمة الخدمات صادمة للغاية وهو ما يدفع بالمسؤولين إلى الاستعداد لاحتجاجات قادمة.

ولمواجهة مثل هذه الزيادات، سيتم منح العائلات التي تصنف على أنها فقيرة إعانات تبلغ 40 دولارا للفرد الواحد.

ويشكك المحللون في امتلاك حكومة أحمدي نجاد الأموال اللازمة لدفع هذه الإعانات حيث أعلنت الحكومة عن محتوى خزينة الدولة، الذي يعد سرا من أسرار الدولة وحتى نواب البرلمان لا يعرفون كم مليارات الدولارات التي تبقت بعد انخفاض أسعار النفط.

ويؤكد الكثير من العاملين في القطاع الخاص الذي يشكل 25 في المائة من الاقتصاد الإيراني أنهم ضحايا للسياسات الحكومية والعقوبات. ويقول نهاونديان: «هدف هذه العقوبات تغيير السلوك السياسي للحكومة - في المجال النووي، لكنها لا تزيد الحكومة سوى تعنت في مواقفها السياسية».

* خدمة «نيويورك تايمز»