موقف وزراء «أمل».. صدمة إيجابية للحكومة اللبنانية و«المستقبل»

السجال بين «الوطني الحر» و«القوات» ينقل التوتر إلى الساحة المسيحية

TT

كانت الساحة اللبنانية شهدت أمس نوعا من «الصدمة الإيجابية بعد بيان مفاجئ صدر ليل أول من أمس عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، أعلن فيه أن وزراء حركة أمل، التي يرأسها، سوف يقاطعون أي جلسة للحكومة لا يتم خلالها بحث موضوع شهود الزور». ورغم «سلبية» الموقف ظاهريا، فإنه حرك الملف بطريقة إيجابية؛ إذ تجاوبت الحكومة معه بإعلان أن جلسة الأسبوع المقبل سيكون على جدول أعمالها ملف «شهود الزور»، فيما رحبت بموقفه أوساط في الأكثرية معتبرة أن موقفه يعيد السجال إلى مكانه الطبيعي، أي داخل المؤسسات بدلا من لغة الشارع التي استعملها حزب الله.

وتبين أن بري لم ينسق مواقفه هذه مسبقا مع بقية حلفائه في حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يرأسه العماد ميشال عون. وأشارت مصادر بري إلى أن عدم التنسيق لا مدلولات له «لأن أطراف المعارضة السابقة تنسق مع بعضها في العناوين الرئيسية وهناك اتفاق في وجهات النظر في ما بينها». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن بري «لم يذهب إلى مكان آخر في مواقفه بعيدا عن حلفائه، وبالتالي لم تكن ثمة ضرورة للتنسيق».

وأشارت المصادر إلى أن بري أراد من موقفه هذا «كسر الحلقة المفرغة؛ حيث كان السجال يتصاعد ويترك تداعيات سلبية على الواقع اللبناني، إضافة إلى أن السجال الذي كان دائرا لم يكن ليؤدي إلى أي نتيجة، بل كان مثل كرة الثلج، بينما المطلوب رأي واحد هو رأي وزير العدل في هذا الملف»، مشيرة إلى أن موقف بري «وضع حدا للتأجيل المتكرر في عرض التقرير الذي طلبته الحكومة من وزير العدل منذ نحو 7 أسابيع فيما السجال يحتد والاحتقان يزداد».

ورأى وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي المقرب من النائب وليد جنبلاط أنه «رغم كل ما قيل عن جلسة أمس، فالهدف الوحيد والأساسي لما طرحه زملاؤنا في الحكومة ممثلو حركة أمل هو الوصول إلى تحريك ملف شهود الزور لا أكثر ولا أقل». وقال بعد زيارته بري: «على الرغم من كل ما قيل، فإن الأجواء كانت إيجابية وتم استيعاب كل المسائل بدور إيجابي متفهم لفخامة الرئيس سليمان وبدور إيجابي متقدم لدولة الرئيس سعد الحريري الذي سمعنا منه بالأمس كلاما يؤكد فيه أنه رغم كل ما جرى، فلن يعود شخصيا عن مسيرة تطوير العلاقات مع سورية.. وأنه لن تكون هناك عودة عما قاله لصحيفة (الشرق الأوسط) عن شهود الزور وعن قرار مجلس الوزراء الذي اتخذ في الماضي وبالإجماع في ما بيننا، والأهم من كل ذلك ما أشار إليه لتبديد المخاوف من الفتنة والتأكيد مجددا أن دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري لن يكون سببا لفتنة وأن الفتنة لن تقع ما دام هناك سعد الحريري والرئيس بري و(الأمين العام لحزب الله) السيد (حسن) نصر الله».

وقد تلقى تيار المستقبل موقف بري بإيجابية لافتة، وأشار عضو الكتلة النائب عقاب صقر إلى أن الكتلة «تتفهم مواقف بري». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن نظلم الرئيس بري، فهو تعرض لضغوطات هائلة في الفترة السابقة، ونحن نسجل له مواقفه كقوله بضرورة درء الفتنة بالتمييز بين القرار الظني (في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري) والمحكمة، ورفضه قيام أية (مبادرات) على الأرض بالإضافة إلى تعامله الإيجابي مع حديث الرئيس الحريري لـ(الشرق الأوسط) واعتباره إياه (دفرسوار العلاقات العربية - العربية) فيما كان الآخرون يهاجمونه»، مشيرا إلى أنه عندما اندفع البعض في حزب الله إلى القول بإن حركة أمل شاركت في همروجة المطار (استقبال اللواء جميل السيد) خرج هؤلاء ليقولوا إنهم لم يشاركوا». ورأى أن موقف بري «ليس تفجيريا، بل تنفيسيا». وقال: «هذا الموضوع كنا نريده أن يفتح في أول جلسة بعد حديث الرئيس الحريري لصحيفتكم، لكننا ارتأينا التأجيل إلى ما بعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، لكن طالما أنهم يريدون نقاشه الآن فليفعلوا، وسنريهم مجموعة من الأدلة والمستندات والوقائع التي تؤكد براءتنا في هذا الملف، بل نستطيع القول إننا نستطيع أن نتهم ولا نُتهم».

واحتدم السجال على الساحة المسيحية بين التيار الوطني الحر، الذي يرأسه النائب ميشال عون، والقوات اللبنانية التي يرأسها سمير جعجع، على خلفية تصريح لعون دعا فيه جعجع «لعدم استخدام سلاحه، لتبقى الأمور بخير»، مما استوجب سلسلة ردود من الفريق القواتي صعّدت السجال على الساحة المسيحية. وتحولت المعركة الكلامية لسجال مباشر بين رئيس الوطني الحر، عون، ورئيس القوات، جعجع، إذ تولى الأخير شخصيا الرد على اتهامه من قبل عون بحيازة السلاح بالقول: «حبل الكذب قصير، ولا يؤدي إلى أي مكان، لقد توقعت لك (لعون) نهاية سياسية غير ناجحة، لكنني لم أتوقع لك يوما نهاية ساقطة كالتي تعيشها اليوم». ولم يتأخر عون عن إعادة التصويب متهما «رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، وغيره من النواب، بتغذية الحقد والطائفية في النفوس»، مشددا على أنه «لا يمكن أن نكون انعزاليين، ولا يمكن لأحد أن يعزلنا»، سائلا مَن «المجنون الذي يريد أن يلغي الطائفية السياسية في هذه الأجواء؟».

ودخل أمس نواب من الفريقين على خط التراشق الكلامي، فاعتبر عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب فريد حبيب، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن العماد عون «فقد الحد الأدنى من اللياقة الأدبية»، لافتا إلى أنه «حاقد على القوات إلى حد كبير، منذ توقيعها على اتفاق الطائف»، وقال: «لا شك أن عين عون لا تزال على كرسي الرئاسة، وهو لا ينفك يبحث عن مصلحته الشخصية، لكننا نؤكد له ولمن يسيّره أنه لا فتنة على الساحة المسيحية، لأن المسيحيين أوعى من أن ينجروا وراء أهوائه».

في المقابل، أكد عضو تكتل التغيير والإصلاح، حكمت ديب، أن «تحذير العماد عون لجعجع مستند لمعلومات ومعطيات تؤكد تسلحه»، واضعا «رد جعجع غير المبرر في خانة توتير الأجواء لهدف معين، وخلق الذريعة لتبرير القيام بعمل ما على الساحة المسيحية».

وعن وصف جعجع لنهاية العماد عون بـ«الساقطة» قال ديب لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى من جعجع أن يفصل ويشرح كيف يرى نهايتنا ساقطة، في وقت أثبتت الوقائع أن خياراتنا هي الخيارات الصائبة التي يلجأ إليها اليوم الفريق الآخر».

بدورها ردت القوات اللبنانية على اتهامها بأنها «تعد خططا لجر البلاد إلى الفتنة الطائفية»، فنفت نفيا قاطعا «كل هذه الأكاذيب والأضاليل»، منبهة إلى أنها «ستدعي على مروجيها، وتحيلهم إلى القضاء المختص»، وأحالت القوات اللبنانية الرأي العام اللبناني إلى كلام رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، في آخر جلسة للحكومة، «حيث أكد، بعد مراجعة المراجع الأمنية الرسمية، أن كل الأخبار عن التسلح غير حقيقية».

وفيما أكد عضو تكتل التغيير والإصلاح، النائب سيمون أبي رميا، أنه لم يتفاجأ من تساؤلات سمير جعجع عن نهاية رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، قال «إنها ليست النهاية التي كان يريدها جعجع، لأنه كان ينوي أن ينهيه منذ عام 1990، عندما كانت قذائف ومدفعيات القوات تطال قصر بعبدا، تزامنا مع قذائف وصواريخ القوات السورية»، واعتبر أن «جعجع متفاجئ؛ كيف أن عون ما زال الزعيم الوطني الأول».

من جهة أخرى، فُتح سجال على خط آخر بين النائبين أنطوان زهرا ونبيل نقولا؛ ففي حين ذكر عضو تكتل التغيير والإصلاح، النائب نبيل نقولا، رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، بأنه «خرج من السجن، ليس بتبرئة من قضاء يعتز به، إنما بفضل نواب التكتل، وعلى رأسهم العماد ميشال عون الذي يشتمه اليوم»، وأكد أن «فاقد العرفان بالجميل هو الساقط، ومن شب على شيء شاب عليه»، رد عليه عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب أنطوان زهرا، بالقول: «المطلوب أولا من نقولا ألا يناقض نفسه على طريقة معلمه الذي تحدث قبل أيام قليلة عن القضاء، الذي فبرك له في زمن الوصاية ملفا فارغا أبقاه خارج لبنان 15 عاما»، وقال: «لا بد لي من محاولة ترطيب ذاكرة الزميل نقولا، وتذكيره بأن الدكتور سمير جعجع خرج من السجن لأنه بريء، وقد صوت على قانون العفو معظم النواب في المجلس، وبينهم نواب التيار الذين يجوز سؤالهم عما إذا كانوا قد صوتوا مع القانون المذكور وهم مقتنعون بعدم براءة (الحكيم)؟ وعن أسباب إقدامهم على فعلتهم يومها؟». ولفت زهرا إلى أن «الدكتور جعجع خرج من سجنه بعفو عام وفقا للقوانين المرعية، بينما معلم نقولا (عون)، عاد من منفاه بصفقة مع سلطة الوصاية، أنجزت في الغرف السوداء، ونقل تفاصيلها العملانية (نجل الرئيس اللبناني السابق)، إميل إميل لحود، وكريم بقرادوني».