حزب الله يعزز قواه في لبنان استعدادا لمواجهة جديدة مع إسرائيل

بعد أن استعاد رعاته في طهران سيطرتهم على الوضع

TT

من داخل هذه البلدة الحدودية المحاطة بشجيرات، أطلق حزب الله حربه على إسرائيل عام 2006. ويبدو من نبرة حديث أنصار الميليشيا الشيعية المسلحة وكأنهم محبطون لعدم خوضهم حربا جديدة منذ ذلك الحين.

في هذا السياق، قال فارس جميل، وهو أحد مسؤولي البلدية وصاحب شركة تجارية صغيرة «كنت أتوقع اندلاع حرب هذا الصيف، لكن الوقت تأخر الآن». يذكر أن جميل لم ينته بعد من إعادة بناء منزله المؤلف من ثلاثة طوابق الذي دمرته قنبلة إسرائيلية ذلك العام.

عام 2006، عبرت مجموعة مسلحة تابعة لحزب الله الحدود، على بعد بضع مئات من الياردات من وسط المدينة، ونصبت كمينا لدورية إسرائيلية، وعادت للبنان عبر عيتا الشعب حاملة جثتي جنديين إسرائيليين.

وقال مسؤولون في الحزب وأنصار لهم إنهم يبعثون اليوم برسالة واضحة لإسرائيل عبر جهودهم لإعادة بناء وإعمار وتسليح الجنوب.

من جهته، أكد علي فياض، القيادي في حزب الله والنائب في كتلته «لا يغمض لنا جفن، إننا نعمل باستمرار». ويستقبل فياض زائرين كل عطلة نهاية أسبوع بمنزله العائلي في الطيبة التي شهدت معركة دبابات حامية الوطيس عام 2006.

بعد أربع سنوات من الحرب الأخيرة، يبدو أن حزب الله، إن لم يكن يتأهب بحماس للدخول في حرب ضد إسرائيل، فإنه يستعد لها بهدوء. ويبدو أن حساباته تقوم على إما أن اتخاذه توجها عسكريا عدوانيا قد يشكل عامل ردع ويحول دون اندلاع حرب أخرى، مثلما يقول مسؤولوه ومحللون لبنانيون، أو أن اندلاع حرب جديدة من شأنه تعزيز مكانته على الساحة السياسية الداخلية. وطبقا لما ذكره حسن نصر الله، زعيم الحزب، فقد زاد الحزب من عدد الصواريخ إلى 40.000 صاروخ مقارنة بـ13.000 خلال حرب عام 2006. في المقابل، لم يعترض أي من مسؤولي الدفاع الإسرائيلي على هذا التقدير (عام 2006، أطلق حزب الله قرابة 4.000 صاروخ).

كان حزب الله قد انضم إلى حكومة لبنان الائتلافية عام 2008 كشريك كامل يتمتع بحق النقض (الفيتو)، وهو وضع يحمل قدرا كبيرا من المسؤولية رأى محللون أنه ينبغي أن يثبط الحزب عن محاولة إثارة حرب أخرى مدمرة مع إسرائيل. ورغم ذلك، وبسبب صلات الحزب بإيران وميليشياتها القوية، قال مسؤولون فيه إنهم على استعداد للقتال حتى لو سببت الحرب دمارا واسعا.

هناك أسباب وراء قول مسؤولين بحزب الله إنهم يشعرون بجرأة أكبر، إذ يبدو أن رعاة حزب الله داخل إيران قد استعادوا سيطرتهم على زمام الأمور بعد عام من التحديات الداخلية منذ إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المتنازع بشأنها في يونيو (حزيران) 2009. ويعتقد مسؤولون أن حزب الله أثبت أمام ناخبيه أن بإمكانه إعادة بناء نفسه بسرعة منذ الحرب الأخيرة، فقد أنجز، بتمويل من إيران ومتبرعين من الخليج العربي، مشروع إعادة إعمار ضخم تكلف مئات الملايين من الدولارات، وفي قلب «حارة حريك»، إحدى ضواحي بيروت، حيث تشاهد مبان سكنية فخمة مؤلفة من 10 طوابق أنجز بناؤها هذا العام. يذكر أن هذه الضاحية كانت قد تحولت لركام بسبب وجود الكثير من مؤسسات وقيادات حزب الله فيها.

كما مهدت طرق اسفلتية جديدة، جرى تصميمها وتسديد تكاليفها من جانب طهران لربط الأجزاء الداخلية والقرى الحدودية بالجنوب اللبناني - وجميعها مناطق خاضعة لحزب الله - بالطريق السريع الساحلي الرئيسي.

ربما يكون الأهم من ذلك، حسبما ذكر محللون لبنانيون، أن دور حزب الله في الحكومة مهد الطريق أمام تعاون أوثق مع وحدات استخباراتية لبنانية. وأفاد مسؤولون لبنانيون بأنهم ألقوا القبض على أكثر من 100 مشتبه في كونهم جواسيس لإسرائيل خلال العامين الماضيين.

وتتجلى النهضة العمرانية في جنوب لبنان في عيتا الشعب، فبعد أن كانت تعرضت لتدمير شبه كامل عام 2006، تمت إعادة بنائها تماما، وزاد عدد سكانها بنسبة تقارب 30% عما كانوا عليه قبل الحرب، ليصلوا إلى 12.000 نسمة.

وقد بنى أنصار «حزب الله» عشرات المنازل على امتداد تلال استراتيجية تواجه الحدود الإسرائيلية، في مناطق كان يقتصر استخدام الجزء الأكبر منها على الزراعة. وأشار مسؤولون حزبيون إلى أن هذه المنازل ستعقد أي محاولة إسرائيلية مستقبلية للتقدم وستمنح مقاتلي حزب الله غطاء أثناء العمليات القتالية البرية.

الآن، تقوم قوات حفظ السلام الدولية والجيش اللبناني بدوريات بالمنطقة الحدودية. وطبقا لبنود قرار الأمم المتحدة الذي أنهى الحرب، فإنه من المفترض أن ينزع «حزب الله» الصفة العسكرية عن المنطقة الواقعة بين الحدود الإسرائيلية ونهر الليطاني، وهي مسافة تبلغ نحو 18 ميلا.

إلا أنه على ما يبدو، فعل حزب الله العكس تماما، حيث يجوب عملاؤه مدنا استراتيجية، ويجرون تحقيقات مع أجانب وغرباء. وذكر مسؤولون في الحزب أنه جرى تجنيد العشرات من المقاتلين الجدد، مما زاد عدد مقاتلي الحزب لضعفين أو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، حسب تقديراتهم. ويبدو أن حزب الله احتفظ بتأييد شيعة الجنوب اللبناني. ويقول حسين روميتي، المسؤول في بلدية برج قلاوي التي شهدت قتالا عنيفا عام 2006 «حزب الله ليس كيانا غريبا. إنه جزء عضوي طبيعي من كل منزل وقرية. إنه جزء من الشيعة». وأعرب الكثير من المحللين العسكريين اللبنانيين ممن لا يؤيدون حزب الله عن اعتقادهم أن الحزب سلح ودرب وعزز قواته إلى درجة كبيرة بما يكفي لأن تشكل تحديا كبيرا لأي قوة عسكرية إسرائيلية غازية.

من جهته، قال محمود قماطي، أحد مؤسسي الحزب «نحن لا نهدر الوقت». وأضاف في مقابلة أجريت معه أنه إلى جانب تعزيز صفوفه وتعزيز قدراته الصاروخية، اتبع حزب الله سياسة «غموض استراتيجي» خاصة به بشأن ما إذا كان يملك صواريخ مضادة للطائرات أو صواريخ «سكود» متطورة أو أي معدات عسكرية أخرى بمقدورها تغيير ميزان القوى مع إسرائيل (من الواضح أن هذا المصطلح يعكس عقيدة الغموض الاستراتيجي الإسرائيلية حيال برنامج أسلحتها النووية غير المعلن).

وفي إشارة إلى أفكار تناولها قائد حزب الله مرارا في خطبه، أوضح قماطي أن الجماعة رغبت في الحفاظ على توازن رادع مع إسرائيل. وأضاف أن حزب الله لا يرغب في بدء الحرب المقبلة، وإنما يسعى لتعزيز قدراته الردعية فحسب. وأوضح «اليوم، نعيش في توازن الخوف. وهذا التوازن يعوق الحرب».

علاوة على ذلك، تضاءل التكتم السياسي لدى حزب الله إزاء تحالفه الاستراتيجي مع سورية وإيران. في الماضي، لمح الحزب إلى أنه لن يرد بالضرورة إذا ما تعرض أحد رعاته لهجوم. ومع ذلك، تعلن قيادات حزب الله الآن أنها ستجد صعوبة في الوقوف من دون حراك إذا قصفت إسرائيل أو الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية.

وخلص تقرير أصدره الشهر الماضي جيفري وايت، مسؤول وكالة الاستخبارات الأميركية السابق الذي يعمل حاليا مدرسا في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، إلى أنه حال اندلاع صدام بين حزب الله وإسرائيل، فإنه من المحتمل أن يكون مدمرا أكثر من حرب 2006، ويمكن أن يتوسع سريعا ليتحول إلى حرب مع سورية أو إيران.

وقال وليد سكرية، الجنرال المتقاعد وعضو البرلمان في كتلة حزب الله، لكنه ليس عضوا به، إن إسرائيل ستفكر مليا قبل أن تقدم على مهاجمة أي عضو بـ«محور الممانعة»، الذي يضم حزب الله وسورية وإيران. وأشار سكرية إلى أن حزب الله لا يمكنه الفوز في مثل هذه الحرب، لكن بإمكانه ضمان إحداث قدر كاف من الدمار المتبادل يكفي لتثبيط إسرائيل. وأضاف «من شأن اندلاع الحرب إلحاق الدمار بسورية ولبنان، لكنها لن تكون في مصلحة إسرائيل».

على امتداد الحدود، يسود مزيج من مشاعر الحتمية واستعراض الشجاعة. وعلى بعد مسافة قصيرة للغاية من قريتي أفيفيم ويريعون الإسرائيليتين، يرفرف علم إيراني في متنزه مارون الراس الذي افتتح حديثا، وذلك في قرية مارون الراس اللبنانية الحدودية حيث خاضت إسرائيل واحدة من أوائل وأقسى معاركها عام 2006. وتطل صورة كبيرة لأحمدي نجاد لتحيي زائري المتنزه. وأعربت جيهان مسلماني (35 عاما) بينما كانت تستعد لنزهة خلوية مع أسرتها «هذا سيكون أول مكان تدمره إسرائيل في الحرب المقبلة». وقالت رباب حيدر (28 عاما) «إذا دمروه، سنبنيه ثانية».

* خدمة «نيويورك تايمز»